الأعمال الخيرية وتبرعات المسلمين الصينيين
موقع الصين بعيون عربية ـ
الشيخ محمد حسن التويمي*:
طالعت الكثير من الاخبار عن مراجعة مسودة قانون الأعمال الخيرية في الصين، الذي يسلط الأضواء خلال إجتماع الدورتين (دورة 2016 للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ودورة 2016 للجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني) على قضية هامة جداً في حياة البلد الصديق والشعب.
يؤكد الصينيون ان الأعمال الخيرية في الصين شهدت تطوراً سريعاً خلال السنوات الأخيرة. حيث قفز إجمالي قيمة تبرعات المجتمع الصيني من 10 مليار يوان في سنة 2006 إلى 100 مليار يوان في سنة 2014، ومع إرتفاع قيمة التبرعات، إرتفع عدد المنظمات الخيرية بوتيرة سريعة. لكن نظراً لعدم إكتمال المنظومة القانونية التي تؤطر العمل الخيري، يعاني هذا القطاع الخيري من عدة مشاكل، أهمها الشفافية والمصداقية والتحايل وإساءة إستعمال التبرعات.
وعلى هامش إنعقاد إجتماع الدورتين، يوم 9 آذار، استمعت الجلسة العامة الثانية من الإجتماع الرابع للدورة الثانية عشر لنواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية في الصين، إلى مداخلة نائب رئيس اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب، لي جيان قووه، عن مسودة قانون الأعمال الخيرية. في هذا السياق، رأى خبراء بأن مراجعة هذا القانون تكتسي معاني هامة في تاريخ تطور المجتمع الصيني. وأشاروا إلى ان مسودة قانون الأعمال الخيرية، في صورة تمريرها وتنفيذها ستكون علامة بارزة على دخول تطور الأعمال الخيرية في الصين إلى مرحلة جديدة بالكامل، كما سيكون لهذا القانون تأثير عميق وواسع على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي.
أخذت مسودة قانون الأعمال الخيرية بعين الإعتبار، المشاغل المُثارة حول هذا القطاع داخل الرأي العام، وتجاوبت معها.
نصّ البند الثامن والعشرون من مسودة قانون الأعمال الخيرية على: “يمكن للمنظمات والأفراد الذين لا يمتلكون أهلية لجمع التبرعات، أن يتعاونوا مع المنظمات التي تمتلك أهلية ممارسة هذه الأعمال، وفتح طلب علني لجمع التبرعات تحت إسم هذه المنظمات، وتقوم هذه الأخيرة بإدارة التبرعات التي تم جمعها. ”
يرى مدير معهد الأعمال الخيرية بجامعة بكين للمعلمين، أن تمرير أول قانون صيني للأعمال الخيرية سيشكل قواعد نظامية لتأطير الأعمال الخيرية في المجتمع الصيني. حيث يهدف هذا القانون إلى تعزيز تنمية الأعمال الخيرية، ويسعى إلى تشجيع الناس على التبرع وليس تقييد الأعمال الخيرية داخل المجتمع.
المُلاحظ هنا، ان المشرّعين الصينيين والخبراء والمناقشين للقوانين والأُطر التي تتعلق بالأعمال الخيرية، لم يُشيروا الى ديانة أو قومية أو لون المُتبرعين، ولا لاولئك الذين سيتم التبرع إليهم بالاموال، ولم يُقيّدوا مجال الاعمال الخيرية بأية قيود.
عدم الاشارة للاختلافات بين الناس هو بحد ذاته مكسب إجتماعي وسياسي يؤكد رقي الدولة الصينية وحضاريتها وبأنها هي دولة الجميع، بغض النظر عن فروقاتهم واختلافاتهم في هذه أو تلك من المجالات والخِصال. فلا تمييز في الدين والمذهب واللون والتوجهات بين المواطنين الصينيين، والقانون يَحكم بإنصاف بين الجميع، ولأجل إحقاق الحق والعدالة والمساواة بينهم.
في الصين بضع عشرات ملايين من المسلمين، وهم أقلية قومية ودينية في المجتمع هناك. لكن هذه الطائفة الدينية المسلمة تتمتع بحقوق كثيرة كثيرة، لكونها قليلة العدد والعُدّة، فتعطى إليها الاولوية والتميز في العديد من مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، ويتم تمثيلها في مؤسسات الدولة وأعلى السلطات التشريعية والتمثيلية والتنفيذية، حتى يشعر المسلمون جميعاً بأنهم سواسية مع غيرهم برغم قلّة عددهم، وان الفيصل بينهم وبين الجميع هو القوانين المرعية والدستور.
وهنا، لا بد من التنبيه والتنويه للسلطات الصينية ولمنظمات المسلمين الصينيين، وقد كتبت عنها عدة مرات، وما أزال أكتب في حلقات تتابع، ضرورة تعميق التبادلية بين الاطراف الصينية، بمعنى ان يبذل المسلم وغير المسلم على حد سواء، جهوداً أكبر وأشمل اجتماعياً لجهة توظيف إمكاناته لخدمة المجتمع الصيني، حتى يتم تأصيل متواصل لا انقطاع فيه للانسجام وفهم الآخر، وتسخير التعاضد الاقتصادي والمجتمعي.
واقترح هنا على المسلمين الصينيين اعتبار التبرعات الاسلامية جزءاً أساسياً من الاعمال الخيرية في المجتمع الصيني، لتصب مباشرة في خير مختلف الصينيين، ولكونها تعبّر عن وحدة المجتمع الصيني وصلابة كيانه وتطلعاته الجمعية، وهي الملفات التي يتم مناقشتها حالياً في أعلى الهيئات بالصين. كما واعتبار التبرعات والجهود الخيرية الصينية التي يَبذلها غير المسلمين، نشاطاً واجباً يصب في صالح المسلمين أيضاً، ودوماً ليتم تعميق التبادلية في المجتمع بين قوميات مجتمع الصين وألسنته وأصحاب دياناته ومذاهبه أياّ كانت.
*مسؤول متابعة المطبوعات والنشر والملف الاسلامي بالصين للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.