تحكيم بحر الصين الجنوبي: محرضون و’دمى’.. وثبات صيني ’تحت أي ظروف’
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
الفيليبين رفعت الدعوى أمام المحكمة الدولية، فلماذا تهاجم الصين الولايات المتحدة في خطابها الإعلامي؟
في الإجابة على هذا السؤال تكمن كل القضية: الجوهر والأسباب والهدف، ويبقى الظاهر في الإجراءات الرسمية التي اتخذتها هذه الدعوى.
المسألة باختصار هي أن الصين تؤكد سيادتها على بحر الصين الجنوبي، بما يحتويه من جزر وشعاب مرجانية وثروات، وتقدم من الوثائق ما يثبّت سيادتها على هذه المنطقة منذ مئات، لا بل آلاف، السنين.
بالمقابل تقدم عدة دول في المنطقة مطالبها بمساحات من هذا البحر، وتعلن عن حقوقها فيها بحكم “الجوار” و”القرب الجغرافي”.
لقد كانت الأمور خاضعة لمفاوضات ثنائية بين الصين ومختلف الدول التي تقدم ادعاءات في المناطق الواقعة في بحر الصين، إلى أن قدّمت الفيليبين دعوى إلى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 2013، للبت في “الحقوق التاريخية” للصين في البحر.
وهذه المحكمة هي منظمة دولية تتخذ من العاصمة الهولندية لاهاي مقرا لها. وهي ليست “محكمة” بالمعنى الحرفي، بل جهة تقوم بتنظيم لجان تحكيم تبت بالخلافات بين دولها الأعضاء التي يبلغ عددها 119.
الصين لم توافق على إحالة الدعوى إلى هذه الهيئة، وقاطعت اجتماعاتها، ورفضت بالتالي كل القرارات التي صدرت عنها، وفي مقدمها ما رأته المحكمة بأن لا “أساس قانونياً لمطالبة الصين بحقوق تاريخية على الموارد في المناطقة البحرية داخل خط النقاط التسع” الذي تستند الصين إليه في مطالبها. وأفادت الهيئة في بيانها الذي صدر يوم الثلاثاء في 12/7/2016 أن “الصين انتهكت حقوق الفيليبين السيادية في منطقتها الاقتصادية الحصرية من خلال التدخل في أعمال الصيد واستخراج النفط الفيليبينية وبناء جزر اصطناعية وعدم منع الصيادين الصينيين من الصيد في تلك المنطقة”.
لقد كان رد الصين دائماً على الدعوى الفيليبينية موجهاً إلى “القوى الخارجية التي تحرك الفيليبين”، ووصل الأمر بصحيفة الشعب اليومية التي تعبّر عن وجهة نظر الحكومة الصينية إلى اعتبار ان إدارة الرئيس الفيليبيني ومحكمة التحكيم كانتا في هذه القضية “مجرد دمى” تحركها “قوى خارجية”.
ولم تكتفِ الصحيفة بهذا التلميح، بل قالت في مقال آخر بقلم أحد كبار معلقيها أن ” رغبة أمريكا في إستعمال هذه القضية لتعزيز نفوذها في المنطقة هو الذي أدى إلى ارتفاع مستوى التوتر في بحر الصين الجنوبي”.
ومما كشفته الصحيفة أيضاً أن مسؤولين امريكيين قد عملوا خلال السنوات الماضية على الدعاية لقضية بحر الصين الجنوبي في مختلف المناسبات، ودعموا الفيلبين ودولاً أخرى من أجل اختلاق خلافات مع الصين.
وفي خلاصة لافتة، وتدلّ على الجهة التي تتهمها الصين بما يحصل في المنطقة، قالت الصحيفة إنه “لا يوجد أصلاً مشكلة حول حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، لكن أميركا تصر على تأكيد وجودها، حتى قام البنتاغون بإرسال حاملة طائرات وقاذفات قنابل وسفن حربية مزودة بصواريخ بالستية إلى المنطقة”.
إذاً، الصين حددت غريمها في هذه المواجهة، وهي تعرف أن ما يحصل في بحر الصين الجنوبي هو جزء من توجه الولايات المتحدة نحو المحيط الهادئ، من أجل خلق العداوات وفتح الجبهات، بما يؤدي إلى محاصرة الصين، بغير اليد الأميركية، ويربك القيادة الصينية، ويخفف من قدراتها في المواجهة الخفيّة القائمة بين واشنطن وبكين.
فهل ستسمح القيادة الصينية للإدارة الأميركية بتحقيق أهدافها؟ وهل ستنحني أمام هذه العاصفة التي أثارتها الهيئة الدولية في قضية جزر بحر الصين الجنوبي؟
يبدو أن الرد الصيني الأقوى على هذا الوضع المستجد جاء من رأس الهرم، أي من الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي قال مباشرةً بعد صدور بيان الهيئة الدولية: “جزر بحر الصين الجنوبي أراضٍ صينية منذ العصور القديمة، وسيادة الأراضي الصينية ومصالحها البحرية في بحر الصين الجنوبي لن تتأثر بالحكم تحت أي ظروف”.
إن عبارة “تحت أي ظروف” هي عبارة “حمّالة أوجه”، وفيها من التلميح المكثّف أكثر مما فيها من التصريح، وعلى الدول المنخرطة في “مؤامرة” محاصرة الصين من بوابة البحر الجنوبي أن تعلم أن هذه المؤامرة لا يمكن أن تمرّ بلا عقاب.
من المعروف ان “الدمى” هي أول من تدفع الثمن في المواجهة بين الجبابرة، ولكن هذا لا يعني أن الدول الكبرى لن تكون في وارد تحمل تبعات ثقيلة نتيجة تحريضها ودسائسها ومحاولاتها تطويق الصين والحدّ من اندفاعتها نحو موقعها الطبيعي على مستوى العالم.