هل تتدخل الصين عسكريًا في سوريا؟
تحولت سوريا على مدار 5 سنوات إلى ساحة حرب دولية مباشرة أو بالوكالة، وأضحت مساحة تصفية حسابات إقليمية، وزرع لنفوذ استراتيجي، بداية من التدخل الإيراني إلى جوار النظام السوري، ثم ما تبعه من تدخل روسي وأمريكي على اختلاف المآرب، ومؤخرًا دخلت تركيا إلى ساحة الحرب الميدانية بصورة مباشرة في معركة الشمال السوري.
ولا شك أن الإمبراطورية الصينية أحد أبرز داعمي نظام بشار الأسد منذ 5 سنوات سياسيًا ولوجستيًا، فقد كانت الصين بجوار روسيا في مجلس الأمن حائط صد دفاعي منيع عن الأسد، تحمل عنه إرادات دولية لولاه، لربما رأينا تدخلًا أمميًا في سوريا لإسقاط الأسد في مرحلة من المراحل.
ولكن السياسة الصينية المعروف عنها “المحافظة” فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، كانت تعتمد على الاصطفاف الناعم دائمًا مع انحيازاتها، وهو تقريبًا ما يحدث مع نظام الأسد، حيث فضلت الصين التعاون مع هذا النظام سياسيًا ولوجستيًا، دون الدعم العسكري المباشر كما في حالة روسيا على سبيل المثال.
وليس معنى هذا أن الصين لا تمتلك مصالحًا في الشرق الأوسط بصورته الفوضوية الحالية، بل على العكس تزداد يوميًا مصالح الصين في هذا الشرق المضطرب، لكنها تعتقد أن هذه “المحافظة” تمنعها من الانزلاق في دوامة الفوضى الشرق أوسطية التي صنعتها الدول الغربية التي تعتبر منافسًا لها في هذه المناطق.
هذه السياسة ربما كانت مقبولة في فترة سابقة، ولكن مع تغير أساليب المنافسين، واستراتيجيات اللعب بين المصالح المتنافرة، تجد الصين نفسها الآن بسياسة خارجية “أقرب إلى الضعف منها إلى القوة” على الرغم من احتلال الصين مرتبة عليا في تراتبية القوى العالمية على المستوى الاقتصادي والعسكري، بل غالى البعض ورشحها كقوة عظمى مستقبلية تحكم العالم.
تغير المشهد الجيوسياسي عالميًا سيفرض قواعد جديدة في التعامل بين القوى الكبرى، ولا شك أن الصين تتابع الأمر عن كثب، فالولايات المتحدة التي يتراجع الشرق الأوسط في سلم أولوياتها الخارجية، تتجه نحو وسط آسيا لحل نزاعاتها هناك مع التنين الصيني.
السياسة الصينية المعروف عنها “المحافظة” فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، كانت تعتمد على الاصطفاف الناعم دائمًا مع انحيازاتها
ومع هذا الانسحاب من الشرق الأوسط والاتجاه نحو منطقة بحر الصين ترى وجهة نظر أنه ربما تتخلى الصين عن سياستها التحفظية الخارجية، لصالح سياسية توسعية في المصالح أسوة بالولايات المتحدة الأمريكية التي ذهبت لملاقاتها على ملعبها ووسط جمهورها.
احتمالية تدخل الصين عسكريًا في سوريا
حسبما ذكرت وكالة سبوتنيك الروسية في وقت سابق من هذا الأسبوع، قام مدير مكتب التعاون العسكري الدولي في اللجنة العسكرية المركزية الصينية بزيارة لدمشق بهدف مناقشة توثيق العلاقات بين سوريا والصين.
وخلال الزيارة التقى جوان يو في نظيره وزير الدفاع السوري فهد الفريج، حيث قال جوان إن الجيشين الصيني والسوري تربطهما صداقة قوية.
كما أضاف جوان أن الجيش الصيني على استعداد للحفاظ على تعزيز التبادلات وسبل التعاون مع الجيش السوري.
وقالت وكالة “سبوتنيك”: إن الصين تبنت قانون يُجيز للقوات المسلحة إجراء عمليات مكافحة الإرهاب في الخارج، وهو الأمر الذي يجعل العديد يتوقع أن تكون هناك احتمالية تدخل الجيش الصيني في سوريا، بمعنى أنه أمر غير مستبعد.
وقد نقلت الوكالة أيضًا عن فاسيلي كاشين كبير الباحثين في معهد دراسات الشرق الأقصى في روسيا، إن تدريب الموظفين قد يعني تدريب الكوادر الفنية للجيش السوري في الصين.
وأضاف: “كانت مساعدات الصين لسوريا في السابق تتمثل في المساعدات العسكرية كالمدرعات والأسلحة، والآن يمكن للصين أن تبدأ بتدريب أفراد الجيش السوري، كما قال “أعتقد أن مشاركة الصين في سوريا قد تكون الخطوة القادمة”.
وأوضح كاشين أن هناك عدة مستويات من مصلحة الصين بشأن الوضع في سوريا، فبكين لديها علاقات غير قوية في الشرق الأوسط في الإطار السياسي، ما عدا إيران والتي تُعد شريكًا قويًا للصين.
تغير المشهد الجيوسياسي عالميًا سيفرض قواعد جديدة في التعامل بين القوى الكبرى، ولا شك أن الصين تتابع الأمر عن كثب
وقد أوردت صحيفة “أيرش تايمز” نفس الفرضية المتحدثة عن احتمالية تطور الدعم العسكري الصيني لنظام الأسد، إلى ما هو أبعد من التدريب.
مراجعة صينية لسياستها في الشرق الأوسط
جدير بالذكر أنه في وقت سابق من العام تحدثت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في مقال رأي للكاتب والخبير السياسي الفرنسي جون برنارد بيناتيل، عن احتمالية مراجعة الصين لسياساتها في الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
فالبرغم من كون الصين تعتبر القوة العسكرية والسياسية الأبرز من بين الدول الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن، كانت الدولة الوحيدة التي تغيبت عن الحرب ضد تنظيم الدولة، ونأت بنفسها نسبيًا عن سياسة التحالفات التي تعتمدها روسيا والولايات المتحدة في سوريا والعراق.
كما أن التطورات التي شهدتها الحرب ضد تنظيم الدولة في الأشهر الأخيرة يمكن أن تكون عاملًا حاسمًا في دفع المسؤولين الصينيين إلى مراجعة سياساتهم تجاه ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعدما أعلن تنظيم الدولة في سبتمبر من العام الماضي عن إعدام الرهينة الصيني فان جينغهوي، في سوريا، ثم مقتل ثلاثة مواطنين صينيين فيما بعد ذلك في الهجوم على فندق راديسون في العاصمة المالية باماكو.
يتوقع أن أي تغيير في سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط وبالتحديد تجاه سوريا سيكون له إطار توازني معين
واعتبر بيناتيل أن تنظيم الدولة قدّم للصين أسبابًا كافية لإعادة التفكير في موقفها من التدخل العسكري في سوريا والعراق، لكن بكين لازالت مترددة في تحديد طبيعة هذا التدخل، نظرًا لدوره الكبير في التأثير على صراع التحالفات والتوازنات بين روسيا والولايات المتحدة في المنطقة.
وأضاف الكاتب أن تدخل الصين في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا يمكن أن يقلب لوحده ملامح المعادلة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط لصالح القطبين الروسي أو الأمريكي، كما يمكن أن يؤسس لمقاربة ثالثة تعتمد فيها بكين على التقارب في وجهات النظر مع بعض الدول العربية.
موقف الصين الملتزم للحياد الحذر في المنطقة قد يتغير بمنطق تصفية الحسابات، حيث رأى ذلك الباحث يزيد الصائغ في تحليله للموقف الصيني من سوريا، إذ يرى أن موقفها الحالي يعكس انزعاجها المتزايد مما تعتبره سياسة أمريكية هدفها سد الطريق أمام وصولها إلى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. ولذلك، سيصبح من الأصعب أكثر فأكثر البقاء على الحياد في ظل تدهور الوضع في سوريا.
فالولايات المتحدة التي اعتمدت على مراجعة دفاعية تحول تركيز القوات المسلحة الأمريكية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تعمق الاعتقاد بقيام سياسة جديدة مناهضة للصين، فكانت النتيجة معارضة الصين الصريحة لاقتراح الولايات المتحدة فرض حظر على استيراد النفط الإيراني وقتها، وهو ما يعني أن الصين مدركة لما تسعى إليه الولايات المتحدة في وقت مبكر، وقد يكون الرد عليه قريبًا في الشرق الأوسط.
ولكن في النهاية هذا الرد الصيني المتوقع في سوريا على سبيل المثال، لن يكون اندفاعيًا كما يروج البعض، فليست هناك دلائل ملموسة حتى الآن على وجود تدخل عسكري صيني في سوريا بشكل مباشر، لكن الأمر لا يعدو استقراءات.
وإنما يتوقع أن أي تغيير في سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط وبالتحديد تجاه سوريا سيكون له إطار توازني معين، وهو بالتأكيد سيعمد على عدم خسارة دول الخليج في اندفاع باتجاه سوريا، وكذلك المنافسة مع الغرب في الشرق الأوسط لا بد وألا يكون لها عواقبها الاقتصادية، وإنما ستكتفي الصين بورقة ضغط أمام الغرب لتحصين نفسها في مناطق أخرى يزداد الضغط عليها هناك.