الصين وروسيا.. علاقات استراتيجية ثابتة
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
د. محمد سعد أبوعامود:
خطت روسيا والصين خلال السنوات الأخيرة، خطوات مهمة لوضع أسس الشراكة الاستراتيجية فيما بينهما، تقوم على أساس توسيع نطاق المصالح المشتركة والمتبادلة والسعي للتوصل لحلول للمسائل الخلافية بقدر الإمكان، واحتواء ما تبقى منها في نطاق لا يؤثر سلباً في الاتجاه العام لهذه العلاقات.
كانت تسوية الحدود وتصدير الأسلحة الروسية إلى الصين الخطوة الأسهل في هذا الشأن، بينما شغلت المباحثات حول مشاريع الطاقة طويلة الأمد فترة طويلة من الزمن، انتهت بتوقيع اتفاق الغاز بين البلدين عام 2014، والذي يعد نموذجاً للاتفاقات التي تحقق المصالح المتبادلة بين قوتين كبريين فهو يضمن توفير سوق للغاز الروسي، كما يوفر مصدراً مستداماً لتوفير احتياجات الصين من الطاقة على مدي ثلاثين عاماً، هذا وقد اتفق الجانبان على البدء في التفاوض على كميات أخرى من الغاز في مناطق جديدة لإنتاجه بروسيا.
وبالتالي فإن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الصيني لموسكو في مارس/آذار 2016 وما تمخض عنها من نتائج تؤكد الاستمرارية في اتجاه هذه العلاقات وتوضح مستوى التعاون الذي وصلت إليه ومجالاته المهمة والمتنوعة، وتشير كذلك إلى المستوى المحدود لما بينهما من مسائل خلافية، حيث أكد وزير الخارجية الصيني في المؤتمر الصحفي السنوي التقليدي الذي يعقد بين الجانبين، أن الصين وروسيا يتمتعان بتكامل اقتصادي كبير ورغبة كبيرة للعمل معاً، وأوضح عدة أمور بالغة الأهمية بالنسبة لهذه العلاقات وهي:
1 – أن التعاون القائم بين البلدين يتميز بأنه تعاون استراتيجي طويل الأجل.
2 – أن العوامل المؤقتة لن تقف حائلاً أمام تعميق التعاون الشامل في إشارة إلى المسائل الخلافية التي قد تظهر في ثنايا التعامل مع قضايا هذه العلاقات والأزمات الدولية.
3 – أن تعاونهما الاستراتيجي الشامل مبني على أساس متين من الدعم المتبادل.
4 – أن علاقاتهما الثنائية يمكنها التغلب على أي أزمة في الساحة الدولية، ولن تضعف تحت تأثير العوامل الفردية، ومن ثم فقد بلغت هذه العلاقات مستوى من القوة والنضج والثقة المتبادلة بحيث تستطيع استيعاب واحتواء أي من هذه الأمور.
أما وزير الخارجية الروسي، فقد ركز على استمرارية علاقات التعاون القائم والذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح كلا البلدين، مؤكداً أن روسيا والصين ليس لديهما أية نية بتغيير مسار هذه العلاقات.
وأفاد في مقابلة صحفية، بأن السياسة الخارجية الروسية تستهدف تطوير التعاون المتكافئ مع جميع الشركاء في جميع المناطق الجغرافية، وفي هذا السياق، يأتي تطوير الحوار السياسي والتعاون العملي مع الصين الذي يتميز بطابع استراتيجي، لأنهما دولتان كبيرتان تعيشان وفق علاقات جوار وثيقة على حد تعبيره.
ووفقاً للوزير الروسي، فإن الصين تتمسك منذ 2010 بموقف الشريك التجاري الرئيسي لروسيا، لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية في قطاع الطاقة وتطوير التعاون في قطاعات التكنولوجيا العالية، وفي غيرها من قطاعات الفضاء والطيران والطاقة النووية ومجال التعاون العسكري التقني.
وشدد لافروف، على أن روسيا والصين تعلقان أهمية كبيرة على الاستثمار والشراكة المالية بينهما، مشيراً إلى أن اتفاقاً من حيث المبدأ، قد تم التوصل إليه لدمج العمليات الاقتصادية الأوراسية مع المبادرة الصينية المعروفة بالحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وهو ما يشير إلى نجاح الجانبين في تحويل منطقة آسيا الوسطى إلى مجال للتكامل وليس ساحة للتنافس.
وعلى الصعيد السياسي تعددت لقاءات القمة بين رئيسي الدولتين فقد قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بزيارة لروسيا، في مايو/أيار 2015، للمشاركة في الاحتفالات التي أحيتها موسكو بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية، وقال في تصريحات صحفية إن الشعب الصيني والشعب الروسي شعبان عظيمان، في سنوات الحزن والبؤس، تعززت صداقتها القتالية الموثقة بالدم، واليوم فإن شعوب الصين وروسيا همت يداً بيد كتفاً إلى كتف للدفاع عن السلام، ولتعزيز التنمية والمساهمة في تحقيق السلام الدائم في العالم وتقدم البشرية، كما حضر الرئيس الروسي العرض العسكري الذي أقامته بكين يوم 3 سبتمبر/أيلول للاحتفال بالذكرى السبعين لانتصار الشعب الصيني في الحرب ضد اليابانيين، ويمكن تفسير حرص الرئيسين على المشاركة في هذه الاحتفالات بأنه يحمل رسالة ضمنية إلى القوى الدولية الأخرى على صلابة وأصالة الأسس التي تقوم عليها علاقات التعاون بين البلدين واستعدادهما للمواجهة المشتركة للتحديات المستقبلية.
وربما يكون الحدث الأبرز من الناحية الاستراتيجية في سياق هذه العلاقات هو شراء بكين 24 قاذفة روسية حديثة من طراز «سو 35» عام 2015، والذي أرجعته بعض المصادر لرغبة الصين في حماية المجال الجوي الصيني فوق الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي موضحة أن الوضع الجيوسياسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيتغير بشكل كبير، لأن المقاتلة «سو 35» ستعطي بكين ميزة كبيرة في مسألة الهيمنة في المنطقة، ومن ثم فعلى واشنطن وحلفائها مراجعة مواقفهم، وتكتسب هذه الصفقة أهميتها الاستراتيجية نظراً لأنها تأتي في ظل خلاف أمريكي- صيني، نتج عن قيام البحرية الأمريكية في وقت سابق بارسال مدمرات بهدف حراسة المياه قرب الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وبدأت هذه الحوادث تحدث من بداية عام 2015، وازدادت الأوضاع توتراً في نهايته، وفسرت الولايات المتحدة هذا بضرورة حماية مبدأ حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، في حين رأت بكين أن تواجد المدمرات غير قانوني لأن السفن الأمريكية لم تحصل على إذن رسمي من الحكومة الصينية، ويذكر أن الاتفاق الذي وقعته بكين مع موسكو لشراء هذه النوعية من الطائرات المتطورة ينص على أن يتم تزويد الجيش الصيني بأربع منها في عام 2016.
إذا ما نظرنا إلى العوامل التي ساعدت على إعطاء دفعة قوية للعلاقات الروسية الصينية خلال الفترة الأخيرة، يمكننا أن نشير لما يلي:
ا – تطورات الأوضاع في سوق الطاقة.
ب – الأزمة الأوكرانية وما نجم عنها من فرض عقوبات اقتصادية على روسيا ومحاولة عزلها عن المجتمع الدولي.
ج – السياسة الأمريكية الجديدة في آسيا خاصة في منطقة المحيط الهادئ، والتي ترى الصين أنها تعزز التحالف المضاد لها في منطقة ذات أهمية استراتيجية مهمة لأمنها القومي.
د – التوافق الروسي الصيني حول ضرورة إعادة بناء وتشكيل النظام الدولي بما يتناسب والمتغيرات الجديدة التي شهدها العالم والذي تعارضه الولايات المتحدة.
كما أدى التناقض الجذري في المصالح الجيوسياسية الصينية والأمريكية، والروسية والأمريكية، لتقوية دوافع التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني حيث تريد الولايات المتحدة الإمساك بالقيادة الشاملة للنظام الدولي القائم على حساب إقصاء روسيا والصين، من خلال إعاقة روسيا في أوراسيا، وتقوية خصوم الصين بتشكيل خط معرقل لها في المحيط الهادي وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله من الدولتين، وبالتالي فوفقاً لدراسة للمحلل الاستراتيجي الروسي بيوتر اكوبوف، فإن ما يقرب بين موسكو وبكين في هذا الشأن يتمثل في النية المشتركة لتغيير النظام الدولي بالشكل الذي يحرم الولايات المتحدة من حق وإمكانية إملاء شروطها على العالم.
وبالتالي نستطيع القول بأن هذه العلاقات ستستمر في اتجاهها القائم طالما استمرت العوامل الدافعة والمهيأة لصيانة واستمرارية قاعدة المصالح المشتركة والمتبادلة بين البلدين وتوافرت الإرادة السياسية القادرة على احتواء ما هو قائم من خلافات أو ما قد يظهر منها بحيث لا يؤثر سلباً في مسارها.
* أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان
m.abouamod@gmail.com