رئيس مجلس إدارة الأهرام: الصين صاحبة مبادرة “الحزام والطريق”.. قوة سلام على عرش الاقتصاد العالمي
صحيفة الشعب الصينية ـ
أحمد السيد النجار ـ رئيس مجلس إدارة الأهرام المصرية:
تبدو الصين كأكبر قوة اقتصادية على وجه الأرض في الوقت الراهن، حالة استثنائية في التاريخ الاقتصادي الحديث، حيث بنت تفوقها ونهضتها الاقتصادية الجبارة استنادا إلى مواردها وإلى سواعد وعقول أبنائها، وليس إلى الاستحواذ والهيمنة ونهب البلدان الأخرى كما فعلت كل الإمبراطوريات الغربية. وأنجزت الصين ذلك البناء العظيم عبر سياسات تتلاءم كل منها مع المرحلة التي تم تطبيقها فيها.
ففي عهد ماوتسي تونج الذي قاد تأسيس الدولة الاشتراكية وأعطاها طابعها الصيني المتميز، تم التركيز على بناء الصناعات الثقيلة ومجمل القواعد الاقتصادية والسياسية للاستقلال الوطني والاعتماد على الذات وعلى بناء الإنسان الصيني عبر نظم جيدة للصحة والتعليم والبحث العلمي.
ولأن الاقتصاد الصيني كان ينطلق من نقطة صفر عند تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بعد نضال بطولي مذهل ضد الفاشية اليابانية، وبسبب الحرب الأهلية الطويلة، فإن معدلات نموه كانت قوية للغاية حتى منتصف ستينيات القرن الماضي.
وحتى في الفترة التالية من عام 1965 حتى عام 1980 ، فإن الصين واصلت تحقيق معدلات نمو جيدة رغم كل ما مر بها من أزمات في تلك الفترة وبالذات أثناء الثورة الثقافية، وبلغ معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للصين نحو 6,4% سنويا خلال الفترة من عام 1965 حتى عام 1980، مقارنة بمعدلات نمو سنوية بلغت نحو 2,7% للولايات المتحدة، ونحو 3,7% للدول مرتفعة الدخل، ونحو 5,4% للاقتصادات منخفضة الدخل، ونحو 6,1% للاقتصادات متوسطة الدخل خلال نفس الفترة(راجع: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1990، صـ 212، 213).
وفي عهد دينج شياو بنج ومن خلفوه وسعت الصين انفتاحها على الاقتصاد العالمي لأقصى حد، وتمكنت من خلال معدلات ادخار واستثمار بالغة الارتفاع أن تطور ناتجها وصادراتها اعتمادا على الطلب الخارجي والداخلي، واستطاعت الصين جذب استثمارات أجنبية كبيرة وبخاصة في الصناعات عالية التقنية مع السيطرة على الحلقة التكنولوجية لكل من يرغب في دخول السوق الصينية الكبيرة.
ودخلت الصين لأسواق البلدان الأخرى بصورة سلمية تعاونية اعتمادًا على قدرتها التنافسية، وليس على القوة أو الاحتلال والهيمنة، كما فعلت الإمبراطوريات الغربية.
وسجل الاقتصاد الصيني منذ عام 1980 نموا هائلا تجاوز 10% سنويًا في المتوسط على مدار أكثر من ثلاثة عقود وبالتحديد 34 عاما، وتقدمت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة مصدرة للسلع العادية والعالية التقنية، وعندما انفجرت الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية والعالمية عام 2008 قام الاقتصاد الصيني بدور القاطرة التي تجر الاقتصاد العالمي للخروج من الأزمة استنادًا إلى الفوائض التجارية الهائلة التي راكمتها الصين على مدار ربع قرن.
وفي عهد الرئيس الصيني الحالي شي جين بينج تقدم الاقتصاد الصيني ليشغل المرتبة الأولى كأكبر اقتصاد في العالم إذا قيس ناتجه المحلي أو القومي الإجمالي طبقا لتعادل القوى الشرائية، وعزز موقعة كأكبر قوة تصديرية وتجارية في العالم. وتحولت العملة الصينية إلى واحدة من العملات الرئيسية في وحدة حقوق السحب الخاصة وإلى عملة تتم تسوية الالتزامات الدولية بها.
الصين على العرش العالمي بفارق 1575 مليار دولار عن أمريكا
كانت النتيجة النهائية للمراحل المتتابعة للتنمية الاقتصادية الدءوبة في الصين هي صعود الاقتصاد الصيني إلى عرش الاقتصاد العالمي. ووفقا لقاعدة بيانات البنك الدولي بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين طبقا لتعادل القوى الشرائية نحو 19522 مليار دولار عام 2015، مقارنة بنحو 17947 مليار دولار للولايات المتحدة في العام نفسه، أي بفارق 1575 مليار دولار لصالح الصين.
أما الناتج المحلي المحسوب بالدولار على أساس سعر الصرف السائد الذي لا يعكس توازن القدرات الشرائية للعملات فيبلغ نحو 10866 مليار دولار للصين، مقارنة بنحو 17947 مليار دولار للولايات المتحدة عام 2015.
أما الناتج القومي الإجمالي للصين (الناتج القومي= الناتج المحلي الإجمالي مضافا إليه عوائد عناصر الإنتاج المحلية من قوة عمل ورأسمال والتي تعمل في الخارج، ومطروحا منه عوائد عناصر الإنتاج الأجنبية التي تعمل في داخل البلد) فقد بلغ وفقًُا لبيانات البنك الدولي في تقريره عن مؤشرات التنمية في العالم (2016) وطبقًا لتعادل القوى الشرائية نحو 17967 مليار دولار عام 2014، بزيادة قيمتها 144 مليار دولار عن نظيره الأمريكي الذي بلغ 17823 مليار دولار في العام نفسه.
أما الناتج القومي الإجمالي المحسوب بالدولار وفقا لسعر الصرف السائد فقد بلغ نحو 10970 مليار دولار للصين، ونحو 17612 مليار دولار للولايات المتحدة. ورغم تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الصين من 10% سنويا في المتوسط في الفترة من عام 1980 حتى 2014، إلى نحو 6.5% سنويا في الوقت الحالي، إلا أنه يظل أكثر من ضعف معدل النمو الاقتصادي الأمريكي الذي يراوح في المتوسط عند مستوى 2.5%، بما يرشح الاقتصاد الصيني لزيادة أسرع في حجم الناتج مقارنة بنظيره الأمريكي. وترشحه أيضا لتجاوز قيمة الناتج الأمريكي المحسوب وفقا لسعر الصرف خلال عقد واحد من الزمن حتى لو بقيت أسعار الصرف بين الدولار الأمريكي واليوان الصيني كما هي، برغم أن المنطقي أن يرتفع اليوان تدريجيًا ليقترب من سعر تعادل قوته الشرائية في السوق الصينية مع القوة الشرائية للدولار في السوق الأمريكية، ولدى حدوث ذلك سيتجاوز الناتج القومي الصيني المحسوب بسعر الصرف نظيره الأمريكي فورًا.
الصادرات الصينية تتفوق بـ 900 مليار دولار على أمريكا
تحولت الصين إلى أكبر دولة مصدرة للسلع في العالم منذ عام 2005 وحتى الآن، وقد بلغت قيمة الصادرات السلعية الصينية نحو 2.4 تريليون دولار عام 2014، مقارنة بصادرات سلعية أمريكية قيمتها نحو 1.5 تريليون دولار في العام نفسه (راجع: IMF, Direction of Trade Statistics Yearbook 2015, p. 2.).
ووفقا لقاعدة بيانات البنك الدولي بلغت قيمة الصادرات الصينية عالية التقنية في عام 2014 نحو 558.6 مليار دولار لتتصدر العالم في هذا المؤشر. وتأتي ألمانيا في المرتبة الثانية بصادرات عالية التقنية قيمتها 199.7 مليار دولار، والولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بنحو 155.6 مليار دولار في العام نفسه. ومن المؤكد أن مؤشر الصادرات السلعية الصينية العادية والعالية التقنية يرتبط بالحجم الهائل للناتج الحقيقي للصين وبالقدرة التنافسية المتفوقة لذلك الناتج حتى الآن.
أما الواردات الصينية فقد بلغت قيمتها نحو 1596 مليار دولار عام 2014 وفقا لبيانات الشركاء التجاريين للصين (راجع: IMF, Direction of Trade Statistics Yearbook 2015, p. 2.)، وبلغ الفائض التجاري الصيني وفقا لتلك البيانات نحو 810 مليار دولار.
أما البيانات الصينية نفسها فتشير إلى أن قيمة الواردات الصينية من الخارج قد بلغت نحو 1963 مليار دولار في العام المذكور، مقابل صادرات قيمتها 2343 مليار دولار في العام نفسه وفقا للبيانات الصينية، وبلغ الفائض التجاري الصيني وفقا لتلك البيانات نحو 380 مليار دولار (راجع: IMF, Direction of Trade Statistics Yearbook 2015, p. 155.).
وهذا الفائض التجاري الصيني هو الأعلى في العالم بلا منازع سواء أخذنا بالبيانات الصينية التي تنزع إلى تقليل قيمة صادراتها وفوائضها لتخفيف الضغوط الأمريكية والغربية عليها لرفع سعر عملتها، أو بيانات الشركاء التجاريين التي تضاعف قيمة ذلك الفائض التجاري الصيني.
وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تتصدر الدول الغربية في فائض تجارتها الخارجية الذي بلغ نحو 216 مليار دولار عام 2014، بينما تحولت اليابان منذ عام 2010 إلى تحقيق عجز تجاري تصاعد حتى بلغ نحو 122 مليار دولار عام 2014 وفقا للبيانات اليابانية (راجع: IMF, Direction of Trade Statistics Yearbook 2015, p. 247, 310. 310.). أما الولايات المتحدة التي تعاني من عجز تجاري ممتد لأكثر من أربعة عقود، فإن عجزها التجاري بلغ 728 مليار دولار في العام 2014. وهذه البيانات تؤكد التفوق الإنتاجي والتجاري الصيني الكبير.
مبادرة الحزام والطريق.. علاقات دولية قائمة على العدالة والسلام
اتساقًا مع وضعها القيادي في الاقتصاد العالمي طرحت الصين مبادرتها لإعادة صياغة العلاقات الاقتصادية العالمية على أسس التعاون السلمي والمبني على توازن القدرات التنافسية من خلال مبادرة “حزام واحد وطريق واحد”، وبدت تلك المبادرة متسقة مع الثقافة الصينية القائمة على التعاون السلمي واحترام سيادة الدول الأخرى.
والطريق الواحد هو طريق الحرير القديم ذو القيمة الرمزية العظيمة الذي يشكل إطارا مرجعيا للعلاقات الاقتصادية الدولية القائمة على التعاون السلمي وتبادل المنافع دون نزوع للهيمنة من دولة على الدول الأخرى.
والحزام هو حزام الدول المحيطة بطريق الحرير القديم والطريق البحري للقرن الـ 21 والعالم عموما، وقد اكتسب طريق الحرير القديم تلك القيمة بسبب التفاوت الكبير في القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدول الواقعة عليه، والذي لم يولد نزعات للسيطرة والاستحواذ والهيمنة، على غير العادة تاريخيًا، مما جعله نموذجًا للتعاون السلمي والذي يتسم بالعدالة والتكافؤ والقائم على الاختيار الحر في العلاقات بين الدول.
وقد ازدهر ذلك النموذج كمقابل سلمي وتعاوني يخالف تماما نزعة التوسع والاغتصاب والاحتلال الأوروبية الإجرامية للسيطرة على البلدان الأخرى وتحطيم البنى الاجتماعية والسياسية فيها ونهب ثرواتها ومواردها وإذلال شعوبها في العهد الاستدماري (لم يكن استعمارًا بل تدمير وهذا هو التعبير الأنسب له) منذ القرن السادس عشر فيما سمي بسياسة القوارب المسلحة كرمز لأساطيل الغزو اللصوصي الأوروبي لمختلف دول العالم آنذاك. ورغم أن نهاية ذلك العهد الاستدماري البغيض قد حدثت في الربع الثالث من القرن الماضي ما عدا جيوب صغيرة باقية، إلا أن الولايات المتحدة أعادت سياسة القوارب المسلحة في ثمانينيات القرن الماضي عندما احتلت جرينادا عندما لم تعجبها نتائج الانتخابات الديموقراطية فيها لتدلل مجددًا على أن قضية الديموقراطية بالنسبة لها هي آلية للابتزاز للبلدان الأخرى خاصة وأنها تحالفت وما زالت تتحالف مع أكثر النظم فاشية وظلامية إذا توافق ذلك مع مصالحها.
وعادت سياسة القوارب المسلحة أو الغزو الاستحواذي الدنئ مرة أخرى بشكل عملاق مع الغزو الأمريكي الإجرامي للعراق عام 2003. ذلك الغزو الذي انتهى باحتلال ذلك البلد العربي الكبير وتحطيم دولته وبناء نظام قائم على المحاصصة الطائفية والعرقية والذي يشكل القاعدة السياسية لتدمير البنية الاجتماعية للعراق.
ومنذ عام 2011 شهدت البلدان العربية تدخلات من حلف الأطلنطي وعلى رأسه الولايات المتحدة، وقد أدت تلك التدخلات إلى تدمير وحدة ليبيا، كما يحاول تدخل مناظر للدول الغربية الكبرى وحلفائها الإقليميين من النظم الطائفية والقبلية، أن يدمر الدولة السورية بواسطة قطعان من الإرهابيين الهمجيين، لكن سورية صامدة بفضل قوة الجيش العربي السوري أو الجيش الأول (هكذا سمي وما زال منذ الوحدة بين مصر وسورية) والوقفة الروسية القوية إلى جانبها والموقف الصيني المؤيد لوحدة الدولة السورية والرافض لأي تدخلات عسكرية فيها.
وتبدو المبادرة الصينية “حزام واحد وطريق واحد” متوافقة مع النموذج الذي تحتاجه مصر في العلاقات الاقتصادية الدولية والمبني على التعاون السلمي العادل والمتكافئ. وهو ما يطرح التساؤل عن واقع الاقتصاد المصري وإمكانيات التعاون المبني على تبادل المصالح مع الاقتصاد الصيني بصورة عادلة ومتكافئة لمصلحة الشعبين، وهذا موضوع لمقال قادم.