تحليل إخباري: الصين بوابة الجزائر نحو بناء اقتصاد ناشئ
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
أظهرت زيارة رئيس الوزراء الجزائري عبد الملك سلال إلى الصين والتي اختتمها الخميس واستمرت 4 أيام كاملة مدى الرغبة الجامحة للجزائر في التحول إلى اقتصاد ناشئ باعتبارها كانت زيارة اقتصادية بامتياز بالنظر إلى الإتفاقيات التي وقعها الجانبان في مجالات عدة.
وتتوافق زيارة سلال إلى الصين مع البرنامج الإقتصادي الذي أعلنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد انتخابه لولاية رابعة في إبريل 2014 والذي يهدف إلى “بناء اقتصاد ناشئ من خلال رفع القيود التي تعيق التوصل إلى تحقيق نمو قوي ومتواصل عبر تحسين محيط الاستثمار على كافة الأصعدة” بحيث سيتم في هذا الإطار “تعديل القانون المتعلق بالإستثمار” على نحو “يكرس حرية الاستثمار وإنشاء المؤسسات ودعم الدولة للمشاريع”.
وتعتزم الجزائر الإستثمار خلال السنوات الخمس المقبلة في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والسياحة لتحقيق اقتصاد ناشئ وهذا بهدف “وضع الجزائر على طريق التحديث” كما قال سلال.
ولتحقيق ذلك يسعى مخطط الحكومة بحلول 2019 إلى تحقيق نسبة نمو إجمالية تقدر بـ 7 في المائة ورفع حصة الفرد الجزائري من الناتج المحلي الخام إلى 7200 دولار مع انخفاض نسبة البطالة إلى 8.4 في المائة.
وحسب سلال فإن الجزائر لن تعود قادرة على تمويل مخططاتها التنموية بعد 2037 لأن احتياطاتها من النفط تكون نظريا قد نضبت، وعليه فإن التمويلات الضخمة التي دفعت بها الحكومة للفترة ما بين (2015 – 2019) هي ذات أهمية قصوى لمستقبل الإقتصاد الجزائري وهذه التمويلات قاربت 280 مليار دولار أمريكي، وكل هذا من أجل التحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد ناشئ.
وقال رئيس جمعية الصداقة الجزائرية الصينية أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر الدكتور إسماعيل دبش في حديث مع وكالة أنباء (شينخوا) “إن توقيت زيارة سلال إلى الصين يتزامن مع بحث الجزائر لإيجاد اقتصاد بديل لاقتصاد النفط”، مشيرا إلى الوفد الإقتصادي المحض الذي رافق سلال والذي ضم وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب ووزير العمران والمدينة عبد المجيد تبون ووزير التجارة عمارة بن يونس فضلا عن وفد هام من 60 من كبار رجال الأعمال ورؤساء المؤسسات العامة.
وأوضح دبش الذي شغل سابقا منصب مستشار في رئاسة الجمهورية، أن الجزائر تبحث عبر الصين إلى “جعل المشاريع الصناعية تأخذ طريقها إلى التنفيذ”، معتبرا أن الصين بالنسبة للجزائر في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الإقتصاد الجزائري الذي بدأ يتأثر بانهيار أسعار النفط في السوق العالمية هي “شريك اقتصادي وسياسي إستراتيجي موثوق به”.
وأشار دبش إلى أن العام 2014 ارتفع التعاون الإقتصادي بين البلدين إلى 10 مليارات دولار أمريكي متوقعا بلوغه إلى أكثر من 25 مليار دولار في المجال التجاري والإستثمار.
وقال دبش “إن العلاقات جد عميقة وهناك تكامل وراحة سياسية بين البلدين”.
وعلى هذا الأساس، يقول دبش إن البلدين توجا دائرة التعاون بينهما بإعلانهما الإرتقاء بعلاقاتهما الثنائية إلى شراكة إستراتيجية شاملة في مايو 2014، تعززت بالتوقيع على المخطط الخماسي للتعاون الاستراتيجي الشامل الخاص بالفترة (2014 – 2018) الموقع في يونيو 2014 ببكين.
وبدأت علاقات الجزائر والصين بخطوات ثابتة تمتد جذورها إلى سنوات التحرر وإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في 20 ديسمبر 1958 وما تبع ذلك من تعاون مبني على الصداقة والثقة الدائمتين.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، قال دبش “إن الدولتين ترفضان التدخل العسكري في الدول وترفضان توظيف الأمم المتحدة لمصالح دول بعينها وهما على توافق تام في قضايا ساخنة مثل ليبيا وسورية ومنطقة الساحل الإفريقي”.
وأشار دبش إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة “له مقاربة جد إيجابية تجاه الصين، وهو الذي أشرف (عندما كان وزيرا للخارجية في العام 1971) على طرد منطقة تايوان وإعادة مقعد الصين في الأمم المتحدة وفي المقابل هناك دعم صيني للجزائر برز في سنوات التسعينيات عندما كانت الجزائر تشهد موجة إرهاب، فالجزائر عند الصينيين لها مكانة متميزة وخاصة”.
وشهدت العلاقات الجزائرية – الصينية خلال 15 عاما الأخيرة تطورا ملحوظا بدفع من قادة البلدين من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى على غرار تلك التي أجراها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الصين في أعوام 2000 و2006 و 2008 والرئيسان جيانغ زيمين في 1999 وهو جين تاو في 2004، فضلا عن زيارات قام بها إلى الجزائر رئيس اللجنة الوطنية للهيئة الاستشارية السياسية للشعب الصيني يو زهانغشنغ في نوفمبر 2014 ومستشار الدولة الصيني يانغ جيه تشي في فبراير 2015 ووزير التجارة الصيني غاو هو شينغ الذي ترأس مناصفة في 10 إبريل الجاري أعمال الدورة السابعة للجنة المشتركة الاقتصادية الجزائرية-الصينية مع نظيره الجزائري عمارة بن يونس.
وأصبحت الصين منذ العام 2013 المصدر الأول للجزائر وتمكنت من إزاحة فرنسا التي كانت تحتكر التصنيف لعشرات السنين.
وبلغت قيمة صادرات الصين إلى الجزائر 8 مليارات دولار أمريكي في 2013 والقيمة بلغت 8.2 مليار دولار في 2014، كما أنها صنفت في المركز الأول في الربع الأول من 2015 بواقع 2.13 مليار دولار أمريكي من السلع بارتفاع بلغت نسبته 12.8 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام 2014.
ومثلت صادرات الصين في الربع الأول من العام الجاري 16.4 في المائة من الواردات الجزائرية الإجمالية في هذه الفترة، فيما كانت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين في حدود 3.8 مليار دولار فقط في عام 2007.
وضمن كل هذا الزخم، توجت زيارة رئيس الوزراء الجزائري إلى الصين بالتوقيع على أكثر من 20 ما بين اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرامج تنفيذ شملت عدة مجالات منها الصناعة والمناجم والسياحة والزراعة والإتصال والطاقة النووية والعمل والضمان الاجتماعي والتعاون الاقتصادي والتقني والتعليم العالي والبحث العلمي.
وقال سلال الذي أجرى مباحثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الصيني لي كه تشيانغ ومع رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني يو زينغ شينغ إن زيارته ستعطي “هبة جديدة” للعلاقات بين الجزائر والصين بالخصوص في المجال الاقتصادي.
وأكد أن زيارته تناولت أساسا “الجانب الاقتصادي وهذا بهدف توجيه تعاوننا نحو مجالات تستهدفها السياسة الاقتصادية للجزائر الرامية أساسا لتنويع الاقتصاد من خلال تعزيز الاستثمارات في القطاعات خارج المحروقات”.
وأوضح سلال أن مشاريع الاستثمارات المنتجة الصينية في الجزائر من المقرر أن تتضاعف في مختلف قطاعات النشاطات مثل الصناعة والزراعة، متوقعا أن تعود مشاريع الشراكة المستقبلية بين البلدين “بالفائدة على الطرفين” فضلا عن أنها “ستفيد الإقتصاد الجزائري لأن الخزينة العمومية لا يمكنها أن تبقى وحدها تتحمل الاحتياجات المالية لتطوير الاقتصاد الوطني”.
وتشارك الشركات الصينية بنشاط كبير في مشروعات البناء الكبرى بالجزائر ومن بينها مشروع بناء الوحدات السكنية والطريق السريع الذي يربط شرق الجزائر بغربها على طول (1200 كلم)، وهو مشروع مهم بالنسبة للجزائر إلى درجة اعتبرته الحكومة الأكبر على المستوى المتوسطي والإفريقي والذي تهدف من خلاله إلى تحسين حياة المواطنين وتحفيز النمو الاقتصادي.
وتبلغ تكلفة هذا المشروع الذي أوشك على الإنتهاء منه 13 مليار دولار أمريكي، وتشرف شركة ((سيتيك- سي ار سي سي)) الصينية على إنجاز الجزأين المهمين من الطريق الأوسط والغربي وهو يكتسي أهمية إستراتيجية باعتباره يوفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل جديدة ويسمح بتخفيف ازدحام شبكة الطرق الوطنية.
وامتد التعاون بين البلدين ليشمل كل المجالات تقريبا منذ إنشاء البلدين عام 1982 اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني التي من المقرر أن تعقد هذا العام دورتها السابعة في الجزائر، امتدت إلى مجالات الطاقة والزراعة والبناء والبحث العلمي والثقافة والإنتاج الحيواني ومحاربة التصحر والري وتعبئة الموارد المائية والصناعة والتعاون العسكري والمجال النووي والصحة والبرلمان والتعاون الفضائي.