الصين تحزن على كاسترو رغم الجدل (العدد 44)
صحيفة غلوبال تايمز ـ تحقيق يانغ شنغ 28ـ11ـ2016
تعريب خاص بـ “موقع الصين بعيون عربية”:
قدم الشعب والقيادة في الصين التعازي للكوبيين الذين خسروا رئيسهم السابق فيدل كاسترو يوم الجمعة الماضي. وكما يذكر الجيل الصيني القديم المقاتل الثوري بحنين، يتوقع المحللون بأن كوبا ستمضي قدماً على نهجها الإصلاحي الذي يفيد الإقتصاديات الكبرى كالصين والولايات المتحدة.
“موت الرفيق فيدل كاسترو هو خسارة عظيمة للكوبيين ولشعوب أمريكا اللاتينية. الكوبيون والأمريكيون اللاتينيون خسروا إبناً مميزاً، والشعب الصيني خسر رفيقاً مقرباً، وصديقاً حقيقياً”، هذا ما صرح به الرئيس تشي جينبينغ في رسالة التعزية التي أرسلها إلى نظيره الكوبي راؤول كاسترو، بعد وفاة شقيقه عن عمر 90 عاماً.
عشرات الصينيين من مختلف الأعمار تجمعوا بشكل عفوي أمام السفارة الكوبية في بكين حاملين الأزهار صباح الأحد، ليظهروا حزنهم واحترامهم لهذا “الرفيق المقرب، والصديق الحقيقي”.
“كل الناس من جيلي يذكرون الأغنية الصينية “هافانا الجميلة”، وكلهم يعرفون كيف يغنونها، لأننا غنيناها لندعم الثورة الكوبية في العام 1950″، هذا ما قاله جاو تشنغ شون، رجل صيني في الخامسة والستين من عمره ومن سكان بكين، لصحيفة الغلوبال تايمز، خارج السفارة يوم الأحد.
“لقد كان رجلاً صلباً، بقيادته لدولة صغيرة في مواجهة ضد الهيمنة العملاقة. هؤلاء الأشخاص سيكونون محترمين دائماً في الثقافة الصينية،” أضاف جاو.
وانغ جييسن، مواطن آخر من بكين في العشرينات من عمره، أحضر رسالة وأزهاراً إلى خارج السفارة الأحد صباحاً مغنيا: “the Internationale” “العالمي”.
“لا يمكننا أن نترك حلمه كما حلمنا، يموت معه” قال وانغ.
“البلدان عانيا الكثير من العدائية ومحاولات الاحتواء من الغرب، وسمعة كاسترو لقيادته دولة صغيرة ضد جارها العملاق، هي إلهام للكثير من الدول. ليس فقط للصين ولكن للدول الأصغر،” قال هوا ليمينغ، باحث متابع في مركز الصين للدراسات الدولية لصحيفة غلوبال تايمز.
وقال هوا: “ردة فعل المواطنين الصينيين لموت كاسترو، تعكس أيضاً التحديات التي ما زالت الصين وكوبا تواجهانها من الغرب”.
قائد ذو كاريزما
شي (الرئيس الصيني)، الذي التقى كاسترو مرتين خلال عامي 2011 و2014 في هافانا، مرة كنائب للرئيس ، وبعدها كرئيس للصين، أيضاً يستذكر نقاشاتهما الحارة.
“إلتقيت الرفيق فيدل كاسترو أكثر من مرة، عقدت محادثات معمقة معه. معرفته الحقيقية ونظرته العميقة ألهماني كما أن صوته وتعابيره تعيش في ذاكرتي. أنا والشعب الصيني سنفتقده عميقاً،” يقول الرئيس شي في رسالة التعزية.
قائد ذو كاريزما، كاسترو يُستذكر دائماً بإعتزاز من قبل القادة الصينيين الذين كانوا على اتصال معه. السفير الصيني السابق لدى كوبا سو ييسونغ قال إنه كان متأثراً بموهبة كاسترو في إستخدام عيدان الطعام، وحبّه للطعام الصيني.
سو قال في مقابلة لصحيفة West China Metropolis Daily إنه في أحد الأيام زاره كاسترو للعشاء، لم يلمس السكاكين أو الشوك التي حضرها سو له، لكنه أستعمل فقط عيدان الطعام. بعد العشاء، أطلق كاسترو مزحة لشعبه “السفير سو لم يطعمني شيئاً. لم ألمس أدوات المائدة حتى”.
خلال ستينات القرن الماضي، عندما قُطعت العلاقات بين الصين والاتحاد السوفياتي، كوبا بقيت على الحياد في البداية، بعدها تحولت العلاقات الصينية-الكوبية إلى علاقات فاترة بسبب تأثير موسكو القوي وبعض الخلافات مع الصين، هذا ما قاله، سو شيشنغ، الباحث المختص في شؤون أمريكا اللاتينية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لصحيفة غلوبال تايمز.
“وتابع سو: ولكن استناداً إلى الاعتراف المشترك بالوضع الدولي في الثمانينات من القرن الماضي، بدأ كاسترو العمل معنا على إصلاح العلاقات وكان هذا ناجحاً جداً”
وعلى الرغم من تودد الأغلبية إلى الزعيم الكوبي السابق، حاول عدد قليل من الناس تأجيج مشاعر العدائية على الانترنت في الصين، مستندين إلى تعليقات غير ودية من كاسترو حيال الصين أثناء الحرب الباردة. النظرة السلبية من طرف بعض مستخدمي الإنترنت الصينيين وُوجهت من طرف المحبين لكاسترو بقولهم إنها “طاعة عمياء لما تمليه الولايات المتحدة”.
مشاعر مختلطة
موت كاسترو خلّف مجموعة من المشاعر المختلطة على صعيد العالم. في دول مثل الصين، روسيا، فيتنام، كوريا الشمالية، القادة والشعب يميلون إلى تذكر الرفيق الراحل مع الحنين إلى الماضي. الأمم المتحدة، كما بعض الدول الغربية كالمملكة المتحدة وفرنسا، أعطوا إنطباعاً إيجابياً وأظهروا إحترامهم لكاسترو.
ومع ذلك، عمّت الإحتفالات في ميامي حيث يعيش عدد كبير من المنفيين الكوبيين بعد سماع نبأ موت كاسترو، حيث يصف المعارضون الرئيس السابق بـ “الديكتاتور”.
في عصر ما بعد كاسترو، علاقات كوبا بباقي دول العالم سوف تتغير إلى حد ما. “تركة رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما قد تفتح نافذة للتغيير في كوبا”، يقول شو يين، الأستاذ المشارك في جامعة العلامات الدولية لـ “غلوبال تايمز”.
ويضيف: “على الرغم من موقف دونالد ترامب اليميني المحافظ والمعادي لكاسترو، فهو قد يكمل إستراتيجية أوباما في كوبا، نظراً لإمكانيات كوبا الإقتصادية”.
ولكن كوبا قلقة دائمة من أن تحاول الولايات المتحدة التحريض على “ثورة ملونة” للإطاحة بحكومتها الشيوعية. إذاً ـ يقول شو ـ فالعلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا ليست إيجابية بالكامل، مضيفاً أن كوبا ستسعى لتوثيق العلاقات مع الصين لموازنة تأثير الولايات المتحدة عليها.
ويختم شو: “كوبا تزخر بالإمكانات الإقتصادية نظراً إلى موقعها الجغرافي، وهي مرشحة بشدة لتكون “سنغافورة” البحر الكاريبي، بما أن علاقتها مع الولايات المتحدة تتحسن الآن … ينبغي على الشركات الصينية اغتنام الفرصة”.