الصين تدفن حلم «المشاركة البناءة» مع الغرب
موقع عالم واحد الالكتروني:
قضى قمع الصين القاسي للمعارضة السياسية من هونغ كونغ وصولاً إلى شينجيانغ، وعلاقاتها الوثيقة مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية، على الحلم الذي راود العديد من القادة الغربيين منذ تسعينات القرن الماضي بأن «المشاركة البناءة» ستؤدي في النهاية لا محالة إلى المزيد من الانفتاح والديمقراطية.
وبدلاً من ذلك، حدث العكس، أصبحت الصين أكثر ثقة وحزماً، وأكثر انغلاقاً أيضاً. وبعد خمسة وثلاثين عاماً من تحرير الزعيم الصيني الأسبق دينغ شياو بينغ لاقتصاد الصين..
فإن الحزب الشيوعي الصيني الآن يستخدم الازدهار المادي والأيديولوجية القومية للحفاظ على شرعيته في وجه التوترات الاجتماعية المجهدة. وما يثير المزيد من القلق أن السياسة الخارجية للصين مبنية على مصالح ذاتية محسوبة بعناية، وذلك على حساب المؤسسات الدولية والمعايير والالتزامات العالمية التي سعت الولايات المتحدة إلى تعزيزها.
فماذا حصل لتنحرف الأمور عن مسارها الصحيح؟
إذا كانت هناك من نقطة تحول في نظرة وتقييم بكين لأميركا، فإنه يمكن العثور عليها في الأزمة المالية لعام 2008 وتداعياتها، حيث بدأت الصين التي كانت لا تزال تكن احتراماً لقوة أميركا العسكرية، ترى أميركا كنظام فاشل باقتصاد مثقل بالديون وحكومة مختلة، عرضة للتراجع كزعيمة العالم.
والصين لا تسعى إلى إشعال الصراع، حيث يمكنها تحقيق معظم أهدافها من خلال الجمع ببراعة بين الدبلوماسية التقليدية والقوة الاقتصادية الهائلة. لكنها في الوقت نفسه لن تتجنب الصراع أيضا.
التحدي الأهم
بيد أن المشكلة الاستراتيجية الأعمق لأميركا هنا تكمن في تحدي الصين الأكثر أهمية لبنية التجارة العالمية وحكم القانون وتسوية المنازعات بالطرق السلمية، تلك البنية التي وضعتها أميركا وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية.
والصعود الاستراتيجي للصين يهدد كل ذلك. وكما سعت الولايات المتحدة إلى اعتماد القيم الديمقراطية والمعايير الأميركية للسلوك الدولي في جميع أنحاء العالم، ستسعى الصين إلى بنى وعلاقات تدعم حكم الحزب الشيوعي الصيني في الداخل وسياستها بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وهذا سيمثل خطوة إلى الوراء نحو أفكار توازن القوى ومناطق النفوذ للقرن التاسع عشر. والسؤال هنا وفقا لطرح هنري كيسنجر هو «ما إذا كانت الصين بإمكانها العمل مع الولايات المتحدة في إيجاد هيكلية عالمية، حيث يجري ربما للمرة الأولى في التاريخ، دمج دولة صاعدة في نظام دولي، لتعزيز السلام والتقدم».
ولأكثر من عقدين، كانت الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين توازن بين «المشاركة» و«الاحتواء»، ما يعتبر نسخة عن السياسة الأميركية تجاه الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة. أما سياسة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في «التمحور» حول آسيا المعلنة في أواخر 2011، فقد نظر إليها على أنها موجهة ضد الصين، وتشكل تحولاً نحو الاحتواء. والولايات المتحدة لم تنقل قوات عسكرية فحسب، وإنما قامت أيضا بتحديث معاهدات الدفاع في المنطقة كجزء من هذا التمحور.
وعورة الطريق
ومع ضغط الصين المتزايد في مطالباتها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي والشرقي، ستنجر الولايات المتحدة إلى الخلافات الإقليمية. وسيكون من مصلحة الصين إجبار الولايات المتحدة على الاختيار تدريجياً، في قضية تلو الأخرى، بين الصين ومصالح حلفاء أميركا في المنطقة.
وستشدد الولايات المتحدة على تسوية النزاعات في المحافل المتعددة الأطراف من خلال القانون الدولي، وعلى تلبية التزاماتها تجاه حلفائها، في حين سترى الصين، في المقابل، النظام الدولي وهذه الالتزامات التي تأخذ طابعاً رسمياً بأنها منحازة بشدة ضدها.
ويجب أن لا تكون لدينا أوهام بشأن وعورة الطريق أمامنا. فحتى من دون أي مواجهة عسكرية، فإن ميزان القوى في غرب المحيط الهادئ سيحدد مدى قابلية الصين للضغط والتهديد أو المساومة.
وينبغي أن تعمل أميركا على إقناع الصين بأن مصالحها تكمن في تحمل المسؤولية المشتركة للزعامة العالمية، بما يتناسب مع ثرواتها وقوتها. والمؤسسات الدولية للحكم لم تكن ممتازة، لكنها تبقى الهيكلية الأفضل لضمان السلام والازدهار في العالم. والصين التي تدير ظهرها لتلك المؤسسات سوف تجد نفسها معزولة وفي حالة دفاع عن النفس، مهما عظمت قوتها الاقتصادية والعسكرية.