اهتمام #صيني متزايد بترجمة المزيد من #أمهات_الكتب_العربية
بينما تمضي مبادرة الحزام والطريق على قدم وساق، أبدت الصين اهتماما متزايدا بترجمة وطباعة المزيد من الروائع الأدبية والفكرية العربية بغية بناء جسر الترابط الشعبي بين أعرق حضارتين في العالم وتوطيد الأساس الإنساني والمعرفي الشامل والعميق للمضي قدما بالمبادرة البراغماتية والطموحة بالتعاون الصيني ــ العربي.
وفي المنتدى الدولي للترجمة والتبادلات الثقافية والإنسانية بين الصين والعالم العربي الذي أقيم مؤخرا في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، اتفق الأكاديميون والعاملون في الطباعة والنشر على أن ترجمة أمهات الكتب العربية ونشرها في الصين ستسهم إسهاما لا يمكن تصور مداه في تعزيز فهم الصينيين للعالم العربي ومعالم الحضارة العربية والإسلامية بشكل شامل وموضوعي.
كما أشار المشاركون في المنتدى الذي اعتبر أكبر حدث من نوعه في الصين في السنوات الأخيرة إلى ضرورة بذل الجانبين جهودا مشتركة لتقديم المزيد من الترجمات النوعية لأمهات الكتب العربية ليستفيد منها المثقفين الراغبين في في المعرفة والبحث في الحضارة العربية الإسلامية، داعين إلى بناء آليات ومنصات مناسبة لتنشئة المترجمين الأكفاء وتنشيط مهمة الترجمة.
ــــ ثمار مشجعة
وبدأت ترجمة أمهات الكتب العربية في الصين باستثناء القرآن الكريم والكتب الدينية في أواخر القرن الـ19، ففي عام 1890 ظهرت أول الأعمال الأدبية العربية القديمة المترجمة إلى اللغة الصينية، ألا وهي قصيدة ((البردة)) في مدح النبي (ص) للإمام شرف الدين البوصيري.
وبعد بدء المثقفين الصينيين إلقاء الضوء على العالم الخارجي في القرن العشرين، انشغلوا بترجمة عدد من الكتب العربية الكلاسيكية من طبعاتها الانجليزية والفرنسية واليابانية. وفي عام 1937 طبع ((سلسلة التواريخ)) للمؤرخ الجغرافي أبو زيد السيرافي ترجمة ليو بان نونغ أحد رواد اللغة الصينية الحديثة، و”هو أول كتاب ذي قيمة أكاديمية يترجم إلى الصينية”، بحسب قه تيه يينغ الأستاذ في جامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية الصينية.
وعلاوة على ذلك شارك عدد من الأدباء الكبار الصينيين في ترجمة الروائع الأدبية العربية. ففي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي قام الأديب الصيني الكبير شن يان بينغ والكاتبة الشهيرة شيه وان يينغ بترجمة خمس أقاصيص رمزية من ((السابق)) و((النبي)) لجبران خليل جبران ليصبح الأخير أشهر الأدباء العرب لدى الشعب الصيني.
أما ترجمة ((ألف ليلة وليلة)) المشهورة فقد بدأت في عام 1900. وقال الأستاذ تشونغ جي كون الرئيس الشرفي لجميعة الصين لدراسة الأدب العربي إن أول من ترجم الكتاب من اللغة العربية مباشرة هو الأستاذ نور محمد نا شيون الرحال، إذ ترجم معظم حكاياته ونشرها في خمس مجلدات عام 1941. وحتى الآن توجد في سوق الكتب الصينية خمس نسخ من الترجمات الكاملة لـ((ألف ليلة وليلة)) وعدد لايحصى من مختاراته.
ومنذ استهلال الصين علاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية قبل 60 سنة، طبعت على التوالي عدد من أمهات الكتب العربية، من أهمها ((رحلة ابن بطوطة))و((حي بن يقظان)) لابن طفيل ومقتطفات ((الشفاء)) و((القانون في الطب)) لابن سينا ومقتطفات ((مروج الذهب ومعادن الجوهر)) لعلي بن الحسين المسعودي ومقتطفات ((الكتاب المختصر للجبر والمعادلة)) لموسى الخوارزمي ..إلخ.
ونظرا لأن بعض الكتب العربية الكلاسيكية ترجمت من لغات أخرى، لم يتم تجنب أخطاء في الفهم والتعبير. لذا يرى المستعربون الصينيون ضرورة ترجمتها مباشرة من العربية، وأتموا ترجمة مثل ((المعلقات)) و((المقدمة)) لابن خلدون و ((عنترة بن شداد)) وعددا كبيرا من روائع الشعر العربي القديم.
وعند تعليقه على هذه الترجمات حديثة الطباعة، قال الأستاذ قه تيه يينغ إن ((المقدمة)) ترجمة العالم المسلم لي تشن تشونغ هي أكثر الترجمات قيمة أكاديمية شهدتها الصين. أما الترجمة الصينية المؤلفة من عشرة مجلدات لـ((عنترة بن شداد)) فهي أول ترجمة كاملة بلغة أجنبية في العالم.
ــــ مستقبل واعد
وبفضل الجهود الجبارة التي بذلها المترجمون والمستعربون الصينيون، لاقت ترجمات أمهات الكتب العربية إقبالا متزايدا لدى القراء الصينيون.
وضربت يان تشي هونغ نائبة رئيس مجموعة هاونغخه للطباعة والإعلام لوكالة ((شينخوا)) مثالا بـ((المقدمة)) البالغ حجمها قرابة ألف صفحة بسعر غير رخيص، قائلة إن الطبعة الأولى التي بلغ عددها 3500 نسخة تم بيعها تقريبا خلال سنة واحدة فقط، “رغم غياب الترويج الكبير لها في السوق”.
ومن جانبها، ذكرت تشانغ لي كون، التي كانت تعمل في دار الثقافة العالمية للطباعة والنشر، أنه بعد نشر كتب عن حياة الخلفاء الراشدين الأربعة، “تلقت ترحيبا غير متوقع لدى القراء حتى أن البعض قال إننا تعرفنا من خلالها على الحضارة العربية الإسلامية الحقيقية على العكس من بعض الكتب الغربية التي حاولت شيطنتها”.
وتشجيعا من الصدى الإيجابي لدى القراء، وضع المستعربون الصينيون والجهات المعنية خططا طموحة لترجمة وطباعة المزيد من الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية والعلمية العربية القديمة.
ووفقا لدار ووتشو للطباعة والنشر التي تشرف على “مشروع الترجمة المتبادلة لأمهات الكتب الصينية والعربية”، فإنها تخطط لنشر خمسة كتب عربية كلاسيكية باللغة الصينية على أساس سنوي. والآن تجري ترجمة وستترجم النسخة الكاملة لـ((القانون في الطب)) والنسخة الكاملة لـ((مروج الذهب وجوهر المعدن)) بين أعمال أخرى.
وفي الوقت الذي أكد فيه الأكاديميون على أهمية ترجمة أمهات الكتب العربية في فهم النواة الروحانية الجوهرية للحضارة العربية الإسلامية واستكمال نظام الدروس العربية في الصين، أشاروا إلى أن ترجمات الإرث العربي ليست كافية ولا تتناسب مع مكانة الصين كدولة ثقافة كبيرة.
وقال الأستاذ لي تشن تشون، الذي انكب على ترجمة مقدمة ابن خلدون على مدار عشرة أعوام ، إن العرب لديهم إرث ثقافي وفكري غني جدا، “إذا لم نتعرف على تاريخ العرب فلن نفهم ما يحدث في العالم العربي حاليا”. وأضاف أن ما نعرفه عن العالم العربي منذ إنشاء الأواصر الدبلوماسية بين الجانبين قبل 60 عاما يقتصر دائما على المجالين السياسي والدبلوماسي، “لذا نحتاج إلى فهم ماضيه وثقافته العريقة”.
وبدوره قال الأستاذ تشونغ جي كون “علينا أن نعترف أيضا بأن ما تحقق من نجاحات لم يكن كافيا كما وكيفا ولم يبلغ المستوى المنشود على الإطلاق، ذلك لأن الأدب العربي قديما وحديثا، شعرا ونثرا، غزير ووفير وثري وبهي، كأنه كنز وبحر، وما أنجزنا من ترجمات إلا قطرة من هذا البحر”.
وفي هذا السياق، اقترح الأكاديميون المشاركون في المنتدى الدولي للترجمة أن يتم ترجمة أمهات الكتب العربية على مراحل تركيزا على موضوع معين في كل مرحلة استنادا إلى البرامج الممولة من الجانبين الصيني والعربي في إطار هدف الترابط الشعبي المدرج ضمن مبادرة الحزام والطريق.
كما يجب على الجامعات والجهات المعنية الاهتمام بتنشئة مترجمين أكفاء، لاسيما المترجمين المؤهلين الشباب، مؤكدين في الوقت نفسه ضرورة تعزيز التفاعل والتعاون بين الجانبين الصيني والعربي لتقليل الأخطاء المحتملة في فهم النصوص الصعبة لأمهات الكتب العربية.