الماراثون الاقتصادي الصيني والغرب
موقع الصين بعيون عربية ـ
الدكتور نيازي كتاو*
تمتلك جمهورية الصين الشعبية الصديقة وشعبها عناصر عظيمة وقاعدة موثوقة للانطلاق الى فضاءات التقدم والازدهار، ومنها التاريخ الاجتماعي – السياسي المتصل للشعب الصيني والمُعلي للمشتركات المحلية ونفعها، وبالذات لدى قومية هان الرئيسية، والموقع الجيوسياسي المتميز في شرقي وجنوب شرقي آسيا.
التاريخ الصيني عريق وموغل في القِدم، وهو متواصل في فِعله الاجتماعي والصناعي والزراعي والفكري الواعي. لذا، نرى كيف صارت الصين تنمو وتزدهر بصورة متسارعة و مذهلة في السنوات الاخيرة بالذات وتُحرز الاعجاب في الكون، بحيث اختزلت قروناً وعقوداً كثيرة اضطرت دول أخرى كثيرة لاجتيازها قسراً.
وبمرور 66 عاما ً على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، طرأت على الدولة الشعبية تغيرات جبارة في الاقتصاد والصناعة والاستثمارات، و تحقيق قفزات تاريخية كبرى شملت قفزة في الانتاج المؤتمت الجبار على صعيد عالمي، ثم تحويل السوق المحلي الى رئيسي لتلافي تقلبات الاقتصاد العالمي، والنجاح في تفعيل الانتاج الزراعي الرئيسي وتلافي النقصان طويل الاجل، الى التوازن من حيث الاجمالي والزيادة عن الحاجة في سنوات الحصاد الوافر, وقفزة التطور الزراعي من نمط انتثاري الانتاج الى مستوى تكثيفي الانتاج, وقفزة الاقتصاد الريفي من اعتبار الصناعة الاولى رئيسة، الى تطور منسق للصناعة الثالثة, وقفزة معيشة الفلاحين من “عدم الكفاية” في الكساء والغذاء، الى “الرخاء الشمولي” من حيث الاجمالي, وقفزة النظام الاقتصادي الريفي من “الاقتصاد الصغير” المُتّسم بالاكتفاء الذاتي الى “اقتصاد السوق الاشتراكي” , وقفزة “المجتمع الاقتصادي” الحضري والريفي من “الهيكل المزدوج” الى “آلية تكامل” المدن والارياف .
قال سفير الصين لدى الاردن الصديق يو هونغ يانغ في الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ان بلاده كانت عند ولادتها عام 1949 تعاني الفقر والتخلف وويلات الحرب ، حتى توقّع الغرب ان الصينيين لا يستطيعون تغذية أنفسهم. وبعد مرور ستين عاماً تمكن الشعب الصيني من حل مشكلة الغذاء والكساء لخُمس سكان العالم. ومضى يقول، ان تأسيس الصين الجديدة انهى وضع الانقسام الذي ساد الصين القديمة لفترة طويلة، فتحقق الاستقلال والسيادة وسلامة الاراضي بكل معنى الكلمة. وتحققت ايضاً الوحدة على مستوى عالٍ بين 59 قومية صينية. وانجز كل ذلك تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ومن خلال انظمة مجلس نواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والحكم الذاتي لمناطق الاقليات القومية. واستطرد، وحققت الصين انجازات مرموقة في المجال الاقتصادي. تم تحقيق نقلة تاريخية من اقتصاد التخطيط الى اقتصاد السوق الاشتراكي، ومن الاغلاق الى الانفتاح الشامل.
واليوم، وإذ تواصل الصين العظيمة مسيرتها التنموية المذهلة في الاقتصاد والتجارة العالمية، يقف العالم بأسره مبدياً الاعجاب بما وصلت الصين إليه من ازدهار في حقبة قصيرة، مقارنة بالدول الاخرى، حتى أصبحت بحق من أقوى الاقتصاديات العالمية وأكثرها التزاما بنهج انساني وعالمي فاعل لصالح الامم جميعاً، وليس فقط لصالح شعبها فحسب.
وقد شهدت الصين نمواً اقتصادياً سريعاً، وخاصة مع بدء تطبيق (سياسة الإصلاح والانفتاح) على العالم بأسره، بعدما أقرت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، وسمحت بالاستثمار الأجنبي النافع في عددٍ من المناطق الاقتصادية بالقرب من المدن الساحلية، ما ساهم في اندماج الاقتصاد الصيني في منظومة الاقتصاد العالمي، بفضل “نظام اقتصاد السوق الاشتراكي”، الذي جمع ما بين “النهج الاشتراكي والانفتاح المدوس” على الاقتصاد الرأسمالي في شكله المُعقلن.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين ظهرت الصين كقوة اقتصادية جبارة، ولاعبة رئيسة على المسرح الدولي في كل جنباته ومساحاته وفضاءاته، وذلك بعدما تحوّل الاقتصاد الصيني من الاقتصاد المخطط بشكل تام ، الى اقتصاد سوق اشتراكي، حيث ظل الاقتصاد الصيني ينمو بصورة مستقرة وسليمة ضمن حلول مبدعة. وخلال سنوات قليلة، نجحت الصين في أن تنصّب نفسها قوة عالمية لا تنازعها قوة اخرى.
وفي عام 2003 ، بلغ إجمالي الناتج المحلي الصيني 1.4 تريليون دولار أمريكيا ، فاحتل المركز السادس في العالم )بعد( الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وبلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الصينية في الأصول الثابتة أكثر من 5.5 تريليون يوان صيني، وحجم مبيعات المواد الاستهلاكية بالتجزئة قرابة 4.6 تريليون يوان صيني، وحجم التجارة الخارجية الصينية اكثر من 850 مليار دولار أمريكي محتل المرتبة الرابعة )بعد( الولايات المتحدة وألمانيا واليابان و)قبل (بريطانيا وفرنسا.
ومع نهاية عام 2003 ، تجاوز نصيب الفرد الصيني من إجمالي الناتج المحلي للبلد 1000 دولار أمريكي، كما تجاوز الاحتياطي الصيني من العملات الأجنبية 400 مليار دولار أمريكي محتل المركز الثاني بعد اليابان فقط .
انتقلت الصين من دولة زراعية فقيرة، غير معترف بها، إلى دولة تحتل خامس كرسي في مجلس الأمن، وقفز اقتصادها بقوة، لنجد أن الصين في عام 2006 ، أصبحت رابع دولة اقتصادية في العالم على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وثالث دولة تجارية، ما جعل منها الدولة صاحبة” أعظم نجاح اقتصادي في التاريخ”، ولتصبح ثاني قوة اقتصادية عالمية، وتتطلع إلى انتزاع الصدارة من الاقتصاد الأميركي في عام 2019 بحسب ما يتوقعه الخبراء، برغم ان الخبراء الفرنسيين قالوا مؤخراً في مناظراتهم، ان الصين تمكنت للتو وبالفعل من ان تصبح الدولة الاولى اقتصادياً في العالم..
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين وفق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي التابع لصندوق النقد الدولي، 17,6 $ ترليون دولار، وهو ما يزيد قليلاً على الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، الذي يبلغ 17,4 $ ترليون دولار.
وبرغم الصعوبات التي قد تظهر لسبب أو لآخر في مسيرة الصين التنموية، فإن لدى القادة الصينيين الحِكمة الكافية لتجاوز كل الصعوبات، مهما بلغت، وبدخول الصين القرن الحادي والعشرين بكل ثقة واقتدار، فقد سبق و خرجت من مرحلة حرجة استمرت عشرات السنوات، لتلج في مرحلة منتجة حديثة، لعلها إجابة عن سؤال استمر أكثر من مائة عام ينطق بمقولة بليغة صارت تُردّد في رياح العالم كله تقول: ” إن تحوّل الصين إلى قوة عظمى هي مسألة وقت فحسب” !
• الدكتور نيازي كتاو* – عضو في الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين ومنتدى قراء مجلة الصين اليوم ومستمعي الاذاعة الصينية..