شهد العالم خلال العام الماضي حضورا صينيا متميزا على الساحة الدولية من خلال الدعم المالي المعزز الذي حرصت الصين على توفيره من خلال زيادة حجم الاستثمار المباشر في الخارج، والذي تجاوز الـ 127 مليار دولار أمريكي، ما أشاع حالة من التفاؤل لدى الدول الأخرى ، ولا سيما العربية منها.
فمن خلال نظرة سريعة تستعرض أبرز مفاصل الدعم المالي الذي وفرته الصين في الأوساط الدولية، يلاحظ المتابع تواصل وتيرة نمو الاستثمار المباشر الصيني بالخارج في العام المنصرم حيث بلغ 127.6 مليار دولار بزيادة 10% على أساس سنوي، وذلك بحسب ما قاله شيويه شاو شي مدير لجنة الدولة للتنمية والإصلاح .
وفيما تتواصل معاناة الصين من مشكلة القدرة الانتاجية الزائدة، إلا أنها غدت حريصة على تعزيز آفاق التعاون مع الدول الأخرى في مجال الطاقة الانتاجية وخاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وبنظرة على ما تم تحقيقه حتى الآن ، فقد تم توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تخص التعاون في القدرة الانتاجية بين الصين و17 دولة، كما قامت الصين بتوقيع مذكرات تفاهم و اتفاقيات حكومية مع أكثر من 20 دولة بشأن تنفيذ مبادرة الحزام والطريق.
وبالتوازي مع ذلك، أسهم التعاون بين الصين والدول الأخرى في المجالات السابقة في تسريع تدفق الرأسمال الصيني الى الخارج حيث استثمرت البلاد زهاء 15 مليار دولار امريكي بشكل مباشر في 49 دولة على طول الحزام والطريق في 2015.
وفي هذا الصدد، أظهرت الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط جاذبية متعاظمة للرأسمال الصيني باعتبارها حلقة وصل مهمة بشأن ضمان سلاسة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق وإتاحة مزيد من الفرص للقدرة الانتاجية الصينية.
وفي هذا السياق، وبالعودة إلى الخطاب الهام الذي ألقاه أمام جامعة الدول العربية في القاهرة في شهر يناير الماضي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن تخصيص الصين قروضا خاصة لدفع العملية الصناعية في الشرق الأوسط بقيمة 15 مليار دولار من المقرر أن تستخدم في مشاريع تعاونية مع دول المنطقة في مجالات القدرة الإنتاجية والبنية التحتية، إلى جانب تقديم قروض تجارية قيمتها 10 مليارات دولار لدول الشرق الأوسط بغية دعم التعاون في القدرة الإنتاجية.
كما أشار الرئيس شي أيضاً الى نية الصين تقديم قروض تفضيلية بقيمة 10 مليارات دولار لدول الشرق الأوسط وإنشاء صندوقين للاستثمار المشترك مع كل من الإمارات وقطر تبلغ قيمتهما الإجمالية 20 مليار دولار للاستثمار بشكل رئيسي في قطاعات الطاقة التقليدية والبنية التحتية والتصنيع المتقدم في الشرق الأوسط.
وفي سياق آخر، أعلنت الصين في ديسمبر الماضي عن تخصيص 60 مليار دولار امريكي في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة لمساعدة الدول الافريقية على تنفيذ 10 مشروعات رئيسية مثل الزراعة الحديثة وعملية التصنيع. الأمر الذي من شأنه أن يعود بمزيد من الفائدة على الدول العربية الافريقية أيضا.
وأكد المدير شيويه أن القدرة الإنتاجية الزائدة الصينية في مجالات كالفولاذ والحديد والإسمنت والزجاج والألمنيوم لا تعتبر متخلفة وإنما مميزة، حيث سجلت الصين في العام الماضي اختراقات ملحوظة في التعاون الدولي في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي مجال السكك الحديد، بدأت الصين التعاون مع اندونيسيا لبناء خط حديدي فائق السرعة . كما تجري تعاونا مع لاوس لبناء خط حديدي طوله 470 كيلومترا فضلا عن بعض الخطوط الحديدية في أوروبا والولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، ستتعاون مؤسسات صينية وفرنسية في بناء محطات للكهرباء النووية في بريطانيا، بينما يجري تعاون عملي بين الصين والأرجنتين في الكهرباء النووية.
ونجحت الصين في الوقت ذاته في توسيع مجال السوق الخارجي لمنتجاتها مثل الفولاذ والحديد والإسمنت ، وركزت على تقوية حجم التعاون في القدرة الانتاجية مع الدول الأخرى ولاسيما الدول المجاورة.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الصين على تعزيز الدعم المالي للدول العربية، فإن التبادل التجاري بين الجانبين يتمتع بأفق باهر أيضا حيث أعلن الرئيس شي في يونيو 2014 عن سعي الجانبين لرفع حجم التجارة الثنائية من 240 مليار دولار حتى 2013 الى 600 مليار دولار في غضون 10 سنوات.
وفي ظل تباطؤ نمو الاقتصادين الصيني والعالمي، شهدت التجارة الخارجية الصينية هبوطا حادا في العام الماضي، اذ انخفضت قيمتها بنسبة 7% على أساس سنوي لتصل الى 24.59 تريليون يوان. ومن ذلك بلغت قيمة الصادرات 14.14 تريليون يوان بانخفاض 1.8%.
وبالرغم من أن قيمة الوارادات الصينية قد هبطت بنسبة 13.2% في العام السابق لتصل الى 10.45 تريليون يوان، إلا أن كمية الواردات قفزت بشكل كبير في عدة مجالات مثل الإسمنت وخامات الحديد والمطاط.
وبمناسبة الحديث عن آفاق التعاون الواسعة المتاحة بين الجانبين الصيني والعربي، يبقى محور الطاقة أحد أهم المحاور. ففي هذا الصدد، استوردت الصين 334 مليون طن من النفط الخام في 2015 بزيادة 8.8% على أساس سنوي، ما ضخ زخما جديدا ومشجعا للتبادل التجاري الثنائي في مجال الطاقة خاصة على خلفية انهيار أسعار النفط الدولية.
وفيما يخص أداء الاقتصاد الصيني، استبعد شيويه احتمال حدوث هبوط حاد لثاني أكبر اقتصاد في العالم، مشيرا الى الأداء الجيد للاقتصاد الصيني الذي نما بنسبة 6.9% في 2015، مؤكدا على أن نظيره الأمريكي نما بنسبة 2.4% مقابل دون 2% للاتحاد الأوروبي.
وبالطبع فإن الاقتصاد الصيني شهد أدنى وتيرة نمو خلال 25 سنة مضت في 2015، لكنه سجل أكبر حجم خلال الفترة بعينها ليصل الى 67.67 تريليون يوان.
وفي العام الماضي، حقق سوق العمل الصيني انجازا كبيرا، اذ تمكن من خلق ما يزيد عن 13 مليون فرصة عمل جديدة في المدن والبلدات المحلية، علما بأن الهدف المحدد كان 10 ملايين فرصة عمل. وبذلك بلغت نسبة البطالة المسجلة حتى نهاية ديسمبر الماضي 4.05% مقابل 4.5% حسب الهدف المحدد.
وحول هذا الأمر أكد المسؤول أن الاقتصاد الصيني لايزال محركا رئيسيا لمثيله العالمي حيث شكل اجمالي حجم الاقتصاد الصيني 15% من اجمالي حجم الاقتصاد العالمي بينما بلغت نسبة مساهمة الأول للأخير 25% حسب صندوق النقد الدولي.
وبالرغم من تواجد مشاكل وتحديات كثيرة تعتري عجلة الاقتصاد الصيني، إلا أن الصين ما زالت مفعمة بالثقة لتحقيق نمو مستقر لاقتصادها عبر سلسلة من الاجراءات الفعالة وخاصة مع ظهور بعض البوادر الايجابية .
ففي العام السابق، تحسنت هيكلة الاقتصاد الصيني كثيرا، فتجاوز ثقل قطاع الخدمات أو الصناعة الثالثة لأول مرة 50% من اجمالي حجم الاقتصاد ليصل الى 50.5% ما قدم دعما مستداما لنمو الاقتصاد.
وعلى صعيد آخر، أصبح الاستهلاك المحلي ركيزة للاقتصاد الصيني، الذي كان يعتمد منذ فترة على التصدير والاستثمار بشكل مفرط، حيث تخطت قيمة البيع بالتجزئة للمنتجات الاستهلاكية الاجتماعية 30 تريليون يوان في 2015. وبذلك بلغت نسبة مساهمة الاستهلاك المحلي للاقتصاد الصيني 66.4% بزيادة 15.4 نقطة مئوية.
وسيسعى الاقتصاد الصيني لمواصلة تعزيز جاذبيته للمستثمرين الأجانب حيث تدفق اجمالي 126.2 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي الى القطاعات غير المالية في الصين في 2015. ويعتبر ذلك خير دليل على أفق الاقتصاد الصيني.
وفي السنة الجديدة، من المتوقع أن تستقطب الصين مزيدا من الاستثمارات الأجنبية بفضل جهودها الرامية الى تعميق الاصلاح وتعزيز الانفتاح .
وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا