مقالة خاصة: الصين تشن حربا على الفقر بقيادة الرئيس شي
بالنسبة لمحافظة صغيرة وفقيرة مثل فوبينغ في مقاطعة خبى بشمال الصين، تعد جولة تفقدية قام به الرئيس شي جين بينغ في أواخر عام 2012 تغيرا كبيرا.
ويقول تانغ رونغ بين المزارع البالغ من العمر 72 عاما المقيم بقرية لوتوتشوانغ في فوبينغ مستحضرا ذكريات زيارة شي “كان يوما باردا وقارس البرودة وتساقط الثلوج في كل مكان إلا أن ذكرى ذلك اليوم مازالت تضطرم داخلي كل يوم”.
وصل شي، الذي كان قد عين حديثا أمينا عاما للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، مع مواد الإغاثة مثل زيت الطبخ والدقيق والألحفة والمعاطف الشتوية التي قبلها القرويون بسرور.
لكن تانغ قال إن زيارة شى كانت تتعلق بالإيمان أكثر مما تتعلق بالإعانة.
وأضاف تانغ “زارني شي في منزلي وجلس وتحدثنا كأننا جاران”.
وتابع “قال إننا قادرون على تحويل التراب إلى ذهب طالما لدينا الثقة”.
وقد ظلت فوبينغ، التي تبعد عن بكين حوالي 3 ساعات بالسيارة، معزولة اقتصاديا لسنوات. وبينما كانت بقية البلاد تسرع على طريق الثراء خلال حوالي أربعة عقود من الإصلاحات الاقتصادية والنمو السريع، كانت الحياة في فوبينغ مازالت راكدة في معظمها.
وتطبق البلاد خطة وطنية للقضاء على الفقر منذ عام 1994. وفى فترة ما ، كان 2 من كل 5 من سكان فوبينغ يعيشون تحت خط الفقر أي يصل دخلهم السنوي إلى 2300 يوان (زهاء 354 دولارا أمريكيا).
وفي عام 2012، بلغ نصيب الفرد من الدخل في قرية لوتوتشوانغ أقل من ألف يوان. بينما بلغ نصيب الفرد من سكان الريف بأنحاء أخرى من البلاد أكثر من ذلك بسبع مرات .
وإلى اليوم، يعيش نحو 30 بالمئة من سكان المحافظة البالغ عددهم 200 الف شخص بأقل من دولار واحد يوميا.
غير ان زيارة شي في 2012 أعطت أملا بإيجاد طريق للخروج من دائرة الفقر حيث تدفقت الأموال على المحافظة بعد زيارة الرئيس.
وتم تخصيص نحو 300 مليون يوان لدعم جهود القضاء على الفقر في فوبينغ خلال عام 2013 وحده أي ما يماثل 1.5 ضعف ما كانت تحصل عليه المحافظة خلال العقدين الماضيين.
ويبدو أن تدفق الأموال على المحافظة كان له مفعول السحر. فبحلول 2015، تضاعف نصيب الفرد من الدخل في لوتوتشوانغ 3 مرات مقارنة بمستويات 2012 ليصل الى 3 آلاف يوان تقريبا.
وقال تشانغ فنغ تشونغ رئيس قرية لوتوتشوانغ إن “هدفنا رفع كل الأهالي فوق خطر الفقر بحلول 2017″.
وقال تشانغ لوكالة انباء ((شينخوا))، مستعيدا ذكرى الزيارة، إن المسؤولين المحليين كانوا قلقين الى حد كبير من زيارة شي الى لوتوتشوانغ.
وكان لي نينغ تاي أمين لجنة الحزب الشيوعي في فوبينغ واحدا منهم، ويقول مستحضرا ذكرى زيارة شي”كنا قلقين بشأن ما إذا كان الأمين العام سيكون غير راض عن جهود القضاء على الفقر؟”
إلا أن لي قال إن شي أصر على زيارة أفقر مناطق خبى في أولى زياراته التفقدية المحلية كزعيم للحزب.
وأضاف لي أنه “أراد رؤية الواقع كما هو”.
ولم تكن زيارة شي لقرية لوتوتشوانغ الأولى التي يواجه فيها الفقر مباشرة.
ففى كلمته أمام المنتدى العالمي لتقليل الفقر والتنمية في بكين في اكتوبر الماضي، تحدث شي عن السنوات السبع التي عمل فيها بالزراعة في مقاطعة شنشي بشمال الصين في اواخر الستينيات من القرن الماضي .وقال ان رؤية الفقر الريفي مباشرة “غمرته بالحزن”.
وأضاف “عملت مع رفاقي القرويين باجتهاد شديد. حتى ان تطوير حياتنا قليلا بدا مستحيلا تقريبا في ذلك الوقت”.
وتابع “خلال الأعوام الأربعين الماضية أو مايزيد، عملت في وظائف بمحافظات ومدن ومقاطعات وفي الحكومة المركزية ايضا وكان القضاء على الفقر جزءا مهما دائما في عملي، الجزء الذي أفنيت فيه معظم وقتي”.
وبالفعل كان القضاء على الفقر أولوية فى السياسات لعقود.
فقد رفعت الصين 439 مليون نسمة من الفقر بين 1990 و2011.
ولكن مع تولي شي زمام القيادة، فإنه منح المزيد من الجدية لتلك الجهود.
فالصين تناضل لتصبح “شياوكانغ” أو مجتمع رغيد الحياة باعتدال في كافة مناحي الحياة بحلول 2020 أو قبل الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني.
ومن بين الأهداف التأكد من خروج أولئك الذين مازالوا تحت خط الفقر منه وأن يأخذوا مكانهم الصحيح كمواطنين في مجتمع رغيد الحياة مع بقية المواطنين.
ويقول شي “لا يجب أن يترك أحد خلفنا”.
وحيث إن عشرات الملايين من الصينيين لايزالون يكافحون بأقل من دولار يوميا، فإن مهمة 2020 تبدو بدون شك رهيبة.
لكن تصميم شي على تخليص الصين من الفقر لا ينبغي التقليل منه.
فعلى مدار أربع سنوات على التوالي، زار شي في جولات العام القمري الجديد مناطق متخلفة تنمويا لتفقد أوضاع جهود تقليل الفقر.
وفي الحقيقة، إن جهود الاغاثة من الفقر سمة بارزة لكل جولات شي التفقدية المحلية تقريبا.
فقد زار شي الشهر الماضي منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي وهي منطقة أقل تقدما وتتركز بها نسبة عالية من الأقليات العرقية.
وقال شي خلال الجولة التي شهدت حديثه مع القرويين حول حياتهم وحث كوادر الحزب الشيوعي الصيني على اتخاذ زمام المبادرة في تقليل الفقر “لايزال هناك 50 مليون صيني يكافحون الفقر وبحلول 2020 يجب انتشال الجميع من الفقر. وذلك أكثر ما يشغل بالي حاليا”.
كما حث شي خلال مؤتمر وطني بشأن القضاء على الفقر في ينتشوان حاضرة منطقة نينغشيا، المناطق المتقدمة في شرق البلاد على مساعدة المناطق الشريكة في الغرب على مواجهة الفقر بشكل افضل.
ويقول وانغ سانغوي الأستاذ بجامعة الشعب إن زيارات شي المحلية ومنها زيارته الشهر الماضي لنينغشيا أكدت تصميم الحكومة على التركيز على المناطق الفقيرة والأقل تقدما.
وأضاف”بالنسبة لشي وللقيادة، فإن تقليل الفقر ليس قضية اقتصادية فحسب، وإنما سياسية أيضا مرتبطة بشكل وثيق برفاهية المواطنين وباستدامة الاستقرار في الصين”.
واتفق معه شو ياو تونغ الأستاذ بالأكاديمية الصينية للحوكمة الذي قال “إن شي مهتم أولا وقبل كل شىء بتوفير مجتمع رغيد الحياة بشكل شامل لكل المواطنين الصينيين”.
وقال شو “اذا شبهنا التنمية الصينية بدلو خشبي. فإن كمية المياه التي يمكن ان يحملها الدلو تحددها أقصر ألواحه الخشبية”، وأضاف أن الفقر أحد تلك الالواح القصيرة .
وتابع “لبناء مجتمع رغيد الحياة بشكل شامل، يجب أن تعالج البلاد تلك الألواح القصيرة والضعيفة”.
وبالإضافة للجولات التفقدية، أثار شي أيضا أكثر من مرة قضية القضاء على الفقر مع المشرعين الوطنيين خلال الدورات السنوية لأكبر جهاز تشريعي صيني التي تعقد في مارس من كل عام.
فقد قال شي لمشرعين من مقاطعة تشينغهاي في شمال غرب البلاد العام الجاري ان الاجراءات المستهدفة حققت تقدما وانه يجب التأكيد على دور التعليم لضمان عدم سقوط المواطنين في دائرة الفقر مجددا.
واضاف شي ان البنية الأساسية في المناطق العرقية ستتطور وستكون تنافسية وسيتم تشجيع الصناعات المحلية التي ستيسر التنمية الذاتية.
وفي الوقت ذاته، اشار وانغ الى أنه بينما كافحت الصين لتقليل الفقر بالداخل، فقد دعمت بنشاط الدول النامية الاخرى التي بدأت نفس الطريق.
كانت الصين من اوائل الدول النامية التي تحقق اهداف الالفية التنموية بتقليلها عدد الفقراء الى النصف قبل الموعد النهائي في 2015.
وخلال ال60 عاما الماضية، قدمت الصين مساعدات ل166 دولة ومنظمة دولية بقيمة 400 مليار يوان.
وأعفت بدون شروط قروضا حكومية واجبة الدفع بدون فائدة للدول النامية المثقلة بالديون، سبع مرات.
وتم وضع هدف القضاء على الفقر في 15 عاما خلال قمة الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي وتعهدت الصين بدفع مليارى دولار مبدئيا لإقامة صندوق لمساعدة الدول النامية على مكافحة الفقر.
كما تعهد شي خلال القمة أن تبذل بكين قصارى جهدها لجمع استثمارات للدول الأقل تقدما بما يصل إلى 12 مليار دولار بحلول 2030، وإعفاء الدول الأقل تقدما والدول النامية المحاطة باليابسة والدول الجزر الصغيرة من القروض الحكومية بدون فائدة.
ويقول وانغ ان التعهدات التي يصل حجمها الى عدة مليارات في شكل مساعدات واستثمارات واعفاءات من الديون للدول الاقل تقدما، ستساعد تلك الدول على تحقيق اهداف تقليل الفقر الرئيسية.
وفي الوقت ذاته، قدم التقدم الصيني في جهود مكافحة الفقر المساعدة ايضا للدول التي مازالت تعاني من فقر مدقع.
وفي كلمته الافتتاحية التي ألقاها أمام الحفل الافتتاحي لقمة منتدى التعاون الصيني الافريقي في ديسمبر الماضي، قال شي إن الصين ستقيم عددا من مراكز التعليم المهني الاقليمية والعديد من كليات بناء القدرات في افريقيا وستدرب 200 الف فني في دول القارة وستقدم للقارة 40 الف فرصة تدريب.
وقال وانغ مستخدما مثلا صينيا قديما” الصين لن تعطي سمكا للدول الافريقية وحسب وانما ستعملهم أيضا كيفية الصيد”.