موقع متخصص بالشؤون الصينية

“الإشتراكية بألوان صينية” ليست “إشتراكية صينية”! (الجزء الثاني)

0

marwan-soudah-china-socialism

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:

 

هذا هو الجزء الثاني من رأيي عن الاشتراكية الصينية، رداً من جانبي على أسئلة واستفسارت القيادات الفكرية الصينية، التي طرحتها علي، وفي رأيي قد أصيب، وقد أُخطئ، لكن الأهم هنا أنني أعرض رأيي، وأود في الحقيقة الوصول الى نتائج إيجابية لإشكالية ما هي الاشتراكية اليوم، في الظروف الراهنة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في العالم،  وفي البلدان المختلفة. وأنا على قناعة تامة بأن الاشتراكية ليست ديناً تحكمه أُطر محدَّدة، ولا هي مبادئ مقدّسة، بل هي الوصول الى الاشتراكية بصورتها وألوانها وسُبلها الأفضل والأحسن من خلال الممارسة الفعلية لتطبيقات الاشتراكية، التي يمكن أن تخدم الشعوب والامم ومستتقبل البشرية.

فعندما يَجري الحديث عن “الإشتراكية الصينية”، أو “الاشتراكية “بألوان صينية”، يجب أن نـتوخى الدّقة في التوصيف وفي تعريف الإشتراكية عموماً، ومن السّخف بمكان، وتدني المعرفة الفلسفية أن نسارع بوصف الاشتراكية في الصين بأنها.. “إشتراكية صينية”!

في مسألة التوصيفات، أعتقد بأن وصف “الإشتراكية بألوان صينية” هو تعبير أدق وأمثل وأكمل للإشتراكية المُطبّقة في الصين. وأرى بأن مَرد صحة توصيف وتعبير “الإشتراكية بألوان صينية”، انطلاقاُ من متابعاتي، وما خَلصت إليه من خلاصات، أن الصين لم تُطلق هذا التوصيف على إشتراكيتها عَبثاً (“الإشتراكية بألوان صينية”) ولا لَعباً بالأوصاف، بل أن الصين أطلقته بعد إنجاز دراسات وافرة، وفي خواتيم تمحيص فكري عميق وطويل يُعرَف به الصّينيون، ويٌعرَفون بدقّهم فيه جيداً.

والتوصيف الثاني، الذي هو “الإشتراكية بألوان صينية” – هو الأدق صينياً، ودّقته تـنبع من كونه يتحدث عن “إشتراكية” تخضع للتوصيف الصيني – “ذات ألوان صينية”، أي أن الاشتراكية في الصين مُمَيَّزة وواضحة المَعالم في شتى الحقول، ونابعة بألوانها من “واقع” التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي” في الصين، الذي ورثته تلك الدولة الشعبية منذ ألوف السنين ومئات القرون.

عندما نجرؤ على التحدّث عن “الإشتراكية الصينية”، إنما نقترف خطيئة مُميتة، من شأنها تقزيم الإشتراكية نفسها! فهذا التعبير أو الوصف والمفهوم، قومي، وقد يكون قومي – شوفيني، كما يتسم في العادة بالنسبة لبلدان عديدة تطبَّق فيها “الاشتراكية القومية أو “الاشتراكية الوطنية”، التي وسمتها الشعوب بأنها التطرف ذاته والشوفينية ذاتها، وبأنها مكروهة من الشعوب ومن المدارس الاشتراكية، ذلك أن مُطلِقيها يحتكرون الحقيقة، ولأنهم يرون أنهم هم بالذات وليس غيرهم يمثلون الحقيقة ويُعبّرون عنها، برغم أن لا إشتراكية لديهم، بل مجرد شعارات تُجيّش المجتمع نحو الحروب والتوسّع!

لذلك، نرى كيف عَمدت بعض الأنظمة والشخصيات الطاغية في التاريخ، لتوظيف الاشتراكية كما تدّعيها، بل أنها عمدت الى اختراع فلسفات ترعاها شعبياً، حتى غدت هذه “الاشتراكية” معادية للأنسان والحياة في مشاريعها الفكرية وتطبيقاتها اليومية، وصارت سرطاناً كونياً، على مِثال الفاشية، والنازية القوميتين المتطرفتين، الشوفينيتين، خلال حكم كل من موسوليني و هتلر، وكلاهما من سيئي الصيت والذكر على صعيدي العالم والتاريخ.

في التوصيفات التي تتيح لنا فهم وإدراك الصين، ومعرفة أشتراكيتها المُلونة بلونها الأحمر بالذات، وربما بألوان اخرى، وبنجومها الخمس الخُماسية الصفراء، وقواتها المسلّحة والمُخلصة للحزب الباني وقيادته الواعية وقواعد الدولة الاقتصادية والسياسية، يجب أن نعترف بلا مواربة بأنها إشتراكية، ليس لأن أصحابها الصينيون يريدونها كذلك، بل ولأنها، الى ذلك أيضاً، تشمل تطبيقات إشتراكية واضحة الأفكار المَعالم، وهي واسعة وتتسع يومياً، ومنها، التطبيقات الفكرية الواقعية إقتصادياً وإجتماعياً، سيكولوجياً وسوسيولوجياً وليس أخيراً سياسياً.

لا يَحق للبعض البتة، أن يتجاسر ليُحاكِم الصين وقياداتها الحزبية الحكومية، ويَستدعيها للخضوع لقرار بالتجريم، لمجرّد إعتقاده بفكرة يتسلّح بها – أقصد هنا هذا البعض الذي يَستدعي من بطون الكتب ما يوائم فكره ومقياس عقله وميزانه السياسي والفكري، وقد يتغير رأيه وفكره واعتقاده وسياسته مع تغيّر الأحداث السياسية، وحدوث الانقلابات السياسية والاقتصادية المحلية والدولية.

والاشتراكية كما نعلم وكما تعرّف في تعريف عام، وليس تخصيصاً، “نظام اقتصادي يَمتاز بالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والإدارة التعاونية للاقتصاد؛ أو هي فلسفة سياسية تدافع عن هذا النظام الاقتصادي. والملكية الاجتماعية تعود لأي شخص ما أو مجموعة مما يلي: شركات تعاونية، أو ملكية شائعة أو ملكية عامة مباشرة، أو دولة المؤسسات المستقلة. الاقتصادات الاشتراكية تعتمد على الإنتاج من أجل الاستخدام والتخصيص المباشر لمدخلات الاقتصاد لإشباع المتطلبات الاقتصادية والحاجات البشرية (قيمة الاستخدام)؛ المُحَاسبة تعتمد على كميات طبيعية من الموارد، كمية طبيعية أو قياس مباشر لوقت العمل.
في الاشتراكية فلسفات وسياسات مختلفة، لكن جميعها تتفق على الاساسيات، وهدفها خير الانسان والسلام العام، والسلام العالمي والسلم الوطني والشخصي لكل فرد إجتماعي. وفيها يكون رأس المال الأساسي والتحويلي للدولة خاضعاً للدولة، كذلك الأمر لسياسات الدولة على الصُعد المحلية والعالمية، وكذلك هو الفكر، وفس ألهمِ العام للجماهير، وقواعد الدولة، التي يُمنع استغلالها من جانب رأس المال الخاص، أو تدخلّه في عملياتها الاقتصادية والاجتماعية وتغوّلاته، وفي التحويل الوطني أو تحويل العَالم سلمياً، والأهم هو منع راس المال من فرض رأيه ومصالحه على الدولة ومؤسساتها أيّا كانت، ومنها المؤسسات الأمنية والإقتصادية وغيرها، والأهم أن رأس المال يجب ان يبقى مستقلاً عن التوجهات السياسية والفكرية للدولة، وهو ما نلمسه في الصين بجلاء.

في الصين يتم وضع الخطط للتطوير الاقتصادي والاجتماعي بموافقة الدولة ومن خلاله دراستها مسبقاً وإقرارها في كل هياكل الحزب الشيوعي الصيني، وهي إذن عملية ترتبط بملامح وأفكار إشتراكية صارمة، وكذلك في تطبيقاتها الاشتراكية. فلا يمكن ان يتم في الاشتركية أي إنتاج سلعي بعشوائية كما هو قائم في الدول الرأسمالية، وفي الدول ذات التوجهات “الاشتراكية “القومية” في اوروبا الغربية.

هناك في الصين يوجد مَن يدافعون بشراسة عن “إشتراكية الدولة” وملامحها الاقتصادية الشيوعية، المشاعية مُستقبلاً، التي صارت تعني في الاشتراكية بألوان صينية “الاقتصاد الأوسع.. مصالح المجتمع والعالم والكسب المشترك الخ”، ويَنتصرون للانتماء المحلي أو قل للانتماء الوطني (وهو طبيعي ولازم) وتقدمية وسائل الإنتاج – أي تلك الوسائل المُخلصة جداً والمنتمية لأسس الدولة وقواعدها وطموحاتها وفلسفتها، بغض النظر عن ان مُلكية جزء من وسائل الانتاج تابع للقطاعين الخاص والاجنبي، (وهنا لا يُقصد قوميتها، إثنيتها، تابعيتها لمجموعة معينة من السكان)، وينافحون عن توزيع وتبادل خطط لتنفيذ الاشتراكية في مختلف الحقول، وتخفيض الضرائب لتتواءم مع وضع المواطنين الاجتماعي والمالي والنفسي وما الى ذلك، لكون نظام الحكم الحالي ينبع من إرادة الشعب، ويعود إليه بالنفع. وهنا بالذات نرى كيف ان الصين ما تزال تعتمد على التمثيل الشعبي في برلمانها (مجلس الدولة الصيني) ومؤسساتها الحكومية، وفي الحزب نلمس تمثيلا شعبياً شاملاً ومباشراً، وكيف ان إرادة الشعب تطبق من خلال الحزب في مجمل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والتعليم والصحة و.. الخ

الإشتراكية في الصين هي أقرب الى “إشتراكية السوق الأوسع” المرتبطة بالشعب الصيني ومتطلباته الضخمة، وهو الأكثر عدداً بين الشعوب. لذا، ترتبط هذه الاشتراكية بمجموعة من النظريات الاقتصادية التي تتيح نَظمْ إستخدام آلية السوق لترتيب عملية الإنتاج الإوسع، تلبيةً لحاجات المواطنين ومتطلبات العالم، تبعاً لعالمية الصين وقوتها الاقتصادية الطاغية، وتخصيص جزء من عوائد الإنتاج في الشركات المملوكة إشتراكياً وتلك الغير المملوكة اشتراكياً للمجتمع، كحصّة اشتراكية من رأس المال المنهمك في عمليات الاستثمار.

لكن، هل كل ذلك وغيره يعني عجز الاشتراكية عن تلبية متطلبات الشعب والعالم، “لذا” تم في الصين وبلدان اخرى قبل العام 1978، خلط مكونات النظامين الاشتراكي والرأسمالي، لتلبية متطلبات شعوبها والعالم؟!

ـ أعتقد لا.  فالاشتراكية كما سبق وأشرت، ليست ديناً، وهي ليست فكراً مُقدّساً لا يأتيه الباطل من أمامه أو من خلفه، لكنها نظام من تنظيم البشر الذين اكتشفوا قوانينها في خضم  الصراعات في المجتمع الرأسمالي، الذي هو نظام العشوائية والدكتاتورية في الانتاج والاستثمار، والتوسّع العسكري لتصريف المُنتجات الفائضة. والاشتراكية ليست ديانة ما، ولا هي مقدّسات يُمنع المساس بها أو تطويرها وتشذيبُها. و الاشتراكية في الصين تم تطويرها تبعاً لحاجات الشعب، وتبعاً لحاجات العالم في العملية الصينية الانتاجية السلعية الضخمة، التي يحتاجها الشعب الصيني لضمان استمراريته ووجوده المزدهر، والقائمة على احتياجات السوق الصيني والسوق العالمي. وهنا بالذات طرحت القيادة الصينية فكرة “الكسب المشترك للصين والعالم”، من خلال شرعنة الانتاج والمشاريع الصينية في العالم ومبادرة “الحزام والطريق”، بعدما نجحت في جذب وتوظيف رؤوس الأموال الغربية الضخمة التي تحشرجت في فترة سابقة، ووصلت الى طريق مسدود، بسبب انحسارها مع تحرر الشعوب عن جغرافيات كولونيالية كثيرة في العالم، فتقلص نظامها الاستعماري الى أن  لفظتها الامم.

بقيت الصين مُخلصة للاشتراكية بتفاصيلها منذ تطبيق حركة الاصلاح والانفتاح، وما بعدها، وللآن، ولم ترتد عن الاشتراكية وعياً وممارسة. ونظرة فاحصة على العمل النظري والتثقيفي الكبير للحزب الشيوعي الصيني والدولة الصينية، وعمل المديرية الأيديولوجية للحزب، ومصلحة التأليف والترجمة المركزية بالحزب، يؤكد ان الصين متمسكة بالنهج الاشتراكي، وبتفسير الاشتراكية بالألوان الصينية، وبروح الإشتراكية.

في “الوعي” أساس التوجه. ومعظم النظريات الاشتراكية ومدارسها القومية والأممية نادت بالوعي الاشتراكي العالي والرفيع، الذي يمكن أن يَبني اشتراكية متطورة ومزدهرة. فالاشتراكية لا يمكن ان تُبنى لا على جثث الناس، ولا بأيدي عاملة غير واعية، ولا بمجتمع راكد ومتجمد في فكره وعقله الجَمعي. فالاشتراكية تطبق بعد  التخلص من العبودية العقلية، وبعد التحرر من محدودية الفكر، وبعد انطلاق المجتمع واقتصاده الى فضاءات أوسع، وبعد قطع كل وصال بممارسات وافكار تأجيرها للمجتمع وناسه من قِبل جهات ما!.

كل ذلك، أدى بالمجتمع الصيني الى البحث الفعّال ومنذ عهد النضال للانعتاق من الاستعمار الخارجي، عن طرق جديدة لبناء مجتمع أفضل واكثر عدالة، فصار المجتمع الصيني ميالاً إلى البحث عن حريته الحقيقية، فرفع بالتدريج الولاية عن ملكية الرأسماليين لوسائل الإنتاج، وفي هذا التحول التدريجي بالذات نَحى الصينيون نحو مجتمع المستقبل، حين وحيث وطبقاً لآراء ماركس وأنجلز، توضع الشروط المُحدّدّ للوعي الشامل بإنهاء دور الطبقة الرأسمالية المهيمنة، وبالتالي بدء تكوين مجتمع الانعتاق من الطبقية، العامل خطوة في إثر خطوة، على بناء دولة متحررة، ثم اشتراكية، فإنهاء وجود الدولة الاشتراكية بعد حقبة ما وفي وقت ما، بهدف السير بطريق التسيير الذاتي، الطبيعي، الشيوعي للمجتمع الواعي برمته، بشرط أن يكون هذا النمط الاجتماعي – الاقتصادي المتطور والمُبدع، منتشراً في كل العالم الذي يعمل على تطبيقه.

إلا أن الاشتراكية بألوان صينية، تضع الوعي العام الاشتراكي للمواطنين موضع الاولوية وفي موضع القرار، سيّما ان الصينيين واعون فكرياً. وكان ماركس وزميله أنجلز قد تحدّثا، تبعاً لظروفهما الاوروبية الغربية في مجتمعات رأسمالية، عن أن الوجود الاجتماعي/الاشتراكي هو ما يُحدّد وعي الناس (وهو ما حدث في الصين، عندما اختطت طريق الاشتراكية بعد التحرر، تبعاً للوعي الفكري، الذي تكوّن عند الصينيين خلال حرب التحرير الشعبية ضد المستعمرين الإحلاليين اليابانيين، وقبلها ضد المستعمرين البرتغاليين والانجليز، وخلال حرب الأفيون).

الوعي الفكري على اعتاب الاشتراكية وخلالها مهم جداً. ذلك ان الاشتراكية ترتكز إليه في مساعيها لتغيير العالم وتحويل الأوطان فيه، وبالتالي لإكساب الدولة الرأسمالية المرتبطة بجميع البُنى الاستغلالية والتي تنقسم إلى طبقات قامعة واخرى مقهورة آليات لتغيير نفسها. وتعوّل الاشتراكية ومنها الاشتراكية بألوان صينية، الى ترسيخ عالم النشاط الفردي في الدولة، وشرعنة الانتاج والعلاقات الانتاجية الفردية والاجتماعية والدولتية دون طغيان واحد منها على الآخر، لكن ضمن القوانين والمُحَدّدات الحكومية والفكرية، ليتمكن وقف شذوذ الانفلاتات المجتمعية نحو الرأسمالية المتوحشة، ذلك ان ما يجري في الصين هو تطبيقات إنسانية، وليس ترهيبية لروح الاشتراكيات العالمية في دولة القانون المدنية والفكرية والإدراكية المتطورة، التي تمثل ببساطة المبادئ الأخلاقية التي اكتشفها عِلم الاجتماع والتي يمكن تطبيقها، فيمكن والحالة هذه ترسيخ الدور الاشتراكي الاجتماعي، والدفاع عن الإصلاحات المجتمعية، المرسِّخة للمجتمع الاشتراكي المتقدم والمزدهر في الصين.

المبدأ الاشتراكي يتغيّر ويتبّدل ويتطوّر تبعاً لواقع المجتمعات، كما في الصين اليوم. أنه حالة معيّنة تاريخية، يتم خلالها استبدال الرأسمالية وإرساء الاشتراكية. والخصائص الأساسية للاشتراكية (خصوصاً ما استنبطه ماركس بعد كومونة باريس عام 1871)، هي أن طبقتي البروليتاريا والبروليتاريا الرّثة، ستتحكمان بوسائل الإنتاج، وتُتبِعان لها الدولة، وستقوم دولة من أجل مصالحها وشعبها. وسيرسى النشاط الاقتصادي المنظم من خلال استخدام أنظمة دافعة، وستبقى الطبقات الاجتماعية موجودة وعاملة، لكن سيتم تحديد نفوذها وحجمها، وتقليص أبعادها وقوتها السياسية، عما كانت إبان الرأسمالية.

والاشتراكية في القرنين العشرين والحادي والعشرين تطورت فكرياً وتطبيقاتٍ ونضجت، فلم تعد الطبقة العاملة لوحدها في كل الدول، وهي فقط، المُحرّك الاساسي لكل العمليات الاشتراكية والثورية بمفهومها المباشر، حيث تتباين أعداد هذه الطبقة، وفعاليتها، ودرجة ثقافة المُنتمين إليها.

في كل الاشتراكيات هناك ملكية خاصة، إلا ان حُجومها تتباين وتختلف في اشتراكية ما الى اشتراكية اخرى. هكذا كان في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية في شرقي اوروبا، وفي الصين الماوية قبل حركة الاصلاح والانفتاح 1978.

طبعاً، ترفض الطبقة العاملة الثورية والاشتراكية في الغالب إضعاف سيطرتها على المجتمع، وعلى الصناعة وحقول الانتاج كافة والسياسة الخ. وهي ترفض كذلك الملكية الخاصة الكبيرة والمنفلتة في المجتمع، وهي تريد الملكية االعامة والاشتراكية وحدها. لكن ذلك قد يفضي بأخطار على الدولة وعموم المجتمع وتطوره، إذ لا يمكن في الظروف الراهنة ان تمتلك طبقة واحدة فقط ملكية الانتاج، ولا يمكن ان تفرض رأيها وتوجهاتها عليه، لأن ذلك سيجعل العملية الانتاجية ناقصة في ملامحها ووقائعها وطبيعتها، وهو ليس في مصلحة المجتمع بشيئ، وينذر بكوارث إجتماعية واقتصادية، ومواجهات طبقية تصل في حدتها الى درجات عليا.

في العموم ومنذ قرون، كان وما يزال مصطلح إشتراكي وإشتراكية يُطلق على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية المُستشرية وفي معظم الأحايين، بدون النظر للحل أو إيجاده بجهود جماعية ناجعة. وفي نهاية القرن التاسع عشر حدث تضاد وفرز واضح بين الفكرتين الاشتراكية والرأسمالية، وأصبحت الاشتراكية في عقول الشعوب وبخاصة الاوروبية، نظاماً بديلاً يعتمد على الملكية الجماعية.

الاشتراكيون الطوباويون أمثال روبرت أوين، حاولوا أن يؤسسوا كومونات تعتمد على قوى ناسها، تَشرط الانفصال عن المجتمع الرأسمالي الذي يمكن ان يلوث النظام الكوموني الجديد. بينما كان النموذج السوفيتي لتطور الاقتصاد الاشتراكي يعتمد حرفياً وبصورة مقدّسة على الإرث الاشتراكي المكتوب. لذا، دافع الماركسيون – اللينينيون عن خلق اقتصاد مُخطّط مركزياً يوجّه حزب الدولة الحاكم، الذي يسيطر على  وسائل الإنتاج وطرائق توزيع الخيرات المُنتّجة اجتماعياً. بينما اجترحت أنظمة شرق اوروبية اخرى توجهات وأشكال اشتراكية مختلفة، منها يوغوسلافيه، وحكومات منها المجريه والألمانيه الشرقية والصينيه التي أنشأت السوق المتعددة و/أو التسيير الذاتي، ودمجت نماذج المُلكيات التعاونية والفردية وملكية الدولة، بدرجات شتى، مع تبادلات السوق الحر، وأبقت الأسعار حرّة للمُنتجين – (ولكن الأسعار الحرة بحد ذاتها ليست نظاماً اجتماعياً، بل جزءاً يخضع لآلية السوق ومدى وطبيعة وسائل الإنتاج)..

إلا ان الاشتراكية في البانيا – الزعيم أنور خوجه، على سبيل المِثال، كانت تطبق سياستها الخاصة بها والمختلفة عن باقي الاشتراكيات، كذلك رومانيه نيقولاي شاوشسكو، والصين الشعبية، وجمهورية كوريا الديمقراطية الزوتشية التي إجترحت (دكتاتورية الاشتراكية) الصارمة في تطبيقاتها، سيّما بتمحورها على الانسان وقدراته في تحويل التاريخ والمجتمع، وجعلت هدف المجتمع واحداً للجميع الخ.

في تجربة أخرى لافتة جُلّها ريفية وفلاحية، ربما موازية تقريباً لواقع روسيا السوفييتية البلشفية، سعى الثوري تشي غيفارا إلى أن تعتمد الاشتراكية على الفِلاحة الريفية، وكانت الصين كذلك دولة ريفية واسعة خاصة في مناطقها الغربية، التي بدأت تتطور منذ سنوات قليلة بعد التقدم المذهل للشرق الصيني المحاذي للمحيط المفتوح والتجارة. رأى تشي أن تكون طبقة الفلاحين طبقة عمال حضرية، في محاولة لإلهام فلاحي بوليفيا الفقراء بتغيير وعيهم، فقد صرح غيفارا عام 1956، بأنه لا يمكن ان توجد الاشتراكية بدون تغيير في الوعي الناشئ في الموقف الودي تجاه الإنسانية، كل على مستوى فردي وعلى مستوى المجتمعات، حيث تُبنى الاشتراكية أو بُنيت، وللأخذ في الاعتبار مصالح كل الناس الذين يُعَانون من القَمع الاستعماري.

*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.