صين “شي” جَولة عربية للسِّلم الاقتصادي وتعبئة الفراغ بالمرحلة الانتقالية
موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح و يلينا نيدوغينا*:
زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جينبينغ، الى مصر، تاريخية بكل المفردات والمعاني، وهي كذلك رئاسياً وشعبياً بالنسبة لمصر الدولة والشعب.
الرئيس الصيني تمكّن من إرساء الصين في مصر لعقود طويلة مُقبلة، فجعل من القاهرةِ قاهرةٌ لمن لا يريد التعاون مع الصين، سيّما حِيال المَشروع الكوني الحالي “الحزام والطريق”، الذي سيَرث طريق الحرير البري والبحري الصيني القديم. بكين، وعلى الأغلب، ترى في رعايتها الاقتصادية لمصر وتطويرها سريعاً هدفاً إستراتيجياً لها، وهي تشرع بتحويل مصر – التي تتمتع بمكانة جيوسياسية إستراتيجية عالمية متميزة – الى نقطة ارتكاز صينية في العالم العربي برمته، حيث تستطيع الصين أن تقفز من القاهرة إقتصادياً وسياسياً الى دول عربية أخرى، وتلعب الاستثمارات الصينية الضخمة التي توظفها الصين في مصر، وتحتاجها مصر حالياً، دوراً رئيسياً في ذلك، وفي التعظيم المتواصل للعلاقات الثنائية الصينية – المصرية لتغدو مِثالاً للدول الأخرى في علاقاتها مع بكين، ومنها الدول الآسيوية والافريقية، ولجذبها نحو الصين قبل فوات الآوان.
في العلاقات الصينية المصرية تفاهمات قد تكون مكتومة أو “تلقائية”. فالمليارات الصينية قد عزّزت وقوّت موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي في الاوساط الشعبية المصرية، وفي العالم العربي أيضاً، وقد أكد الرئيس السيسي بحماسته نحو الصين أنه قادر على التميّز في علاقاته الدولية، ونجاحه في خدمة مصر وشعبها، وتفوقه القيادي وبُعد بَصيرته الرئاسية والاستراتيجية، فاكتسب مزيداً من التأييد الجماهيري المصري.
والقاهرة تمثّل أهمية حاسمة لدى بكين ك”بوابة إستراتيجية” للدخول الاوسع الى السوق الاقتصادية الافريقية الشمالية والوسطى كذلك، وقد رسخت هذه الصفة المصرية لدى الصين حين وقّع الجانبان مذكرة تفاهم تختص بمبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الصيني، وهي فكرة صينية تسعى لنشر الرخاء الاقتصادي فالسلام الشامل في أسيا وأفريقيا الشمالية والجنوبية، وامتداده الى شتى رياح العام.
الصين تهرع الى مصر الآن بالذات لملء الفراغ الذي يَتشكّل راهناً في “الشرق الاوسط” العربي والاسلامي، جرّاء العمليات العسكرية الروسية المُبشّرة بدحر نهائي للارهابيين الدوليين وعودة الاستقرار والأمن السياسي والاستثماري والسلام العام للعالم العربي، بفضل نجاح القوات الاستراتيجية والفضائية الروسية بالقضاء على مجاميع رئيسية من الارهابيين في سوريا وكسر عمودهم الفقري وعدم مهادنتها الدول الداعمة لهم وفضح مخططاتها. وبالتالي، تُحرز موسكو بوتين نجاحات ملموسة ومتواصلة بتحجيم خطط الارهاب الدولي الذي استشرى طويلاً. فقد أوقفت روسيا امتداده نحو دول عربية أخرى وأنقذت واقع ومستقبل تلك لدول من حيث لا يَدري أهلها، الذين تنطلي عليهم أو على غالبيتهم آلاعيب أمريكا والغرب وإدّعاءاتهم الإعلامية وفبركات وكالات أنبائهم وصحفهم الطاغية ومن خلال فضائياتهم التي تسيطر عليهم.
وهنا بالذات، وبفضل موسكو بوتين وإصراره السياسي والعسكري، صارت تلوح في الافق العربي والأقاليم المجاورة له، أوضاع مُبشّرة للصين وروسيا للاستثمار الأوسع والأفعل. لكن في الواقع، تستطيع الصين – وهي برأينا مؤهلة أكثر من غيرها من الدول – لنشر استثماراتها الضخمة في العالمين العربي والأفريقي، والمساهمة بالتالي الى جانب روسيا وبالتفاهم معها في مسألة أكثر آنية، ألا وهي تكريس السلام الاجتماعي والسلم العام، وضمان عدم انتشار الارهاب من خلال الإفادة الاقتصادية وتشغيل الشعوب العربية والأفريقية، التي كادت أجزاء كبيرة منها تتحوّل الى خزّان إرهابي دولي، لأسباب كثيرة منها، فشل الحكومات العربية والأفريقية – بالمجمل، (خلال عشرات السنين من استقلالها عن الاستعمار المُباشر، ولتبعية عدد غير قليل منها للاستعمار الغير المباشر) – في تفعيل وإنجاح برامجها الاقتصادية والاجتماعية، فكانت النتيجة إفقار غالبية سكان دول أسيا وأفريقيا، الذين أُرغموا على اعتناق أفكار متطرفة وممارسة العنف، في سبيل الحصول على الخبز ورغبة منهم الانتقام لكرامتهم المهدورة حكومياً، وبسبب إستضعاف رؤوس الأموال المحلية لذواتهم وإنسانيتهم المَسلوبة عنوةً.
الصين إذ تعود الى أفريقيا من البوابة المصرية الواسعة التي رحبّت بها أيمّا ترحيب، ووافقت أن تكرّس إستراتيجيتها البرغماتية الأفريقية من خلال عاصمتها القاهرة، تعود الى العالم العربي كذلك بزخم أكبر وعَينها على أفريقيا الشمالية وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، وبخاصة ليبيا، التي أُخرجت منها، جرّاء قصف حلف الناتو للاستثمارات والوجود الصيني الكبير فيها، وعينها على اليمن أيضاً، الذي لا يقل أهمية استراتيجية عن مصر.
الصين ومنذ تسلّم شي جينبينغ سدّة رئاسة الحزب الشيوعي الصيني القائد وجمهورية الصين الشعبية، تسعى للدخول الفعّال في أفريقيا بفلسفة جديدة برغماتية، جُلّها تفعيل الأدوات والوسائل الاقتصادية، التقنية، السياسية، الدبلوماسية وغيرها، وهي بذلك تختلف نوعاً ما عن نمط العلاقات الصينية – العربية والأفريقية التي كانت قائمة بين تلك الأطراف الثلاثة، بعد تأسيس الدولة الشعبية الصينية وإبان الحرب الباردة، حين كانت الصين تدعم العالم الثالث والنامي أممياً وبدون مقابل، لكن صين اليوم تساند الدول النامية والفقيرة إقتصادياً واستثمارياً بحيث يُفضي ذلك لأهداف سياسية وفكرية، كان تم تعديلها في السبعينات المنصرمة، سيّما أن الصين لم تتوقف البتة عن الإعلان عن أنها اشتراكية بألوان صينية، وبالتالي نفهم بأنها دولة قائمة على ذات المبادئ الاشتراكية السابقة، كما نقرأ في صياغات “وثيقة سياسة الصين نحو الدول العربية”.
وفي عودة الصين السريعة الى افريقيا، تأكيد بأنها لا تسلّم باستهدافات الصقيع العربي ومخططاته التفتيتية. وعودة الصين لأفريقيا ستكون أوسع من السابق، فهي معنية بإنجاح مبادرتها الاقتصادية الكونية، وعلى الاغلب لن تتعرض الصين هذه المرة الى استهدافات صهيونية كما تلك الاستهدافات السابقة. ففي عقد الستينات من القرن الماضي، أذكر كيف أُلحقت تل أبيب ضربات مأساوية وموجعة بالخبراء المدنيين الصينيين، فقد كان جهاز الموساد الاسرائيلي يَستهدفهم بأمر من واشنطن إينما كانوا. فقد رأت المؤسسة الأمنية الاسرائيلية أنذاك في الصين مُنَافساً قوياً لإسرائيل وأمريكا في القارة السمراء، برغم الرغبة السابقة للدولة الاحتلالية تعزيز علاقاتها مع الصين التي دعمت وقتها القضية الفلسطينية بقوة. فقد كان الرئيس المُحرّر والمؤسّس ماوتسي تونغ، صريحاً جداً ومُباشراً بدعمه للحقوق الفلسطينية والعربية الى حد مبادرته التي أفشلها بعض زعماء العرب، بإرسال مليون عسكري صيني الى جنوب لبنان ومصر لتحرير فلسطين من هناك، من المحتل الإحلالي الصهيوني.
واليوم، يُعلن الرئيس الحالي للصين الحليفة شي جينبينغ، في خطابه الحَكيم بمقر جامعة الدول العربية، بالقاهرة، عن دعمه الكامل لفلسطين واستقلالها الناجز ودولتها وعاصمتها. بل أن الصين التي يترأسها “شي” أعلنت قَبل خطابه بالقاهرة، عن “وثيقة السياسة الصينية تجاه الدول العربية” التي أكدت وضوحها وعدالتها. والملاحظ، أن تلك الوثيقة قد تم نشرها لأول مرة صينياً قبل أيام قليلة جداً من بدء جولة “شي” العربية.
الصين تُدرك تماماً وبعمق أهمية مصر الاقتصادية والسكانية والسياسية وقُدرات القاهرة التي تسير اليوم في عهد تمكين الذات وتطوير الدولة الصينية ورسوخ مكانتها العربية والافريقية. لذا، نرى كيف يُحاول الارهاب المُتحشرج عرقلة هذا التقدم في مختلف المجالات، من خلال عمليات قتل وذبح وترويع تجري بمصر، مشابهة لتلك الجارية في سوريا.
مصر كذلك سوق كبيرة وتتمتع بإمكانيات ضخمة في حقول الخامات واليد العاملة المُدرّبة والواعدة، وقد قُدر لي معرفة أن في الصين حالياً يَدرس أكثر من ألف طالب مصري، بالإضافة الى عدد كبير، غير محدّد، من التجار الناشطين، وأصحاب الاستثمارات، والإعلاميين المصريين.
وفي بعض الاحصاءات، يَصل مجموع حُزمة الاستثمارات الصينية في مصر والتي أُدرج بعضها في 21 إتفاقية تعاون وتفاهم تم التوقيع عليها في القاهرة، نحو 15 مليار دولار، بحسب تصريحات نُسبت مصرياً للرئيس شي، وتشمل في مقدمتِها الكهرباء والمواصلات والبُنية التحتية، بالإضافة الى التعاون في مجال الطيران المدني، علاوة على تنمية محور قناة السويس، حيث تستهدف الصين جذب ما يقرب من مئة شركة الى مصر حال انتهاء المرحلة الثانية لهذا المشروع.
ولفهم جدّية ووسائل وأبعاد ومستقبل العلاقات الصينية – المصرية وطبيعتها وتطلعاتها وعالميتها ومِثالها الجديد الحالي، ورغبتها الكبيرة لملء الفراغ الذي يَتشكّل بسرعة في المنطقة العربية ووسط أفريقيا وشمالها، علينا التمعّن في تصريح أطلقه رئيس تحرير صحيفة السياسة المصرية، أيمن سمير وجاء فيه: ان ما تم توقيعه خلال زيارة الرئيس شي يَفوق كل ما تم توقيعه بين مصر والصين خلال 60 عاماً.. الصين استثمرت خلال 60عاماً 481مليون دولار فقط.. الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس الصيني الى مصر سوف تصل الى حوالي33 مليار دولار.. وبالتالي هذه نقلة كبيرة في العلاقات بين الصين ومصر…
*مروان سوداح: رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.
*يلينا نيدوغينا: رئيسة الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.