قمّة ال20 ودبلوماسيّة إقتصاد السّلام الشّامل بألوان صينية
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مَروان سُوداح*:
لعل أبرز مايَلفت إنتباه المراقبين والخبراء والمتابعين لشؤون السلام والحروب في العالم، هو تأكيد الصين لأهمية اقتصاد السلام العالمي، وتبنّي مقوّماته وإرساء أسسه، فمحاولة السير خطوة في إثر خطوة في سبيل تفعيل فكرة تحويل الانتاج الحربي في العالم الى إنتاج سلمي، رغبة بتلبية المتطلبات المتنامية للبشرية في البناء والإعمار ونشر البسمة على شفاه الناس ومنحهم ثقة بمستقبلهم الآمن و التمتع بالعدالتين الاقتصادية والطبقية.
لقد لفتت إنتباهي بشدة الأعمال المُتسارعة التي تتبناها الصين لإرساء إقتصاد السلام لكونها تشغل مكانة الاقتصاد الاول في العالم. فبرغم ان الصين لا تتحدث مباشرة – كما أعتقد – عن هذه الموضوعة، لكني أرى بأن كل ما تبذله بيجين وقيادة الحزب الشيوعي الباني والحكومة الصينية بخاصة في عهد الأمين العام والرئيس شي جين بينغ من جهود اقتصادية وتجارية وإنسانية، وماتقدّمه من مشاريع على شاكلة مُبادرة الحزام والطريق، تصب جميعها في صالح إقتصاد السلام الشامل، ولأجل تهميش إقتصاد الحروب والعدوان وتقتيل البشرية الذي هو اقتصاد عدواني إتّسمت به إقتصادات غالبية دول العالم الصناعي، منذ تحوّل المَشاعيات البدائية الى مجتمعات طبقية مُتناحرة في سبيل السلطة والقوة السلعية والنفوذ المالي.
وفي انعقاد قمة العشرين في مدينة هانغتشو الصينية، بوصف دولة الصين رئيسة القمة هذا العام، أهمية كبيرة وعلامة بارزة تدل على رغبة الصين في بناء اقتصاد السلام الشامل، والتنسيق مع الحُلفاء والاصدقاء المُمّثَّلين في القمة، في سبيل تطبيق هذه الفكرة، سوياً وبجهود جماعية، وبتوظيفات مالية كبرى، وتستطيع الصين بملآتها المالية إقناع ذوي الإرادة الطيبة بالسير في هذا الطريق غير الوعر، الذي يُمكنه ان يُكسبها شهرة أخلاقية وثقة سياسية عالمية وتعاطفاً من جانب الامم، وبالتالي ستشهد اقتصاداتها المتعاونة مع الصين وحلفائها إتّساعاً في توظيفاتها على صعيد كوني.
ويَكتسب اقتصاد السلام الشامل – الذي يتم إرساؤه بالتدريج صينياً وروسياً – كما أرغب بوصفه في هذه اللحظة الحاسمة بالذات في تاريخ البشرية التي تخوض حروباً طاحنة تطيح برؤوس مئات الالاف من الناس – أهمية وشمولية بفضل القيادية الاقتصادية الصينية البعيدة البَصيرة، وقبول العالم للسياسة الصينية الوسطية، ولتطبيق الصين نهجاً عادلاً حِيال الدول الثالثية بخاصة الفقيرة منها، جُلّه تصدير التكنولوجيات الصينية إليها بدون عوائق، في حين تعمل الدول الاستعمارية وتلك الامبريالية والميغا إمبريالية على منع تلك الدول من الحصول على أية تكنولوجيات، رغبة بالابقاء عليها حدائق خلفية للولايات المتحدة ولمجموعة الدول الصناعية المتطورة في غرب اوروبا.
تمثل مجموعة ال20 نحو85 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و 80بالمئة من التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، وبذلك يكون منتداها المنعقد بالصين هو الأكثر تمثيلاً للشعوب وطبقاتها، وبالتالي تتسم قراراته بالشرعية، بخاصة تلكم الاهداف الصينية المندغمة مع حلفاء بيجين ومنهم روسيا، لتنشيط حِراكات المجموعة في سبيل توثيق التعاون الاقتصادي والمالي العميقين بين جميع عواصم العالم بدون استثناء.
بالطبع، ستجد بعض الدول صعوبة بالغة بتطبيق اقتصاد السلام الشامل، و/أو التحويل الاقتصادي الجذري، بسبب بُنية اقتصاداتها والقواعد الحربية لتلك الاقتصادات التي تديرها من وراء الستار عائلات محددة وطُغم مالية – حربية نافذة، تتحكم بالكثير من قواعد النظام الاقتصادي العالمي. فهذه تسيطر على 80-85 بالمئة من إقتصاد المَجمع الصناعي العسكري الامريكي؛ لذا ندرك أبعاد رغبة واشنطن وحلفائها بإنعاش اقتصاداتهم من خلال إدامة الحروب العبثية في “الشرق الاوسط” على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، حتى تتمكن من اللحاق بالاقتصاد الصيني السلمي، الذي انتشر في كل العالم بنجاحات مشاريعه الاقتصادية العملاقة، وأكد بها نجاعة اقتصاد السلام الشامل وتوجّهاته وجماهيريته وتأييد الامم له.
وتأكيداً على تلكم التوجهات الصينية وتعاطف الشعوب معها، نقرأ في تصريحات وزير الخارجية الصيني وانغ يى – الذي أكد أكثر من مرة – أن هذه القمة ليست للصين وحدها بل أنها ستكون مُكرّسة للدول النامية أيضاً التي توصّلت من خلال منظماتها الاقليمة والقارية الى أهمية العمل على البناء الاقتصادي الحقيقي، السلمي جوهراً (ملاحظة كاتب المقالة)، لذلك فإن الصين ستدفع بشكل أساسي من خلال هذه القمة لبناء اقتصاد عالمي مفتوح، ومحاولة ردم الفجوة التنموية بين دول العالم بجَسرِ التوافق على عدد من السياسات الرامية لإصلاح الهيكل المالي الدولي، وإقامة تعاون لمكافحة الفساد، وإطلاق مبادرة تعاونية لدعم التصنيع في البلدان الأفريقية والدول الأقل نمواً، بجانب تعزيز السريان المبكر لإتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ.
وفي سبيل تفعيل وتطبيق الهدف النبيل، ترى الصين أن مجموعة ال20 يجب أن تدافع عن اقتصاد عالمي منفتح، وتحافظ على نظام تجارة ثنائي ومتعدد الأطراف، وتزيد من حيوية التجارة والاستثمار العالميين لإحياء هذين المُحرّكين لخدمة الدول الصناعية والنامية معاً، وفي الوقت نفسه فإن مجموعة ال20 تتوسل إلى جهود جماعية لمنح الدول النامية المزيد من قوة التعبير والمكانة بهدف تعزيز الاقتصاد العالمي بدماء جديدة.
الإضافات:
ـ شبكة الصين؛
.CRIموقع القسم العربي لإذاعة الصين الدولية–
…………………………
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين