الشركات الأميركية… إلى الغرب الصيني
صحيفة الاتحاد الاماراتية:
بدأت شركات أميركية تتطلع بشكل متزايد إلى المناطق النائية الواقعة غرب الصين باعتبارها مصدراً للنمو والأرباح، حيث بدأت شركات مثل “فورد” و”وول مارت” وغيرهما تخطط للاستثمار والتوسع بشكل كبير في مدن مثل تشونجكينج مترامية الأطراف التي يبلغ عدد سكانها 32 مليون نسمة.
فمع حالة الإشباع التي باتت تميز مدن الساحل الشرقي الغنية، مثل شنغهاي، وارتفاع الأسعار فيها، وتزايد المخاوف بشأن “فقاعة” عقارية، بدأت العديد من الشركات ترى إمكانيات في ما يسمى مدن الدرجة الثانية والدرجة الثالثة مثل هذه المدينة الواقعة على نهر يانجتز سي. صحيح أن ارتفاع المداخيل بدأ يخلق طبقة استهلاكية جديدة، لكن المنطقة مازالت متأخرة عن المدن الساحلية من حيث عدد السيارات، والتجهيزات، والعلامات التجارية الفاخرة، ومبيعات الوجبات السريعة الغربية. وفي هذا السياق، يقول جوزيف هينريتش، رئيس ومدير فرع “فورد” في الصين: “إن النمو موجود في مدن الدرجة الثانية والثالثة التي تقع داخل البلاد بعيداً عن الساحل، لأن القواعد الأساسية للطلب والنمو الاقتصادي متوفرة هناك”. وبعد أن أشار إلى أماكن مثل ووهان وتشينجدو وتشونجكينج، أضاف هينريتش يقول: “هناك العديد من المدن، ولكن الناس لا يعرفون ذلك”.
ومن جانبه، يقول إيد تشان، رئيس ومدير فرع “وول مارت” في الصين خلال مؤتمر عقد مؤخراً في تشونجكينج، إن شركته تخطط “لبناء فرع لبيع التجزئة في هذا الجزء من الصين”.
والجدير بالذكر هنا أن أرقاما مركزية ورسمية حول الشركات الأميركية والأجنبية التي تستثمر في غرب الصين غير متوفرة، لاسيما أن بعض الخطوات مازالت في مراحل التخطيط. ففي إقليم سيشوان، على سبيل المثال، هناك 1171 شركة أميركية مسجلة، إلا أنه لا تتوفر أرقام حول حجمها أو ما إن كانت عبارة عن مشاريع مشتركة مع شركات صينية.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أنه عندما أصدرت غرفة التجارة الأميركية في الصين تقريرها السنوي حول مناخ الاستثمار في الصين هذا العام، قامت لأول مرة بإدراج مقاطع منفصلة حول “بيئة الاستثمار في تشونجكينج وتشينجدو… الفرص والتحديات”. ومما جاء في التقرير أنه “بينما يواصل الاقتصاد الصيني المزدهر لفت الانتباه العالمي، فإن عدداً متزايداً من الشركات بدأت تنقل عملياتها إلى الجنوب الغربي الصيني حيث تجد هناك بيئة استثمارية تتميز بدينامية متزايدة”. لكنه أضاف أن نمو المنطقة يصطدم بعراقيل مثل نقص البنى التحتية، ومن ذلك المدارس الدولية ونقص العمالة الماهرة محلياً”.
وتعمل الحكومة المركزية في بكين منذ سنوات على تقديم غرب الصين باعتباره مكاناً صالحاً ومواتيا للاستثمار، حيث تقوم بالترويج لما تتمتع به المنطقة من موارد طبيعية كثيرة، وتجمعات سكنية ضخمة، وشبكة متزايدة من المطارات والطرق السريعة الجديدة والحديثة. ويُعرّف الغرب هنا باعتباره الأقاليم والمناطق التي تبدأ بتشونجكينج وتشينجدو وتمتد إلى كزينجيانج والتبت.
ويعد تشجيع الاستثمار في المناطق الداخلية للبلاد طريقة لخلق فرص العمل -وبالتالي تخفيف التوترات الاجتماعية- في منطقة لطالما شعرت بأنها مهملة ومهمشة في وقت كانت تتمتع فيه المدن الساحلية الأغنى للصين والعاصمة بكين بثلاثة عقود من النمو الاقتصادي الكبير والمتواصل. ويبدو أن الجهود الحكومية قد آتت أكلها في هذا الصدد، حيث ارتفعت الاستثمارات الأجنبية في غرب الصين بـ55.8 في المئة خلال الأربعة أشهر الأولى من هذا العام، مقارنة مع قرابة 23 في المئة في الشرق، حسب إحصائيات وزارة التجارة الصينية.
وتشكل “فورد” مثالاً للشركات التي أخذت تتوسع غرباً. فهذه الشركة متأخرة عن شركات صناعة السيارات الأجنبية التي جاءت إلى الصين في وقت مبكر ولا تبيع سوى خمس ماركات فقط، لتحصل بذلك على 2.6 في المئة من سوق المركبات. غير أنها رفقة شريكها التجاري المحلي “تشانجان فورد مازدا أوتوموبايل”، تملك “مصنعين في تشونجكينج وتعتزم إنشاء ثلاثة مصانع أخرى، ومن ذلك مصنع حديث ومتطور لصناعة المحركات تم إعطاء انطلاقة أشغاله في يونيو الماضي.
وقد أتت “فورد” إلى غرب الصين بمخططات طموحة وكبيرة، حيث تعتزم طرح 15 مركبة جديدة مصممة خصيصاً للسوق الصينية خلال الأعوام المقبلة. ومن المتوقع أن تكون العديد من هذه المركبات أصغر حجماً وأرخص ثمناً، إذ صممت خصيصاً لتلبية احتياجات المستهلكين في هذا الجزء من الصين، والذين بدأوا للتو يتذوقون ثمار الثروة الجديدة ويتطلعون لشراء سياراتهم الأولى.
ويعترف هينريتش بأن “الأمر لا يخلو من مشاكل”، لكنه يتوقع استمرار طفرة سوق السيارات الصينية. صحيح أن مدناً مثل بكين وشنغهاي وغيرها باتت تشعر ربما كما لو أنها قد باتت مختنقة بالسيارات؛ غير أنه على الصعيد الوطني مازال معدل ملكية السيارات منخفضاً نسبياً، كما يقول، حيث يملك 45 شخصاً فقط من أصل كل 1000 شخص في سن القيادة سيارة خاصة بهم، في حين أن المعدل في الولايات المتحدة هو “سيارة لكل شخص” تقريباً. هذا مع العلم أن معظم الأشخاص الذين لا يملكون سيارة في الصين يعيشون في غرب البلاد.
ويقول هينريتش: “ما من شك في أنه بنهاية هذا العقد سيصل مليار شخص في الصين إلى النقطة حيث سيصبح باستطاعتهم فيها شراء سيارة وسيكونون في سن القيادة”.