العلاقات الاقتصادية الصينية مع أمريكا اللاتينية
صحيفة الشبيبة العمانية
آني كيلي
في السنوات الأخيرة تزايد النظر الى أمريكا اللاتينية كمكان يلعب دورا مهما جدا للمستثمرين الصينيين. لذا، يلعب مشروع إنشاء الصين لخط سكك حديدية في كولومبيا على سبيل المثال دورا استراتيجيا مهما، لأنه يلعب دور “الميناء” لكل أمريكا اللاتينية من أجل أن تتوسع الصين في استثماراتها هناك. والقارة الأمريكية الجنوبية تثبت بالفعل أنها تربة خصبة للمواد الخام التي تحتاجها الصين لتحافظ على نموها الاقتصادي. أيضا، تستورد الصين فول الصويا من الأرجنتين والنحاس من تشيلي وخام الحديد من البرازيل والزنك من بيرو. وفي العام 2010 فاقت الاتفاقيات التجارية للصين مع دول أمريكا اللاتينية مبلغ 100 بليون دولار أمريكي.
وقد ساهم تدفق الثروات الصينية الى دول أمريكا اللاتينية في مساعدة دول القارة كثيرا في التخفيف من حدة الأزمة المالية، وفي توسيع المدخل للأسواق العالمية. حيث وفرت بكين لتلك الدول بلايين الدولارات اللازمة للبنية الأساسية والطاقة والمواصلات ومشاريع الدفاع في كل أنحاء القارة الأمريكية الجنوبية.
وفي العقد الفائت، خطت أمريكا الجنوبية خطوات كبيرة في رفع الملايين من الفقر. ومع هذا، يجب أن نسأل، من، في تلك القارة صاحبة أكثر توزيع للدخول عدم عدالة في العالم، وحيث يوجد 189 مليون نسمة مايزالون يعيشون على أقل من دولارين في اليوم (ما يمثل 34 بالمئة من السكان)، بحسب أرقام الأمم المتحدة، من في هذه القارة يستفيد حقا من النهضة الاقتصادية الصينية؟
لقد حذر تقرير العام 2004، الصادر عن رابطة أمريكا اللاتينية (منطقة الكاريبي وآسيا) المحيط الهادي للاقتصادات من أنه وبدلا من العمل على توزيع أفضل للثروات، يمكن للتوسع الصيني في أمريكا الجنوبية أن يكون له تأثير سلبي على الفقراء، مقصيا إياهم من النشاط الاقتصادي. ويقول التقرير إن التوسع الصيني في القارة اللاتينية أشعلته الحاجة الى الموارد الزراعية والمعادن المختلفة- احتياطات النفط، وكريات الحديد والنحاس وفول الصويا- وأغلبها منتجات لا تتسم بكثافة القوى العاملة المطلوبة لها، وبالتالي من غير المحتمل أن يكون لهذا تأثير إيجابي على الفقراء. وفي الواقع، يخلص التقرير الى أن أغلب الفقراء في أمريكا اللاتينية معرضون للتأثر سلبيا، كنتيجة للتوسع الصيني.
وحالة فول الصويا خير مثال على هذا. فبينما ساعدت الصين صناعات فول الصويا في امريكا الجنوبية على توسعة مدخلها الى الأسواق العالمية، منافع قليلة هي التي استفادت بها المجتمعات الزراعية والرعوية في القارة. فعلى الرغم من الزيادة في الإنتاجية، انخفضت أجور العمال وانخفض عدد فرص العمل للعمال والمزارعين مع استخدام الآليات الحديثة في الزراعة والحصاد. على سبيل المثال، في الوقت الذي تضاعف فيه انتاج فول الصويا في البرازيل أربعة أضعاف في الفترة من 1995 الى 2009، تقلصت فرص العمل للبرازيليين في ذلك القطاع. كما ارتبط إنتاج فول الصويا أيضا بإزالة الغابات، حيث تمت إزالة ما يقارب 528 ألف كيلومتر مربع من غابات الأمازون المطيرة في البرازيل.
ويبحث مشروع بحثي يقوم به معهد دراسات التنمية والاكاديمية البريطانية في العلاقات بين الأعمال التجارية والمشاريع الصينية في امريكا اللاتينية و الأثر الضار الكبير الواقع على الفقراء في القارة. وخلص الباحثون في بيرو الى أن الشركات الصينية التي تدير مشاريع مملوكة للحكومات أو مشاريع خاصة في دول القارة الجنوبية كان لها تأثير إيجابي محدود – إن كان لها تأثير إيجابي أصلا- على المجتمعات الفقيرة أو على المنطمات العمالية.
ويقول البروفيسور نيل رينويك، أستاذ الأمن العالمي في جامعة كوفينتري، وأحد قادة هذا البحث، يقول إن مدخل بكين من أمريكا اللاتينية هو مؤشر لمدخلها المحلي من التنمية. فبأكثر من شكل وطريقة، بحسب قوله، يعكس المدخل الصيني في القارة اللاتينية السعر العالي الذي يدفعه (الصينيون) من أجل تحقيق التنمية، من منظور الفقر وعدم العدالة والفساد والبيئة.
كما يمكن لعزم الصين أن تستفيد من القوة الإنفاقية للطبقة المتوسطة الناشئة في أمريكا اللاتينية، من خلال إغراق الأسواق المحلية بالبضائع الصينية الرخيصة، يمكن لهذا العزم والإصرار أن يؤثر على نمو التصنيع المحلي، وهو الأمر المهم جدا بالنسبة لتوفير فرص العمل في الأسواق، وبالنسبة لتوفير المزيد من العدالة في الدخول، وبالنسبة لخفض الفقر أيضا.
وفي العام الفائت، أعلنت الأرجنتين أنها تخطط لفرض ضريبة على الأحذية الصينية الرخيصة لحماية المنتجين المحليين، فما كان من الصين إلا أن علقت طلبية حجمها مليوني طن من فول الصويا من الأرجنتين، متعللة بمخاوف تتعلق بالسلامة. ويعتمد الاقتصاد الأرجنتيني حاليا وبشدة على ما يحصله سنويا من وراء صادرات البلاد من فول الصويا الى الصين، والتي تبلغ 1.5 بليون دولار. وهذه ليست علاقة بين دولتين يمكن للأرجنتين أن تطيق خسارتها.
ويرى الخبراء أن النموذج الحالي من التوسع الصيني من غير المحتمل أن يثبت أنه نموذج إيجابي لخفض الفقر بالنسبة لفقراء أمريكا اللاتينية البالغ عددهم 189 مليون نسمة. ومع هذا، هم يرون أن هذا قابل لأن يتغير. وهم يرون أيضا أن حكومات أمريكا اللاتينية وليست الصين هي من يجب عليه ان يتخذ الخطوات اللازمة من أجل ضمان تحويل النهضة في المشاريع والأعمال التجارية الى تحسينات لها معنى في حياة الفقراء.
وهذا من الممكن أن يتم عن طريق التفاوض حول تعاون أفضل بين الصين والأسواق المحلية في القارة، بحيث يكون هناك توظيف أفضل للأيدي العاملة، ونفع أكبر يصب في مصلحة المجتمعات الفقيرة، وبحيث يتم ضمان أن تتحول تلك النهضة في الثروات القادمة من الصين الى مبادرات خفض فقر حقيقية. فعلى الجميع أن يستفيدوا من أفضل عميل جديد لدى أمريكا اللاتينية. لأن هناك أمرا واحدا مؤكدا؛ ألا وهو أن الصينيين قصدوا أمريكا اللاتينية ليبقوا فيها.