الصين والدول العربية نحو مستقبل واعد
موقع الصين بعيون عربية ـ
خالد سعيد ديان*:
شهدت العلاقات الصينية العربية، وما تزال تشهد، تلاحقاً واستمرارية لا تنقطعان في عملية التقدم والإزدهار، وما طريق الحرير البري والبحري التاريخي سوى أكبر شاهد على هذه العلاقة الوثيقة وذات الديمومة الألفية، وهو ما دفع الى تطور متسارع وأمتن لعلاقات العالمين العربي والصيني.
ومن أبرز العوامل الداعمة لعلاقات العرب بالصين حالياً، إقامة العديد من الندوات والمؤتمرات المشتركة في مختلف الحقول، وهو عامر افضى الى مضاعفة الفرص الإستثمارية بين الحضارتين العربية والصينية .
كما تعمل الزيارات التي تنفذها قيادات العالمين لبعضهما البعض، على انسجام الحضارتين الصينية والعربية وتآخيهما. ومن أبرز العوامل في هذا المجرى التاريخي الهادر، تلكم الحِراكات والاتصالات المتواصلة والتنسيق العميق الدال على حرص الامتين للحفاظ على مكتسبات الصداقة التاريخية بينهما، والتي ترجع الى أكثر من ألفي عام.
لا تنحصر الصداقة في صِلات وعلاقات استراتيجية مشتركة، إنما هي أكبر وأشمل من ذلك بكثير, فقد استطاع التجار العرب والمسلمون الذين اشتهرو عبر التاريخ بدماثةٌ أخلاقهم، ان يصبحوا جزء لا يتجزء في مداميك عمائر المجتمع الصيني، وذلك من خلال التزاوج والتمازج بين مَن يتمتعون بالأصول العربية والصينية الأصيلة، فأصبحت تلك العمائر نموذجاً رائعاً وبنّاء في الصين على مدار التاريخ.
وهنا بالذات، من الواجب أن نتوقف ولو قليلاً، لنُمعن النظر في الأسباب التي أفضت الى إصدار الحكومة الصينية في 13من يناير 2016 ، أي قبل الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني (شي جين بينغ) الى المنطقة، “وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية”, التي صاغت حرص القيادة الصينية الشديد للحفاظ على علاقات الصين التاريخية بالعرب.
تناولت الوثيقة الروابط التاريخية التي تجمع الصين بالدول العربية والسياسات ومجالات آفاق التعاون المشترك. وبعد نشرها بالذات قام الرئيس الصيني (شي جين بينغ) بزيارة الى المنطقة، ابتداء من المملكة العربية السعودية، ثم لجمهورية مصر مصر العربية، وبعد ذلك وصل الى جمهورية ايران الاسلامية. وكانت زيارة الرئيس شي للمنطقة تاريخية اخترقت “الأوضاع المتغيرة” التي تشهدها المنطقة العربية، ومنها الحروب والنزعات المسلحة التي “أكلت الأخضر واليابس” و.. أهلكت الحرث والنسل .
وفي هذا السياق الخطير، أعرب الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في خطابة الشهير الذي ألقاه أمام جامعة الدول العربية بالقاهرة , عن تخوّفه مرفقة بتساؤلاته عن مصير المنطقة، حيث أشار في مستهل حديثه الى: ((أن الشرق الأوسط أرض خصبة، لكنها لم تتخلّص من ويلات الحرب والصراع حتى اليوم، هذا يؤلمنا بل ويجعلنا أن نتساءل: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟ هذا هو “السؤال عن الشرق الأوسط” الذي يفرض نفسه أمام العالم بين الحين والآخر، وينتظر جواباً في ظل تطلعات شعوب المنطقة إلى تقليل الصراعات والمعاناة وتعزيز الأمان والكرامة.
لكن وفي المقابل، تطلع الرئيس الصيني (شي جين بينغ) الى تفاؤل، وكان الأمل مرافقا ًله في نظرته لحل صراعات الشرق الأوسط، حيث أستدل بقول شاعر عربي: “عندما تواجه الشمس، سترى الأمل بالتأكيد”. فالأمل موجود في الشرق الأوسط، فقط يتطلب استحضاره توظيف الجهود من لدن مختلف الأطراف بغية تجسيده في طريق الحوار والتنمية.
وقد ركّز الرئيس الصيني في كلمته على اهمية تعزيز الحوار الذي يعتبره المفتاح الرئيسي لتسوية الخلاقات، برغم أن طريق الحوار قد يكون طويلاً وحتى مشوباً بالتراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة.
كذلك، من النقاط التي ركّز عليها الرئيس الصيني في كلمته، تسريع عجلة التنمية, التي نوّه الى أنها السبب الرئيسي وراء الاضطرابات والتوترات الحالية في الشرق الأوسط، حيث أعتبر التنمية قضية الحياة وكرامة الشعوب، وهي سباق مع الزمان وصراع بين الأمل واليأس.
بهذه العبارات، وفي وجهة نظري الشخصية، فإن الرئيس شي يتقدّم بنصيحةً أخوية لمجمل الدول العربية، مفادها أن عليهم التركيز على عجلة التنمية التي تعود على الفرد والمجتمع بالنفع والفائدة, وأما عكسها، أي إهمالهان سيعود بالضرر على الجميع.
كما أعلن الرئيس الصيني في كلمة له امام الجامعة العربية بالقاهرة، عن دور صيني جديد في دعم رخاء المنطقة، من خلال تقديمه قروض واستثمارات لدول الشرق الاوسط تبلغ قيمتها الاجمالية نحو 55 مليار دولار. وذكر ان بكين قرّرت «انشاء صندوقين مع كل من الامارات وقطر للاستثمارات المشترك تبلغ قيمتهما الاجمالية 20 مليار دولار».
أضف الى ذلك، ان من الأمور التي أشار اليها الرئيس الصيني والتي وصفها ب”الحصاد المبكر”، المجالات التالية:
– التخطيط الأعلى المتزايد نضجاً. تم إنشاء آلية الحوار السياسي الاستراتيجي بين الصين والدول العربية، وإقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين و8 دول عربية، والتوصل إلى اتفاقية التشارك في بناء “الحزام والطريق” بين الصين و6 دول عربية، كما انضمت 7 دول عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كدول أعضاء مؤسسة.
– التعاون العملي المفعم بالحيوية. والتي أصبحت فيه الصين ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي.
– التبادل الإنساني والثقافي الثري والمتنوّع. حيث تم إقامة الفعاليات في إطار سنة الصداقة الصينية – العربية.
ومن ناحية اخرى فقد اكد الرئيس الصيني التزام بلاده بطريق التنمية السلمية والسياسة الخارجية السلمية المستقلة واستراتيجية الانفتاح القائمة على التنافع والترابح.
وتطرق الرئيس الصيني حول مخاطر تفشي الإرهاب ومدى خطورته على السلام والتنمية, ونوّه الى ضرورة توحيد الرؤية لمكافحة القوة الإرهابية المتطرفة التي لاتعرف الحدود, وشدّد على عدم اتباع معايير مزدوجه لمكافحة الإرهاب وربطه بعرق او دين .
وفي ناحية موازية، تطرّق الرئيس الصيني الى مخاطر تفشي الإرهاب ومدى خطورته على السلام والتنمية, وبيّن ضرورة توحيد الرؤية لمكافحة القوة الإرهابية المتطرفة التي لا تعرف الحدود، وقد شدّد على عدم إتباع معاير مزدوجة لمكافحته أو ربطه بعرق أو دين.
هذا، وتتزامن زيارة الرئيس الصيني الى مصر مع حلول الذكرى60 على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر, حيث تعتبر مصر من أولى الدول العربية التي أقامة علاقة دبلوماسية مع الصين، بعد مؤتمر باندونغ في عام 1955م، والذي شهد وضع حجر الأساس للعلاقات الثنائية من خلال اللقاء الذي جمع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، مع رئيس مجلس الدولة ووزير الخارجية ومهندس الدبلوماسية الصينية (شوأن لاي).
وعلى هامش ذلك المؤتمر العتيد, وبعد انتهائه، تم تبادل الزيارات الثنائية بين البلدين والتي أسفرت عن زيادة فرص الأستثمار في عدة مجالات منها الإقتصادية والتجارية، وغيرها من المشاريع التي تعود على البلدين بالنفع والفائدة .
واود ان أختم مقالتي هذه بما ختمه الرئيس الصيني (شي جين بينغ) أمام الجامعة العربية، حينما اسشتهد بالمثل المصري الذي يقول: “الإنسان يَخاف الزمن، والزمن يخاف الهرم”. وفي رأيي، إن الذي يخافه الهرم هو الروح العظيمة للشعب المصري، الذي يؤمن بقيم الإصلاح والتغيير ويسعى للحرية. إن مصر اليوم تلقى على عاتقها آمال لتوارث الحضارة ومهام لاستكشاف طريق النهضة. وإن الصين إذ تدعم بكل حزم جهود مصر حكومة وشعباً لتتطلع إلى أن تكون مصر ركيزة للاستقرار ونموذجاً للتنمية في المنطقة.
قد تكون التعرجات والآلام شيئاً أكيداً في الطريق المؤدي إلى تحقيق حلم نهضة الأمة، غير أن بُعد المسافة لا يُعد مشكلة طالما يصحّ الطريق. فلنبذل جهوداً، نحن الصين والدول العربية، ونتكاتف يداً بيد، ونجمع كفاً الى كف، ونتآلف قلبا إلى قلب، في سبيل تعزيز الصداقة والتعاون بين صين شي والدول العربية، ولنجتهد جنباً إلى جنب من أجل قضية السلام والتنمية السامية للبشرية جمعاء !
*********************************
*خالد سعيد ديان: عضو نادي قراء مجلة الصين اليوم باليمن وعضو ناشط في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.