موقع الصين بعيون عربية ـ
باسم محمد حسين*:
في جلسات حديث مع بعض الأصدقاء سألتهم ، ماذا لو أبرم العراق اتفاقية استراتيجية في عدد من المجالات الحياتية مع الصين بدلاً من أميركا ؟ والحقيقة لم أحصل على اجابات وافية تقنعني بغير ذلك . الصين دولة كبرى وكيان قديم له حضارات متميزة عبر العصور وهي ثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية بناتج اجمال تقريبي 8.8 تريليون دولار أميركي عام (2009) ويعتبر الاقتصاد الصيني أسرع اقتصاد متنامي في العالم بمعدل نمو سنوي تجاوز الـ 10% . بدأت الصين بالنهوض السريع بعد عام 1949 .
ولغاية 1978 كانت تطبق النظام الاشتراكي الماركسي حيث انتقلت من دولة فقيرة شبه اقطاعية وشبه مستعمرة الى دولة اشتراكية ذات نظام اقتصادي وطني كامل ومستقل . وبعد عام 1978 وبموجب الاصلاحات تحولت الصين الى ما يسمى بـ اقتصاد السوق الاشتراكي تدريجياً ولغاية عام 1992 حين اقترح الحزب الشيوعي الصيني (وهو الحزب الوحيد والحاكم) فكرة اصلاح النظام الاقتصادي بغية بناء نظام اقتصاد السوق الاشتراكي الخاص بهم بالشكل الذي يُمَكِّنهم من التطور الأسرع ، بعدها تخلص الناس من قيود المفاهيم السابقة التي كانت توحي بأن نظام الاقتصاد المخطط هو الاشتراكية بعينها بينما نظام اقتصاد السوق هو الرأسمالية .
والحقيقة ان نظام السوق الاشتراكي مرتبط الى حدٍ كبير بالنظام الأساسي للاشتراكية العلمية. الصين لم تشارك الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية سباقاتهما المحمومة في مجالات الفضاء وصناعة المركبات الفضائية وإرسالها بعيداً نحو الفضاء الخارجي وتحميلها بالحيوانات المدربة ثم البشر والوصول الى الكواكب الأخرى . كما لم تشارك بسباق التسلح النووي مثلما في تلكما الدولتين ، ولم تغدق الأموال على الدول التي تسير في ركابها أو المؤيدة لسياساتها ، بل كانت تقدم مساعدات محدودة وبشكل انساني بحت . فقد وجهت مواردها وإمكانياتها الى البناء وتنمية تلك الموارد في الزراعة والصناعة وشؤون الحياة الأخرى . تفرض الحكومة الصينية سيطرتها على أغلب المصانع الكبيرة والمصالح الاقتصادية والمصارف وشركات النقل كما تسيطر على التجارة الخارجية .
وتتوفر في الصين مصادر للوقود والطاقة وعدد من المعادن الأمر الذي يمهد لها بأن تتزعم الاقتصاد العالمي وتتفوق على جميع الدول الكبرى في مجالات عديدة . يضاف الى ذلك عنصر مهم جداً وهو أن شعبها نشيط جداً ولديه خبرات عالية في جميع مجالات الحياة ويستثمر كل ما متوفر دون استهلاك غير مدروس وتبذير وهدر في الطاقات والخامات والوقت .
والحكومات الصينية تعتمد خطط خمسية لرفع المستوى الاقتصادي للدولة ويتم توزيع المبالغ المستحصلة من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات على جميع القطاعات بشكل دقيق ومدروس .
تتميز الصين بوجود منطقتين اداريتين تتمتعان بقدر كبير جداً من الحكم الذاتي (هونغ كونغ و مكاو ) وصولاً لاختلاف العملة ، ففي الصين يعتمد الـ يوان كعملة رسمية داخلية ، بينما في هونك كونك هناك (دولار هونك كونك) وهي حالة فريدة من نوعها ففي جميع الاتحادات (الاتحاد السويسري ، الولايات المتحدة ، الامارات العربية المتحدة ، غيرها) تكون العملة موحدة باستثناء الصين وهي تجربة ناجحة فرضت نفسها منذ عام 1997 عندما عادت هونك كونك من المملكة البريطانية الى جمهورية الصين الشعبية .
والآن الصين تطالب بانضمام تايوان لها . الصين أكبر دولة مصدرة للسلع المتنوعة في العالم وثاني أكبر دولة مستورِدة . وتمتلك أكبر جيش في العالم وميزانيته هي ثاني أكبر ميزانية بعد ميزانية الجيش الأميركي ، والصين دولة نووية معترف بها ايضاً . وأصبحت جمهورية الصين الشعبية عضواً في الأمم المتحدة عام 1971 عندما حلت محل جمهورية الصين وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي . الشركات الصينية العاملة في العراق (وفي المنطقة الجنوبية خصوصاً) ذات اختصاصات متنوعة . ومنتسبوها متعايشون مع الواقع العراقي ويتجولون في الأسواق ويتبضعون بأنفسهم في أحيان كثيرة استثناءً من منتسبي الشكات الأجنبية الأخرى . لما تقدم ولمجمل النجاحات المتحققة على مدى أكثر من نصف قرن كنت أود أن يرتبط وطني العراق باتفاقيات استراتيجية متنوعة مع جمهورية الصين الشعبية .
البصرة 27/9/2016
*كاتب وعضو في المجموعة العراقية للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين.
سكرتير تحرير مجلة الغد
للحزب الشيوعي العراقي وعضو المكتب الإعلامي ومكتب العلاقات الوطنية للحزب والأمين الإداري للنقابة الوطنية للصحفيين العراقيين