الصين.. نهضة أمة
قناة الجزيرة:
حققت الصين معجزة اقتصادية في ظرف وجيز، جعلها تدخل في منافسة مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، فما سر هذا التحول الصيني؟ سؤال يحاول أن يجيب عنه الشريط الوثائقي “الصين.. نهضة أمة” الذي بث على قناة الجزيرة.
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة رينمن بالعاصمة بكين، وين تيا تشو، إنه قبل العام 1949 كانت الصين بلدا زراعيا تماما، وفي الحرب الكورية دعمت أميركا اليابان، فرد الاتحاد السوفياتي سابقا بالاستثمار في الصين لإنتاج الأسلحة والآليات الثقيلة، وفي سنوات قليلة تحولت الصين من بلد زراعي بالكامل إلى بلد صناعي، لتتراكم خبرة التصنيع في خمسينيات القرن الماضي وحتى السبعينيات، ولكن للدولة وليس للأفراد.
وقد أدى تصنيع الصين – التي بلغ عدد سكانها عام 2014 حوالي 1.4 مليار نسمة – إلى تحديث قدرات الجيش العسكرية، وكذلك البنية التحتية والتقدم التكنولوجي، وكانت الصين -يضيف أستاذ علم الاجتماع- بلدا اشتراكيا، أي أن اقتصادها يعتمد على التخطيط، كما كانت لجنة مراقبة الانضباط في الحزب الحاكم هي من يحدد أوجه تخصيص موارد الدولة.
في أواخر السبعينيات وبعد أن ظهر القصور في الاقتصاد الموجه، وبدا أن النظام الاقتصادي على وشك الانهيار ولد النظام الجديد في أواخر السبعينيات، بعدما قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التحول إلى اقتصاد السوق، لكن على الطريقة الصينية التي تعتمد الإصلاح تدريجيا، وليس بنظام الصدمة.
بدأ الإصلاح في المناطق الريفية بتدشين نظام الأسر المنتجة، ثم واصل انتشاره في البلاد، وفي ثلاث سنوات طال الإصلاح قطاع الصناعة الذي به استمرت الصين في انفتاحها الاقتصادي حتى انضمت إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001.
ويقول الأستاذ في معهد العلوم السياسية في بكين، فن نين إن السوق الحر في الصين تنشطه المبادرة الفردية وتخطط وتنسق له الحكومة، وهذا ما يفسر النمو السريع للاقتصاد الصيني، وقد سمح للأفراد بإنشاء مشاريعهم الصناعية وإنماء ثرواتهم الفردية، وهو ما أضفى الحيوية على المجتمع، وجعل الحزب الشيوعي الحاكم ينجح في تحقيق التنمية الإستراتيجية.
ولم يتوقف الأمر لدى الصينيين عند إمداد السوق المحلية بالمنتجات الصناعية الاستهلاكية، وإنما يتطلعون إلى السوق العالمية.
ويرجع بسام أبو ملوح، وهو مستثمر عربي من مدينة خاي نجاح التجربة الصينية إلى نشاط الشعب الصيني، ومعرفته بطلب الزبون، وتشجيع الاستثمار الأجنبي في البلاد، إضافة إلى أن الصين لم تشجع هجرة اليد العاملة إلى المدن الكبيرة.
الشركات الحكومية
تقوم الشركات المملوكة للدولة (الشركات الحكومية) بعدة وظائف – حسب أستاذ الاقتصاد في جامعة رينمن ببكين، ليو يوان تشون- حيث تقوم بإنقاذ السوق عند الفشل، وبتحسين القدرة التنافسية للإنتاج المحلي، وبطرق مجالات يعزف عنها القطاع الخاص.
ويقول الأستاذ في معهد العلوم السياسية إن نصيب الشركات المملوكة للدولة هو حوالي نصف النشاط الاقتصادي في البلاد، ويقتصر نشاط هذه الشركات على مجالات معينة، مثل الصناعات الثقيلة التي لا يمكن للقطاع الخاص التنافس فيها، فعلى سبيل المثال استثمرت الدولة مبالغ طائلة في القطار السريع، وهو مشروع له مستقبل واعد، إنه “مشروع الحكومة الصينية”.
زان لين، نائب رئيس مجموعة جيلي الاقتصادية الصينية، يؤكد أنهم أسسوا شركة لإنتاج السيارات عام 1997، لكنها تحولت إلى شركة تعداد موظفيها يقدر بـ20 ألفا ولها تسعة مصانع في الصين، وأنتجت في 2013 نصف مليون سيارة للسوق الصينية والعالمية، ويقول إن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية سمح بدخول مستثمرين أجانب وباقتحام الصين للسوق العالمية.
وتولي الصين مع قفزتها الاقتصادية أهمية للموظفين والعاملين، وهو ما يشير إليه الباحث الاقتصادي العضو بالحزب الشيوعي الحاكم لي تيان هاو بقوله إن قانونا ذا طبيعة اجتماعية يحمي حقوق العمال، فعلى سبيل المثال يجبر هذا القانون الشركات على تعويض العامل الذي تفصله تعسفيا، ويكون التعويض بالضعف إلزاميا في حال الإصابة أو في حال المرأة الحامل.
كما أن القانون يجبر الشركات التي لا تمنح العامل عقد عمل بعد عام من بدء عمله أن تدفع له ضعف الأجر على ذلك العام، كما أنها ملزمة بدفع التأمين الاجتماعي والصحي للعامل.
ويقدم أستاذ علم الاجتماع بجامعة رينمن نصائح للعرب كي ينهضوا، وهي أن تكون لهم سيادة وطنية على الموارد، والاهتمام بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأن يحققوا التكافل الاجتماعي والأمن المستدام.