اقتصاد الصين يتعثر وإنعاشه يتطلب إجراءات صعبة
c
صحيفة الحياة:
أشعل تسجيل الصين في الربع الثالث من السنة أدنى نسبة نمو منذ خمس سنوات عند 7.3 في المئة، نقاشاً حول مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وجاء إعلان بكين بعد يوم من إصدار مركز بحوث «كونفرنس بورد»، الذي يتخذ من نيويورك مقراً، دراسة رسمت صورة قاتمة للنمو الصيني المتوقع خلال العقد المقبل.
وتوقعت الدراسة تراجع نسبة النمو في الصين إلى 3.9 في المئة مع نهاية العقد الجاري، واستمرارها عند هذه النسبة للسنوات الخمس المقبلة، وهي نسبة وإن كانت مرتفعة بقياسات الدول الغربية، إلا أنها تُعتبر ضعيفة مقارنة بمعدل نمو 10.2 في المئة حققته الصين بين عامي 1981 و2011.
وعزت أسباب التباطؤ إلى أن «الجزء الأكبر من النمو الذي حققته الصين خلال السنوات الخمس الماضية استند إلى الاستدانة، فارتفع إجمالي الديون الصينية، العامة والخاصة، إلى 250 في المئة من الناتج المحلي». وينقسم الخبراء حول احتمال أن يؤدي الدَين الصيني إلى فقاعة على غرار ما يحصل في اقتصادات الدول المتطورة، إذ استبعد بعضهم ذلك معتبرين أن سيطرة الحكومة على مصادر التمويل تمنع هذا النوع من الانهيار.
وعادت بكين أخيراً إلى إنقاذ بعض المؤسسات الكبرى التي عانت نقصاً في السيولة، في خطوة يعتقد خبراء أميركيون أنها تمنع انتقال الصين من اقتصاد رأسمالية الدولة إلى اقتصاد رأسمالي حر. وتؤدي سيطرة بكين على مصادر التمويل إلى تقليص فاعلية السوق، وتسمح بالفساد، وتكبح الأفكار الخلاقة، وهي العائق الأبرز أمام انتقال الصين من مرحلة النمو الحالية إلى مرحلة تالية، وفق خبراء أميركيين.
ويبدو أن نموذج النمو الصيني الحالي، الذي أدى إلى «المعجزة الصينية»، استنفد قدراته، فالصين اكتفت من مشاريع تطوير البنية التحتية وزيادة عدد الوحدات السكنية، فتضاعف عدد الوحدات الشاغرة على رغم إيعاز بكين للبنوك بتسهيل قروض السكن. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، دأب اقتصاديون في العالم وفي الصين، على القول إن أمل الصينيين يكمن في تحويل اقتصادهم من الاعتماد على الاستثمارات الخارجية وتطوير البنية التحتية والتصدير، إلى الاعتماد على الاستهلاك وقطاع الخدمات.
ولا يكفي الصين أن تكون «مصنع العالم» في المدى المنظور، فبسبب سياسة الولد الواحد، بدأ الشيب يدب في المجتمع الصيني، وبدأت القوة العاملة تتقلص منذ سنوات، ما يعني أن استمرار الصين في الصناعة والتصدير يشترط تطوير صناعاتها لتشمل كمية أكبر من البراءات الفكرية والاختراعات التكنولوجية. ولطالما حاولت بكين زيادة موازنتها «للبحوث والتطوير» للحاق بالغرب، إلا أن عوائق بنيوية تمنعها من إدراك هدفها.
وعلى سبيل المثال، يشير باحثون أميركيون إلى أن ترقية أساتذة الجامعات الصينية يشترط موافقة ممثل الحزب الشيوعي في الجامعة بدلاً من تزكية الأساتذة الآخرين ممن يعملون في الحقل ذاته، ما يربط الترقيات الأكاديمية بالوساطات بدلاً من ارتباطها بالبراعة ومستوى الإنتاج الأكاديمي. أما في القطاعات الصينية الأخرى، فالتخصيص مطلوب، ولكن ذلك قد يؤثر سلباً في قاعدة مؤيدي الحزب الشيوعي والدوائر الريعية المرتبطة بهم، ما يدفع الحكومة إلى تأخير هذا النوع من الإصلاحات، والاستمرار بنموذج النمو الحالي الذي استنفد إمكاناته.
وكتب الخبير مايكل شومان في مجلة «تايم: «هناك مخاوف من أن الصين تسير على خطى اليابان عندما بدأ اقتصاد الأخيرة يتعثر مطلع التسعينات، والحل لهذه المشاكل على المدى الطويل يتطلب إعادة ترتيب طريقة عمل الاقتصاد في الصين». وأضاف: «قادة الصين أدركوا ذلك، ووعدوا باتخاذ الإجراءات التي تعطي القطاع الخاص باعاً أطول في الاقتصاد». ولفت إلى أن «السياسات وحدها قد لا تكفي، إذ أن السوق الحرة التي أطلقت في شانغهاي قبل سنة وسمح فيها بانتقال رأس المال من الصين وإليها بحرية، على سبيل التجربة، أثبتت أنها تجربة متعثرة». ويعزز تقرير «كونفرنس بورد» الاعتقاد بأن قادة الصين لن ينفذوا الإصلاحات المطلوبة، أو سينفذون إصلاحات لن تكون كافية. ولكن ماذا لو كانت الصين بلغت ذروتها، وبالنظر إلى تركيبتها السياسة والاجتماعية، لا يمكن لها القيام بالإصلاحات الجذرية والبنيوية المطلوبة؟
وطالما أن معظم الخبراء يشير إلى اليابان مثالاً، لا بد من التذكير بأن على رغم أدراك اليابان مكامن الخلل في اقتصادها، وعلى رغم المحاولات المتكررة للإصلاح والتي كان آخرها تلك التي يقوم بها رئيس حكومتها الحالي شينزو آبي، لا يمكن أحياناً تجاوز الواقع الاجتماعي الذي يمنع الحكومة من الاستناد إلى قوى السوق وحده، أو الواقع السياسي الذي يفرض على هذه الحكومات خيارات تمنع تطبيق الإصلاحات التي يتفق الجميع على ضرورتها.
وقد يجمع الخبراء وقادة الصين على الخطوات المطلوبة، ولكن تطبيقها قد يكون متعذراً لأسباب عدة، ما يعني أن الصين بلغت ذروتها في النمو الاقتصادي، وأفضل ما يمكنها القيام به منع الانهيار التام ومحاولة الإبقاء على نسبة النمو عند أعلى مستوى ممكن، ما يبدو أن الحكومة الصينية دأبت على القيام به خلال الأشهر الماضية. وختم شومان: «رحبوا بالواقع الجديد للصين واقتصادها».