كاسترو والصين.. وسِفر التحالف والخلود (العدد 44)
المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“
الأكاديمي مروان سوداح*:
اختصرت برقية التعزية التي بعث بها الرئيس شي جين بينغ، موقف جمهورية الصين الشعبية من القائد الأُممي والرمز فيديل كاسترو والثورة الكوبية، والعلاقات المستقبلية مابين الدولتين الصين وكوبا، في حقبة ما بعد كاسترو.
في برقية التعزية التي خَطّها الرئيس الصيني شي جين بينغ، بعد رحيل الزعيم الكوبي، أن فيدل كاسترو “سيبقى خالداً”، وأضاف بتأثّرٍ بالغ: “لقد فقد الشعب الصيني رفيقاً صالحاً ووفياً”، وأضاف شي الذي يَشغل بجدارة منصب الأمين العام لأكبر حزب سياسي في العالم هو الحزب الشيوعى الصيني، أن “الرفيق كاسترو سيبقى خالداً”.
فبالرغم من أن كاسترو كان عضواً فاعلاً وناشطاً في الاممية السوفييتية (الكومنترن)، إلا أنه لم يتخلّ عن صداقته وتحالفه مع جمهورية الصين الشعبية، فقد كانت هذه الخِصال مأثرة بحد ذاتها وحذاقة سياسية وأيديولوجية.
كاسترو – الرمز الكوبي لم يتأثر بالخلافات التي اندلعت للأسف ما بين بكين وموسكو، ورأى بعينه الثاقبة وعقله الراجح، أن العاصمتين هما وحدهما بالذات اللتان سوف تضمنان في المستقبل مستقبلاً زاهراً للبشرية جمعاء، بتحالفات هذه البشرية مع الدولتين الجارتين صاحبتي الحضارة المتآخية، بغية تحويل مسار التاريخ وتعديله لصالح الامم المُنهكة.
بقيت الصين الشعبية وقيادتها الاشتراكية الحزبية والحكومية وفيّة لكاسترو، كذلك بقي كاسترو وفيّاً في تحالفه مع الصين حزباً ودولةً وشعباً ولم يَحد عن توجّهه ذاك قيد أُنملة. ولهذا بالذات شدّدت وسائل الإعلام الصينية، ومنها الرسمية، وبلهجة قوية تدل على مناكفة واشنطن، على الروابط الأطيب التي ازدهرت ما بين الزعيم الكوبي الراحل جسداً والأنظمة الاشتراكية ورموزها في آسيا، وبأن الصين كانت تنظر إليه على الدوام – وكما هو الآن وبعد فقدانه الجسدي – صديقاً صدوقاً ومقرّباً من الصين، ذلك أن كوبا كانت أول دولة في الأمريكيتين تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، في العام1960، وهي لم تخشَ أية عواقب برغم صِغر مساحتها وقلّة عدد سكانها، مقارنة مع الولايات المتحدة الامريكية، الجار- الباشق الشمالي المُتحفّز دوماً للانقضاض على كوبا الجزيرة الصغيرة التي صدت الرئاسة الامريكية والمَجمع الصناعي العسكري الامريكي ولجمتهما بصلابة كاسترو وصَلادة فكره.
صَنع كاسترو شعباً مُخلصاً ووفياً للثورة الكوبية وامتداداتها الاممية، لذا تبادل الطرفان ـ كوبا والصين ـ المحبة والإخلاص والتفاهم، إذ كان النضال الصيني الاستقلالي والتحرري مِثالاً يُحتذى لدى كاسترو ورفاقه وكوبا الاشتراكية بخاصة فلسفة التعبئة والتحرر والقواعد الشعبية المُنسجمة مع الفكر الاشتراكي الصيني.
فالثورتان الصينية والكوبية اجترحتا المُعجزات، بدءاً بالخطوات الاولى لمَسيرتا الألف ميل لكل منهما واللتين أحرزتا الظفر والنصر على أعداء تاريخيين مُشتركين، فغدا كاسترو وماوتسي تونغ، ومروراً بكل زعماء الصين، والى الرفيق العزيز شي جين بينغ، “جماعة الرفاق الخُلصاء” لبعضهم بعضاً في سبيل واحد وبلون واحد، لذلك نعتته الصين بعد وفاته المادية بأنه “الرفيق المُتميز”.
كان كاسترو مباشراً في الإعراب عن أرائه وفكره وسياسته، ولم يُخفِ توجهاته، وانتقد الأنظمة المرتدة، وتلك المتقاعسة، وجيّش شعبه للدفاع عن بلاده وصداقاته الدولية، فبادله الشعب محبة بمحبة، كذلك الأصدقاء الاقرب له، وفي طليعتهم الصين وزعمائها الذي يرون في كاسترو خالداً وفي الصين الشعبية وشعبها وفي حركة انعتاق البشرية.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين وصديق في سبعينات القرن الماضي للقسم العربي لراديو هافانا كوبا ومُراسل له.