ما يحدث في الصين ليس مقدمة لأزمة مالية
إلى أين تبحر سفينة الاقتصاد الصيني وفي أي مرفأ سترسو، وعما إذا كانت اضطرابات سوق المال الصيني مقدمة لأزمة مالية عالمية شبيه إلى حد ما، بما حدث قبيل أمة المال في العام 2008 أو العام 1929، أم أنها مجرد “تصحيح مؤلم”، لفقاعة أسعار الأسهم التي تكونت وتضخمت خلال فترة الصعود السريع والعظيم للسوق الصيني وستنتهي؟
هذه الأسئلة وغيرها تحير المستثمرين في أسواق المال العالمية والسلع وأسواق الصرف والمعادن الثمينة منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي الذي بدأت فيه موجة انهيارات الأسهم. “العربي الجديد” تسعى في هذا التحليل الإجابة على هذه الأسئلة من خلال آراء خبراء الإقتصاد والمال.
يرى العديد من الاقتصاديين في الغرب، أن المستثمرين تعاملوا حتى الآن، بسيكيولوجية القطيع في الهروب من الأسواق بدافع الخوف من الخسائر، وربما بذعر شديد وولكنه غير مبرر ولا تدعمه أسس النمو الإقتصادي في الصين ولا أسس النمو الاقتصادي في أكبر أقتصاد عالمي ، وهو الإقتصاد الأميركي الذي ينمو بمعدلات جيدة تفوق 3.5%. بدليل أن أرقام النمو الصيني لاتزال عند مستوياتها منذ بداية العام ولم تتغير إلا بنسبة طفيفة وبالتالي ، فإنهم يعتبرون ما حدث وما يحدث في السوق الصيني مجرد “تصحيح مؤلم” في السوق الصيني، كما يسميه الاقتصادي الأميركي، من أصول مصرية، محمد العريان وليس مقدمة لأزمة مال جديدة ستضرب العالم .
ويرى العريان أن هذا التصحيح كان متوقعاً وسيستمر لفترة، ولكنه لن يحدث أزمة مالية كما يتوقع البعض.
من جانبه يقول كبير الاقتصاديين بمؤسسة “كابيتال إيكونومكس” الأميركية جوليان جوسيب، في مذكرة لعملائه “إن المستثمرين تعاملوا بذعر مع مخاطر الاقتصاد الصيني، وذلك بدافع سيكلوجية الخوف وتلافي الخسائر، ولكن في الواقع فإن انفجار فقاعة الأسهم ليست مقياساً لتوجهات النمو الاقتصادي الصيني”.
وفي هذا الصدد يشار إلى أن أسعار الأسهم الصينية تضاعفت أسعارها بين يونيو/حزيران العام 2014 ويونيو/حزيران العام 2015، وحدث هذا الارتفاع في وقت بدأت فيه دورة تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني إلى 7.0%. وهذا يعني أن المضاربة على الأسهم بين أثرياء الصين والطبقة الوسطى وفوق الوسطى، هي التي أدت إلى تضخم فقاعة سوق الأسهم في السنوات الأخيرة، وليس التباطؤ الاقتصادي.
ويلاحظ أن سوق المال الصيني أو” كازينو الأسهم”، كما يسميه البعض هو المسؤول عن الاضطراب الذي يحدث.. وذلك لأن عدد المضاربين في سوق الأسهم ارتفع بمعدلات حادة في الصين، تبعاً لزيادة عدد المليونيرات أفراد الطبقة الوسطى في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، وحدث فيه تحول سريع وفي زمن وجيز في الحجم الاقتصادي من 6 ترليونات دولار إلى 10 ترليونات دولار.
ويتفق مع هذا التحليل كل من مصرف “غولدمان ساكس” الاستثماري الأميركي الذي يرى أن رد فعل الأسواق على ما يحدث في السوق الصين مبالغ فيه وغير مبرر. وفي ذات الاتجاه يرى ديفيد دولر الزميل بمعهد “بروكغنز إنستيتيوشن”، أن خفض سعر صرف اليوان وتحرير الاقتصاد خطوات صحيحة، ولكن الحكومة الصينية ارتكبت أخطاء وأعطت إشارات خاطئة للمستثمرين وأصحاب الثروات في الصين، وهو ما أدى إلى هروب رأس المال من البنوك الصينية إلى الخارج.
ويلاحظ أن أثرياء الصين ومنذ تسرب أنباء عن نية الصين لخفض قيمة العملة الوطنية شرعوا في تحويلات أموالهم إلى بنوك أجنبية في جزيرة ماكاو وبنوك أوفشور في سنغافورة، لحمية قيمة ثرواتهم من التآكل، وسط احتمالات انخفاض قيمة سعر صرف اليوان وقوة الدولار في خطوة استباقية للقرار المرتقب، والذي حدث بخفض قيمة اليوان 2.0%.
وحسب مصرف نومورا الياباني، فإن 200 مليار دولار هربت من الصين في شهر يوليو/تموز الماضي فقط، ولكن مصارف أخرى تقدر كمية الأموال التي هربت من الصين بمبالغ أعلى من الرقم الذي ذكره مصرف نومورا. وفي خطوة للحفاظ على الثروات الصينية في الداخل اتخذت السلطات الصينية عدة خطوات، أهمها رفع سعر الفائدة على الإيداعات المصرفية طويلة الأجل، كما بدأت تضييق الخناق الأمني على حركة رؤوس الأموال تحت مسمى” مكافحة تمويل الإرهاب” ومحاربة الفساد.
ومن جانب آخر يرى بعض الاقتصاديين، أن اضطراب سوق المال الصيني وتداعياته على باقي أسواق العالم سيستمر إلى حين عودة أسس الاقتصاد إلى الصين وباقي أسواق العالم. ويلاحظ أن الاقتصاد العالمي، ومنذ أزمة المال يعيش على جرعات من “الحقن الصناعي” في شرايينه، المتمثل في عمليات التحفيز الكمي الضخم البالغ عدة ترليونات من الدولارات. وبهذه السيولة التي لم تأت من ريع الإنتاج، وإنما من طباعة أوراق “البنكنوت”، عاش العالم فترة من النمو المصطنع أو الزائف وغير الحقيقي، وبالتالي فإنه معرض لهزات مالية في أية لحظة. من بين هؤلاء الذين يرون أن هنالك خطورة من تداعيات أزمة الصين وتحولها إلى أزمة عالمية، الاقتصادي إنغل أوبايد من معهد “بيترسون إنستيتيوت”. يقول أوبايد أن الاضطراب في أسواق العالم سيتواصل إلى حين استقرار أسس الاقتصاد.
ويذكر أن الحكومة الصينية تخلت أمس كذلك لتعزيز سوق الأسهم، وذلك وفقاً لما ذكرته مصادر على دراية بالحدث لوكالة “بلومبرغ” الأميركية.
وترغب الصين في استقرار السوق قبل العرض العسكري في الثالث من سبتمبر/أيلول، للاحتفال بالفوز في الحرب العالمية الثانية على اليابان. ووفقاً لما ذكره أحد المصادر لـ “بلومبرغ”، فإن الحكومة اشترت أسهم الشركات الكبرى.
وتحول مؤشر “شنغهاي” المركب من خسارة نسبتها 0.7% في بداية تعامل أمس إلى ارتفاع قدره 5.3% في الساعة الأخيرة من التداول، لينهي أسوأ تراجع له في 5 أيام منذ عام 1996.
وفي لندن، ارتفعت الأسهم الأوروبية أمس الخميس مدعومة بمكاسب الأسواق الآسيوية والأميركية، بعد أن قال مسؤول كبير بالبنك المركزي الأميركي إن احتمال رفع الفائدة في سبتمبر/أيلول يبدو “أقل” عن ذي قبل.
وارتفع مؤشر يوروفرست 300 الأوروبي 2.5 في المائة بعد أن تراجع 1.9 في المائة يوم الأربعاء. وتقدم مؤشر يورو ستوكس 50 للأسهم القيادية بمنطقة اليورو 2.5 في المائة.
ومما ساهم في تحسن المعنويات بالسوق أمس التصريحات التي أدلى بها مسؤول بارز في مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) يوم الأربعاء وقلل فيها من احتمالات رفع أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول.
وارتفع الدولار 0.3 % أمام الين إلى 120.24 ينا؛ وهو مستوى يزيد كثيراً عن أدنى مستوى للعملة الأميركية أمام نظيرتها اليابانية في سبعة أشهر؛ والذي سجلته في وقت سابق هذا الأسبوع عند 116.15 ينا. كما ارتفع اليورو 0.4% إلى 136.10 ينا، بينما استقرت عملة اليورو أمام الدولار عند 1.1320 دولار؛ وهو مستوى يقل كثيراً عن أعلى مستوى لها في سبعة أشهر الذي بلغته هذا الأسبوع عند 1.1715 دولار. وارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من العملات الرئيسية إلى 95.223.