زيارة “شي”.. دور التعليم والثقافة والتثاقف في إزدهار العلاقات
موقع الصين بعيون عربية ـ
الدكتورة يلينا ريزونينكو المومني*:
قبل أيام قليلة صدرت “وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية”. الوثيقة تسلّط الأضواء على السياسات والإجراءات الصينية تجاه الدول العربية، في المرحلة المقبلة، وهي تحمل أهمية كبرى لدفع بناء علاقات التعاون الاستراتيجي بين الجانبين الصيني والعربي لعشرات السنين القادمة.
في الوثيقة نقرأ عن دعم الصين للحركة التحررية العربية بمواجهة الاستعمار المباشر السابق لتلك الدول وشعوبها، ودعم العرب للصين في مسائل حيوية للصين أولها تايوان، ومسألة الوحدة الترابية للصين وسيادتها، وتشي الوثيقة بأن ذلك كله أساسيات في عملية إقامة العلاقات بين الصين ومختلف الدول وبضمنها العربية، واستمرار تلك العلاقات، وهو شرط تعزيزها.
الصين والدول العربية “تتبادل الدعم في النضال من أجل الحفاظ على الكرامة الوطنية، والدفاع عن السيادة الوطنية، و تتعاون في استكشاف مسار التنمية وتحقيق النهضة الوطنية، وتتعلمان من بعضهما البعض لتعميق التبادلات الثقافية وازدهار الثقافة الوطنية.. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الصين بنشاط لحل المشاكل السياسية والأمنية وغيرها من المشاكل الشائكة”، ومن هنا ترى الصين أن زيارة رئيسها شي إلى الدول العربية الثلاث السعودية ومصر وإيران ستحقق مزيداً من النتائج المثمرة للدبلوماسية الصينية، وربما سوف تعطي الصين دوراً محورياً في حل مشاكل المنطقة من خلال تقريب وجهات النظر بين قادتها ومؤسساتها الرسمية على سبيل تحجيم التدخل الاجنبي المتواصل في شؤون دول المنطقة ومستقبلها.
تستعرض الوثيقة الرسمية الصينية الانجازات التي حققتها العلاقات الصينية العربية خلال 60 سنة سابقة، وتصف الصين هذه الحقبة الطويلة من صِلات العالمَين العربي والصيني بأنها “تحمل أهمية كُبرى لدفع بناء علاقات “التعاون الاستراتيجي” المتمثلة في “التعاون الشامل والتنمية المشتركة” بين الصين والدول العربية”.
وفي مجرى الإعلان عن الوثيقة، يتم تفعيل العلاقات الصينية العربية بزيارة دولة يُجريها هذه الايام الرئيس شي جينبينغ لعواصم تلك الدول، وهي زيارة اولى للرئيس شي في العام الحالي 2016 لدول عربية، وتقول الصين بأنها زيارة “ستضخ طاقة إيجابية قوية إلى السلام والتنمية في الشرق الأوسط”، ذلك ان الصين ودول “الشرق الأوسط” تعمل على تعزيز بناء فكرة “الحزام والطريق”، وتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والإنسانية والثقافية، ورفع درجة الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الإستراتيجي بين الجانبين.
ومنذ سنوات ثلاث، يَسعى الرئيس الصيني شي جينبينغ في مناسبات ثنائية ومتعددة الأطراف إلى دفع وتطوير العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط، ما يَمنح التعاون العملي – الودي بين الطرفين فرصة تاريخية جديدة.
وفي التعاون الثقافي والودي الذي أشرنا إليه أعلاه، يتضح ان أمامنا الكثير من الاعمال لتفعيل التثاقف العربي الصيني ونشر المعرفة بين الاوساط العربية والصينية وبخاصة بين الشبيبة الناهضة العربية والصينية ولتقريبها من بعضها البعض، وربما الاسهل للتثاقف سيكون من خلال اللغة والسياحة وتطوير عملية الانتاج السينمائي والتلفزيوني والاذاعي، لِما لذلك كله من تأثيرات حيوية مباشرة وسريعة وقوية في النشئ والاجيال، ولسهولة تطبيقات ذلك كله، واجتياز تلك التطبيقات بسهولة لعوائق المسافات الواسعة التي تفصل الطرفين العربي والصيني عن بعضهما بعضا.
ومما لا شك فيه، ان زيارة الرئيس شي لثلاث دول العربية، سيكون له فاعلية إعلامية صينية وعربية، لكن الاهم هنا والرئيس هو لزوم البحث عن الوسائل الكفيلة لاستمرارية الدفق الاعلامي بما يَخص الزيارة وتطبيقاتها اليومية واستراتيجياتها، ونتائجها على الارض، إذ ان الصين تعلن عن علاقات استراتيجية مع عدد من الدول العربية، وهو بحد ذاته أمر يدعو الى إيجاد التربة الحقيقية لتفعيل الرغبات الاستراتيجية، ليس في إطار الاقتصاد والتجارة فحسب، بل ولتمتد العلاقات فاعلة الى مختلف الاطارات الاخرى.
ولا يَستقيم حديثي هنا بدون الاشارة الى ضرورات التطبيقات العلمية والثقافية في إطار وعلى شاكلة الجامعة الصينية الاردنية، التي اتفق الطرفان الاردني والصيني منذ سنوات على إقامتها، ومطالب الشعب الاردني بسرعة إنشائها، وعدم التلكؤ في ذلك التأسيس، لأن الشعبين يتطلعان الى ذلك بشغف ورغبة سريعة بمعرفة الصين، ولأن يَغرف منها الاردنيون العلوم والآداب ويَعرفون لغة الصين وطبائعها، ولتتفتح لهم بالتالي نافذة جديدة الى عالم جديد فاعل على صعيد الكرة الارضية.
الجامعة الاردنية الصينية ستكون جسراً علمياً وثقافياً وحضارياً شاملاً للاردن والصين نحو بعضهما البعض، ومنها بالذات ستنطلق فاعليات اردنية وصينية بكل الاتجاهات لتعزيز وتعمير أواصر الصداقة العلمية والثقافية، ذلك ان مشروع الجامعة الصينية الاردنية هو المشروع الاول للصين من نوعه بالعالم، ومن خلاله ستنطلق بكين الى عواصم كل الدول لتعلن عن نفسها بثقة وعلمياً وثقافياً بقوة أكبر، وعزيمة لا تلين، وتصميم أكثر وطادة.. وبالتأكيد سنشهد ذلك كله قريباً، ونتمنى ان يَحوز هذا المشروع العلمي الاول على دعم ومساندة الرئيس شي شخصياً، لأنه سيجهد لتفعيل رغباته وتطلعاته في علاقات أوثق مع العالم العربي برمته، وليس مع الاردن لوحده فقط.
*استاذ مساعد ورئيسة قسم اللغة الروسية في الجامعة الاردنية بعمّان وعضو في قيادة الفرع الاردني للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين.