وفاة كاسترو تثير صراعاً أيديولوجياً في الصين (العدد44 )
افتتاحية صحيفة غلوبال تايمز
27-11-2016
(تعريب خاص بـ ”موقع الصين بعيون عربية“):
توفي الزعيم الكوبي الثوري فيدل كاسترو يوم الجمعة عن عمر يناهز ال 90 عاما. وبما أنه كان قد سلّم بالفعل مقاليد حكم الجزيرة عام 2011، فإن وفاته لم تحمل أية تداعيات سياسية على الصعيد العالمي؛ ومع ذلك، كان للخبر وقع كبير على الرأي العام.
كان كاسترو آخر رجال الدولة الذين عايشوا الحقبة الثورية للقرن العشرين. وقد قدّم العديد من قادة الدول تعازيهم لكوبا في حين أصدر سياسيون في جميع أنحاء العالم بيانات تعزية، ونشرت وسائل الإعلام تعليقات عنه وأدلى الأفراد برأيهم على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
إن تقييمات إرث كاسترو معقدة وشديدة التباين. فلوقت طويل اعتبرت الولايات المتحدة كوبا عدوة لها وفرضت حظراً عليها وأصدرت بحقها العقوبات لأكثر من نصف قرن. وقال الرئيس أوباما في بيان له إن ” التاريخ سيسجل ويحاكم التأثير الكبير لهذه الشخصية على الناس والشعوب المحيطة به.” لكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب وصف الزعيم الكوبي الراحل بـ “الديكتاتور الوحشي”. وفي العالم النامي، نعى معظم قادة الدول كاسترو بوصفه “رجلا عظيما” أو “بطلا”.
هذا التباين في وجهات النظر كان ملحوظا ًأيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي في الصين، حيث هاجمت بعض المنشورات الرجل وذمّته في الأوساط الأكثر راديكالية لدى الرأي العام. وقد استشهد هؤلاء بمقال صحفي صيني يشن هجوماً عنيفاً على كاسترو في الوقت الذي كانت تتملق فيه كوبا الاتحاد السوفياتي السابق لدعم وجهات نظرهم. حتى أن هناك موضوعاً مزوراً حول عدد النساء التي يُزعم أن الزعيم الكوبي السابق قد أقام علاقات معهن.
هؤلاء القلّة من الناس الذين يعتقدون بمثل هذه الآراء ليست لديهم دراية كافية بالتاريخ والمعارف.
وبطبيعة الحال، تحرك الإيديولوجيا بعضهم: فلا يمكن لكاسترو أن يكون رجلاً صالحاً بما أنه اتخذ لوقت طويل موقفاً مناهضاً للولايات المتحدة.
كانت الثورة التي قادها كاسترو جزءاً من مد وجزر ثورة القرن العشرين. لقد ثابر كاسترو طويلا تحت مرأى ومسمع الولايات المتحدة. والقمع الذي مارسته واشنطن ضد هافانا أمر مثير للجدل للغاية ولم تتحقق أهدافه الأصلية حتى يومنا هذا.
كان كاسترو مثالياً، وكانت معتقداته السياسية تحظى بتأييد واسع في أمريكا اللاتينية.
وفيما تواجه كوبا ضغطاً خارجياً هائلاً لتحقيق مُثُلها، فإن كاسترو يحظى بالعديد من المعجبين الذين يفهمون فكره. وعلى الرغم من الخطر الكبير الذي واجهه من الولايات المتحدة، لم يقد كاسترو بلاده نحو العسكرة الراديكالية، وإنما كرّس موارد بلاده المحدودة للتعليم والرعاية الصحية وغيرها من القطاعات لتحسين معيشة الناس.
أؤلئك الذين يعبدون الغرب عبادة عمياء في الصين اليوم هم الأكثر إيدولوجية. برأي هؤلاء، إن التاريخ والواقع هما أسود وأبيض. وبالتالي يعارضون جميع السياسات الصينية والأفكار السائدة.
ينبغي السيطرة على هذه الأصوات السلبية، برغم أن الأمر قد يكون أكثر واقعية إذا ما بات المجتمع أكثر قدرة على التكيّف مع هذه الأصوات.
معظم الصينيين يحترمون كاسترو ويعتبرون كوبا صديقاً جيداً. هذه المشاعر تجسّد رشد المجتمع الدبلوماسي. والأصوات المتشددة لا تعني شيئا، عدا أنها تمثل تنوّع هذا العصر.