تقرير: خطة الصين السريّة لتحل محل الولايات المتحدة!!
موقع 24 الاماراتي:
أوشك أن يهل علينا موسم الانتخابات التمهيدية الرئاسية الأمريكية بكل ما تنطوي عليه من نشاط سياسي، وربما يستفيد كثيرون من المرشحين، أو مستشاريهم على الأقل، من إلقاء نظرة جديدة على نتاج هذا الموسم، من الكتب التي تتناول السياسة الخارجية، وينبغي أن تكون الصين في صدارة، أو قرب صدارة، قائمة الأعمال التي يقرأها كل مرشح قبل نومه.
لو نجحت الصين في مسعاها فسوف تعيد تشكيل العالم ليصير عالماً “يدعم الأوتوقراطيات” وتعيد كتابة التاريخ كي يشوه الغرب ويشيد بالصين تمكنت بكين من التغرير بالغرب لمساعدة الصين على تنمية اقتصادها والارتقاء بقدراتها العلمية من خلال خطة خداع محكمة تتحفظ فيها الصين في إظهار مواطن قوتها وفي هذا الإطار، شرعت إليزابيث سي. إيكونومي، زميل أول سي. في. ستار، ومديرة دراسات آسيا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في تصفح الركام المتزايد من الكتب والتقارير الجديدة حول العلاقات الأمريكية الصينية، التي تراكمت على مدى الأشهر القليلة الماضية، وخطر لها أن تقدم بعض التأملات في ما هو جديد وأعظم نفعاً، وما ليس كذلك، من كل كتاب.
صعود الأوتوقراطيات
تشير إليزابيث إيكونومي، مؤلفة كتاب “بكل وسيلة ممكنة: كيف يغيّر سعي الصين وراء الموارد وجه العالم” (By All Means Necessary) بمشاركة مايكل ليفاي، وكتاب “النهر الملوث: التحديات البيئية للمستقبل الصيني” (The River Runs Black)، إلى أنه، قبل كل شيء هناك كتاب الدكتور مايكل بيلزبيري الذي يحمل عنوان “ماراثون المائة عام: استراتيجية الصين لاستبدال أمريكا كقوة عظمى” (The Hundred-Year Marathon).
ونوهت إليزابيث إلى أن هذا الكتاب ممتع جدّاً، وعلى درجة رفيعة من الإثارة الفكرية، كما أنه ينجح حيث لا ينجح إلا قليل من الكتب في الجمع بين الكتابة الأكاديمية والسياسات وأسلوب المذكرات على نحو ميسور وأن يظل ثريًّا على المستوى الفكري، حيث يقدم بيلزبيري، الزميل الأول ومدير الاستراتيجية الصينية في معهد هدسون، أطروحة واضحة ومباشرة، ويقول بصراحة تامة ودون مواربة إن الصين تنتهج استراتيجية ماراثون بعيد المدى، كي تحل محل الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة بحلول عام 2049.
ويمضي بيلزبيري قائلاً إنه لو نجحت الصين في مسعاها هذا، فسوف تعيد تشكيل العالم ليصير عالماً “يدعم الأوتوقراطيات” و”تعيد كتابة التاريخ كي يشوه الغرب ويشيد بالصين” وتصدّر نموذجها الإنمائي شديد التلويث إلى البلدان الأخرى، وتقيّد الفضاء السياسي المتاح للمنظمات الدولية (الصفحة 195).
لو كان هذا هو كل ما يقوله الكتاب، لكان من السهل أن ينبذه المرء، لكن بيلزبيري يتمكن من الاعتماد على معارفه الواسعة بالكتابات والنظرية العسكرية التاريخية الصينية، وكذلك على تفاعلاته مع الهاربين الصينيين وكبار الضباط العسكريين في ذلك البلد لبلورة دفاع تحليلي مقنع عن أطروحته، فهو يصف نظريته برشاقة بألفاظ صينية مستخدمًا مفهومًا صينيًّا يسمى “شي” (تراصُف القوى أو خلق الفرصة).
“شي” و”غو”
ويرى بيلزبيري أن المرء يستطيع أن يميز في مفهوم “شي” وفي لعبة “الغو” الاستراتيجية الصينية الأساسية التي تقوم على “خداع الخصم كي يشعر بالرضا عن نفسه وعن الوضع الراهن، وبهذا يستنفد طاقته على نحو يساعدك حتى فيما أنت تتحرك لتطويقه” (الصفحات 42-45).
وهذا الموضوع الذي يتمحور حول الخداع الصيني والسذاجة الأمريكية هو مرتكز تحليل بيلزبيري، فهو يجادل بأنه من خلال خطة خداع محكمة، تتحفظ فيها الصين في إظهار مواطن قوتها، تمكنت بكين من التغرير بالغرب لمساعدة الصين على تنمية اقتصادها والارتقاء بقدراتها العلمية، وهو ما يحمل في طياته بذور دمار الولايات المتحدة.
ويقدم بيلزبيري، على امتداد صفحات الكتاب، مقاطع شائقة من المناقشات التي دارت بينه وبين الصينيين الذين يعترفون له بحقيقة وجود عناصر مختلفة من هذه الاستراتيجية، حيث تستخدم الحكومة الصينية، على سبيل المثال، وسائل الإعلام والكتابات التي تتناول السياسة الخارجية بأسلوب مدروس للغاية لتشكيل الرأي العام الخارجي، مما يعني في واقع الأمر انخراطها في حملة تضليل بعيدة المدى وواسعة، وهو يستعرض نصوص التاريخ الصيني ليكتشف أن بكين أعادت كتابة تاريخ العلاقات الأمريكية الصينية وقدمته كتاريخ التزمت فيه الولايات المتحدة باحتواء الصين منذ عهد الرئيس الأمريكي جون تايلور في عام 1844، ولم تفعل شيئاً للمساعدة على تنمية جمهورية الصين الشعبية (الصفحة 104)، كما يورد أمثلة أفضت فيها الأخطاء في الترجمة أو الجهل بالعبارات الصينية إلى تبني المسؤولين الأمريكيين رؤية أكثر إيجابية بشأن زعماء الصين مما كانوا عليه في الحقيقة.
رائحة النجاح الصيني
إذا كانت قوة كتاب بيلزبيري تكمن في وضوح حجته وما يقدمه من أفكار ثاقبة جديدة، فإن موطن ضعفه يكمن في افتقاره إلى التفاصيل الدقيقة، وتذكر إليزابيث على سبيل المثال أنه على الرغم من اعترافه بأن هناك معتدلين في الصين لا يقرون استراتيجية الماراثون هذه، إلا أنه لا يبحث منظوراتهم ومقدار ما يتمتعون به من ثقل في عملية صنع القرار.
ومع نهاية الكتاب، يبدو أن هناك شعوراً بأن المؤلف لم ير العلاقة الأمريكية الصينية إلا من خلال هذه العدسة القاتمة التي كوّنها، وفي بعض الحالات نراه يبالغ، فعند مناقشة مسألة البيئة مثلاً، نراه يتحدث عن تصدير الصين للتلوث، زاعماً أن الصين ستحكم على العالم بأن “يشم ويتذوق” نجاح الصين و”يختنق به” (الصفحة 186)، وهو ما يعني ضمناً عدم إدراكه أن مَن يعانون أشد المعاناة من هذا التلوث هم الصينيون أنفسهم، والكلام لإليزابيث، “وأنا لا أصدق حقًا@ أن مشكلة التلوث الصينية محاولة متعمدة أو خبيثة لدفع العالم إلى المعاناة”.
ويقدم لنا بيلزبيري بطبيعة الحال توصيات بين دفتي هذا الكتاب بشأن الكيفية التي يمكن بها للولايات المتحدة أن تتجنب خسارة مكانتها لصالح الصين (215-228)، بعض هذه التوصيات في الصميم، كتوصيته بترجمة المزيد من الكتابات الصينية لكي نفهم ما يفكّرون فيه بحق، وبعضها يجري تنفيذه فعلاً، كتوصيته بتكوين ائتلافات من البلدان المتشابهة في الأفكار في جوار الصين، وبعضها سيكون تنفيذه صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، في البيئة الراهنة، كتوصيته بتمويل المزيد من برامج سيادة القانون والمجتمع المدني في الصين.
في نهاية المطاف، وسواءً أ كنت تتفق مع ما ذهب إليه بيلزبيري أم تختلف، فإن الكتاب يستحق بكل معنى الكلمة قراءته قراءة متأنية.