الدور التركي في قمة العشرين في الصين
انتهت قمة مجموعة دول العشرين الكبرى اقتصاديا في الصين بتجاهل للقضايا السياسية الكبرى في العالم، وفي مقدمتها قضايا العالم الإسلامي، وحروبه المشتعلة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، رغم أنها قضايا ساخنة وتنزف الدماء الغزيرة منذ خمس سنوات على أقل تقدير، فقد ركز البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين التي اختتمت أعمالها يوم 5/9/2016 في مدينة هانجتشو الصينية، على تنشيط التجارة الدولية والتنمية، والقضاء على الفقر، وتحقيق تنمية عالمية مستدامة وشاملة، والابتكار في النمو الاقتصادي، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وخلق فرص عمل جديدة.
بينما الجانب السياسي تمت الإشارة إليه في البيان الختامي للقمة على ضرورة محاربة الإرهاب بجميع أشكاله، دون الإشارة إلى معاناة شعوب هذه الدول التي هي ضحية الإرهاب الدولي قبل أن تكون ضحية التنظيمات والأحزاب الإرهابية، فالقصف الروسي للمدنيين بحلب وقتله للأطفال وتهديمه للبيوت على سكانها المدنيين أشد قسوة وإجراما وإرهابًا من إرهاب التنظيمات الإرهابية نفسها، سواء كانت من تنظيم داعش أو حزب العمال الكردستاني وميليشياته، أو إرهاب الأحزاب الطائفية مثل حزب الله اللبناني، وأنصار الله الحوثيين في اليمن، فهذه الأحزاب تمارس الإرهاب الطائفي بدعم دولي ممثلًا بالدعم الإيراني لهذه الأحزاب ذات الهوية الطائفية، بهدف فرض واقع جديد في المنطقة يهدد الأمن والاستقرار، ويحول دون نجاح المشاريع الاقتصادية في البلاد العربية والشرق الأوسط، التي من المفترض أن دول العشرين تسعى لتنميتها، بينما الإرهاب الدولي يزيد من معاناتها، ويزيد من نسبة الفقر فيها أيضا.
إن البحث عن حلول اقتصادية تساعد شعوب العالم على تجاوز معاناته في التنمية، لا يمكن أن ينجح ما لم يتم معالجة المشاكل الأمنية أولًا، وردع الدول التي تساعد على نشر الإرهاب ثانيًا، سواء بصورته الإيجابية أو السلبية، أي سواء كانت صانعة له بداية، لأهداف تصدير ثورتها، أو كردة فعل لدى شعوب أخرى وهي تدافع عن نفسها ضد الإرهاب الطائفي.
لقد كان من الخطورة والخزي أن يعلن زعيما أكبر دولتين في قمة مجموعة العشرين وهما الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن فشلهما بالتوصل إلى وقف إطلاق النار في حلب أو حل سياسي في سوريا، وكان كل طرف منهما يحمل الطرف الآخر المسؤولية عن ذلك الفشل، دون إحساس منهما بالضحايا التي تسقط كل يوم، وكأنهم ليسوا كائنات بشرية، وليست لهم حقوق إنسانية.
هذه المواقف غير مفهومة من قمة مجموعة العشرين، فكيف لا تنظر إلى مآسي الشعوب: السوري واليمني والعراقي والليبي، وكلها شعوب متضررة من تدخل الدول الكبرى في شؤونها، وكأن الخسائر البشرية فيها لا تعني أكبر تجمع اقتصادي دولي في هذه القمة، وأي مساعدة اقتصادية يمكن أن تقدم للدول الفقيرة والنامية في المستقبل، وهذه القمة لا تنظر في مصائب هذه الدول والشعوب!
لقد كان من واجب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يعالج هذا التغافل الغربي والعالمي، وهو ما حاوله في اللقاءات الجانبية مع الرؤساء في القمة، وكذلك في مؤتمره الصحفي عقب القمة، فقد ذكر المجتمعين بهذه المآسي الإنسانية، ليس في داخل هذه الدول العربية والإسلامية المبتلاة بهذه التدخلات الخارجية، وإنما في دول اللجوء والهجرة والتشرد في البحار والحدود الدولية، وفي دول الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، فقد أنكر الرئيس التركي على هؤلاء الزعماء نفاقهم في هذه المؤتمرات بادعاء المساعدات الإنسانية، بينما الواقع يقول بخلاف ذلك، فقال لهم: “إن منظور الغرب تجاه أزمة اللاجئين، مبني على أساس أمني وعنصري”، وإنه “موقف مخجل بالنسبة للإنسانية”، ومبديًا استغرابه من “إغلاق الدول حدودها بوجه اللاجئين بدلًا من استقبالهم”.
لقد ذكر الرئيس التركي الحاضرين في قمة العشرين: ” أن عدد القتلى في سوريا تجاوز 600 ألف قتيل”، فماذا تنتظر مجموعة الدول العشرين فعله لإيقاف هذا القتل، كما ندد أردوغان بموقف بعض الدول التي لا تزال تراهن على بقاء الأسد في السلطة بعد قتله لهذا العدد الكبير من الشعب السوري، واعتبر هذا الموقف المدافع عن الأسد بأنه: “مدعاة للخجل”، فكيف تقبل دول تدعي الإنسانية، بالدفاع عن قاتل لهذا العدد الكبير، إلا إذا كانت هذه الأرواح البشرية المهدرة رخيصة في نظرها.
هذه الكلمات قالها أردوغان لقمة العشرين السنة الماضية عندما انعقدت في مدينة أنطاليا التركية، وهو ما ذكره أردوغان في مؤتمره الصحفي في الصين قائلًا لقد: “أخبرناهم خلال قمة العشرين الماضية أن بإمكاننا حلّ مسألة اللاجئين السوريين عبر إقامة منطقة آمنة داخل بلادهم بطول 95 كم، وبعمق 40 كم، وإسكان اللاجئين فيها، وخلال القمة الحالية أخبرنا أصدقاءنا الموضوع ذاته”، ولكن لم يسمع أردوغان أجوبة مقنعة حول المنطقة الآمنة، حيث وعد أوباما وبوتين بدراسة هذا المقترح، الذي أصبح قابلًا للتنفيذ بعد التدخل العسكري التركي في الأراضي السورية لمساعدة الشعب السوري والجيش السوري الحر على تحرير مدنه وقراه وأريافه من الاحتلال الإرهابي، سواء كان من داعش أو من ميليشيات حزب العمال الكردستاني، وبالأخص أن الأدلة واضحة على أن كلا الاحتلالين تابع للمشاريع الخارجية التي تعمل لتقسيم سوريا.
لقد جدّد الرئيس التركي التأكيد على: “أن تركيا ستواصل استضافة القادمين من العراق وسوريا دون تمييز بينهم، سواء تلقت الدعم من الخارج أو لم تتلق”، لأن استضافتها للاجئين هو لأسباب إنسانية فقط، وليس متاجرة ولا استغلالًا، بل وحماية لهم من أن يكونوا ضحايا سرقة وابتزاز على الأراضي الأوروبية وغيرها، ومؤكدا: “إلا أنه لا يمكن حل أزمة اللاجئين بشكل دائم، دون النزول إلى جذور المشكلة، المتمثلة بحل أزمات المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية”.
إن مطالبة تركيا مرة أخرى بتبني المجتمع الدولي لمبدأ المنطقة الآمنة هو تحد لهذه القمة وما تمثله من دعوة لتقديم مساعدات إنسانية للبشرية، فإن كانت صادقة فالأولى تقديم هذه المساعدة للمحتاجين إليها بصورة مستعجلة، مثل ملايين السوريين الذين تشردوا في كل دول العالم، وتركيا التي استضافت 3 ملايين سوري وعراقي على أراضيها، وأنفقت على اللاجئين 12 مليار دولار أمريكي بصورة رسمية، ومبالغ مثلها من الجمعيات الخيرية والإنسانية بما مجموعه 25 مليار دولار، ولكنها تنتظر إلى أن تكون المساعدة للشعب السوري على أرضه في مدنه وقراه شمال سوريا، وبالأخص أن هناك نوعا من التوافق الدولي على تحرير هذه المنطقة وتسليمها للجيش السوري الحر، واستعداد الدولة التركية لحمايتها من المنظمات الإرهابية، فهل تستجيب أمريكا وروسيا لهذا المطلب التركي الإنساني؟ وهل تستجيب فرنسا وألمانيا وإيطاليا لهذا المطلب التركي وقد خصها الرئيس أردوغان بقمة رباعية في مدينة هانجتشو الصينية أثناء احتضانها فعاليات قمة مجموعة العشرين لنفس الغرض أيضًا؟