هكذا تضمن الصين المساواة بين القوميات عبر نظام الحكم الذاتي
يُعد الحكم الذاتي من الأنظمة الفعالة في تسيير جزء مهم من شؤون البلاد، وهو نظام سياسي واقتصادي وإداري يحصل فيه إقليم أو عدة أقاليم على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها بنفسها، بما في ذلك انتخاب الرئيس المحلي والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الأقاليم على قدم المساواة.
وعلى نقيض المركزية، تحتاج الدول التي تمارس الحكم الذاتي إلى أن تتخلى سلطاتها المركزية عن جزء مهم من صلاحيات تدبير الأقاليم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، لتتم ممارسته على المستوى المحلي.
ونماذج الحكم الذاتي في العالم كثيرة ومتعددة، إلا أن دولة الصين المتعددة القوميات تحتضن أرقى النماذج التي تطبق نظام الحكم الذاتي في المناطق القومية، بُغية الحفاظ على استقرارها ووحدتها.
الصين، ورغم عدد السكان الهائل فيها، والذي يصل إلى حوالي مليار و400 مليون نسمة، ينتمون إلى 56 قومية، استطاعت أن تُبقي حالة من الانسجام والوئام بين أبناء الشعب الصيني من مختلف القوميات.
ويرجع تاريخ الحكم الذاتي في الصين إلى سنة 1952، إذ أصدرت الحكومة الصينية “المنهاج التنفيذي لنظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي”، الذي ذُكرت فيه نِقاط مهمة تُؤسِّس لنظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي كنظام سياسي أساسي للدولة، وكان آخر تعديل فيه سنة 2001، أهم ما جاء فيه أن نظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي في الصين هو نظام يخضع للقيادة الموحدة للدولة، ومقتصر أساسا على الأقاليم التي تقيم فيها الأقليات القومية، حيث تنشأ أجهزة الحكم الذاتي لممارسة سلطة الحكم الذاتي، تلك السلطة التي تعني أن أبناء الأقليات القومية سادة لأنفسهم، ويديرون شؤونهم المحلية الخاصة بأنفسهم.
أما التقسيم الإداري في الصين فيشمل 23 مقاطعة. وتعتبر تايوان المقاطعة رقم 23، بالإضافة إلى 5 مناطق ذاتية الحكم، تعيش فيها العديد من الأقليات العرقية، وهي: منغوليا الداخلية، شينجيانغ الويغرية (تركستان الشرقية)، قوانغشي، نيغيشيا وإقليم التبت.
وتتمتع كل مقاطعة أو منطقة بحكومة محلية، ولكل منها رئيس بدرجة وزير وعاصمة محلية.. كما أن أربع مدن مركزية كبيرة ذات إدارة ذاتية، هي بكين وشنغهاي وتيانجين وتشونغتشينغ.
أما هونج كونج، التي خرجت من تحت الوصاية البريطانية سنة 1997، فتحظى بدرجة عالية من الحكم الذاتي في كافة شؤونها، بصفتها منطقة إدارية خاصَّة، وفق مبدأ “بلد واحد، نظامان مختلفان”، وكذلك شأن “ماكاو”، التي كانت مستعمرة برتغالية حتى عام 1999، وأصبحت الآن منطقة إدارية خاصة تابعة لجمهورية الصين الشعبية.
كما تنضاف إلى تلك الجهات أقاليم ليست تحت الحكم الذاتي، لكنها تعمل بما نسميه “الجهوية الموسعة”، بحكومات محلية لها صلاحيات واسعة. وفي الحقيقة أن عدد وزراء الصين ليس هو 18 وزيرا فقط، بل هذا العدد يخص فقط الحكومة المركزية ببكين، والذين يمثلون الدولة الصينية.
ومن مزايا نظام الحكم الذاتي في الصين، حسب الكثير من المتتبعين، أن كل أقاليم الحكم الذاتي الإقليمي القومي هي جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية، إذ يحافظ على وحدة البلاد وضمان الالتزام والتنفيذ للدستور والقوانين في تلك الأقاليم، كما يعمل على صيانة وتطوير علاقات المساواة والتضامن والمساعدة المتبادلة بين القوميات المختلفة.
المشاركة المتساوية لأبناء كافة القوميات في إدارة شؤون الدولة هي جزء هام من سياسة المساواة بين القوميات الصينية، إذ إن أقاليم الحكم الذاتي تُنفذ أنظمة وسياسات الدولة حسب الأحوال الواقعية المحلية؛ فيما تكفُل الدولة حقوق الحكم الذاتي التى تتجلى في نقاط عدة، ومنها: إدارة الشؤون القومية بشكل مستقل، احترام وضمان حرية الاعتقاد الديني للأقليات القومية، خاصة الجالية الصينية المسلمة، إضافة إلى تطوير قضايا التعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة بشكل مستقل…
وبالعودة إلى مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب كحل لإنهاء النزاع حول المناطق الجنوبية، والتي تمنح منطقة الصحراء حكما ذاتيا موسعا، يمكن الاستفادة من نموذج الحكم الذاتي في الصين الذي يُعتبر من أحسن النماذج لكثير من الدول العربية لمعالجة وجود أقليات قومية أو دينية فيها.