أولويات الصين ما بين الإقليمي والدولي (العدد46)
المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“ ـ
الأكادِيمي مروان سوداح*:
كان “فيتو الصين” الحازم مؤخراً في مجلس الأمن الدولي، على مشروع قرار حول حلب، صدمة لمُمثِّلي الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية بالمجلس، وتطورت هذه الصدمة الى “جلطات” حقيقية أصابت قلوب وشرايين قادة دول حِلف الأطلسي وحكوماتهم، بينما أعتبر المراقبون أن الأكثر ألماً كان رد السفير الصيني في الهيئة الاممية على مندوب لندن، ووصفه البعض بـ”صفعة دبلوماسية عنيفة”!
لم تصدُق توقّعات المُحللين السياسيين الغربيين هذه المرة أيضاً بصين “ناعمة”و “قابلة للطي” غربياً وأمريكياً، ذلك أن جمهورية الصين الشعبية لم تقف موقف الحياد تجاه الإرهابيين في حلب، كما كان متوقعاً عموماً في “الرؤية” الغربية، إذ كانت خطط الغرب الجهنمية قد وُضعت في هذا القرار بالذات، بهدف مساندة الارهاب الدولي، وتوفير فسحة وقت لتجهيزه من جديد بأسلحة نوعية.
كما لم ينجح الغرب أيضاً “هذه المرة” بفصل الصين عن روسيا سياسياً وإستراتيجياً، ولإستحداث هُوّة سياسية عالمية بين الدولتين الكبيرتين، لتنعكس كما خططوا على حِراكاتهما على صعيد العالم، ولتنتقل كذلك لتصيب صِلات الجيرة التاريخية القائمة بينهما، والتي توثـّقت وتَعمّقت في نهج إستراتيجي وتكامل إقتصادي وسياسي، في عهد الزعيمين الصديقين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين.
الفيتو الصيني – الروسي الثنائي أكد تمركزه في خندق مُواجِه لمخططات الإمبريالية والرجعية الدولية. فهو في مَعناه وعُمقهِ يرفض مخططات عواصم الغرب المتربولية التوسعية، الرامية لإعادة العالم الى عصور الغاب، ولمحاولتها فرض قرارات دولية جائرة على الشعوب المَغلوب على أمرها، وفي مقدمة معنى الفيتو أن بيجين وموسكو تؤكدان رغبتهما بتحجيم الإرادتين الغربية والأمريكية على الساحتين السورية والعربية، وتأكيداً على أن بيجين لن تسمح من جانبها ولا بإرادتها ببعث الإمبريالية الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المنطقة العربية وعلى حدود الصين الجنوبية والغربية، ولا لتكريس منطقتنا للغرب عودة على بدء عهود الاستعمار القديم للإمبرطوريات الغربية البائدة، على اختلاف أسمائها.
لقد أفشل الفيتو الصيني – الروسي تحليلات عصابات ومافيات “المتخصصين” و “الباحثين” المرتزقة والمُترزّقين من القضايا المتعلقة بالدولتين. فقد راهن العدو الدولي على أن الصين ستقف “لا محالة” و “هذه المرة أيضاً” “على الحياد”، ولن تنضم لروسيا في رفض مشروع القرار.
فالصين التي نادراً ما يَرفع ممثلها في المجلس يده إحباطاً لمشروع حول سورية وغيرها، ترغب كما أعتقد بتأجيل الصِدام مع الغرب وأمريكا والبلدان النامية والمُتخلّفة الحليفة للاستعمار، الى آجال مُقبلة، أي إلى ما بعد تَمكّنها من تعزيز أعمق وأشمل كونياً لوضعها الاقتصادي وتنفيذ مشاريعها الاقتصادية العالمية، وفي مقدمتها “مبادرة الحزام والطريق”، التي يُفترض إختراقها لمناطق جغرافية تتعرض لتسلل إرهابي وغربي وأمريكي مانع لتحالف دولها مع الصين. “فيتو الصين” في الامم المتحدة، وكلمات سفير “شي جين بينغ” في هذه الهيئة، والتي وجّهها لسفير بريطانيا، تُشير الى أن الصين بدأت تتحرك على طريق واضح بفضح الإرهاب الدولي وقِواه المُتسربِلة بالظلام، فقد كان مُلاحظاً سابقاً أن الصين لم تكن ترغب بإقحامِ نفسها في مُستنقع الأزمة السورية، سيّما وأنها هي نفسها تعاني من جيوش الإرهاب الدولي التي تحمل الجنسية الصينية وغير الصينية، وهي كلها بدون استثناء، قيادات وعناصر عمِيلة ومرتَهَنة للغرب وأمريكا، وموجهة للنيل من الصين.
موقف الصين كان ومايزال يَرفض مختلف أشكال الارهاب والعنفين الإجتماعي والدولي، ويِشجب التطرّف السياسي وتوظيف السلاح لقلب الحكومات والأنظمة من خلال سفك الدماء، وهي ترى بأن ذلك لا يَمت للمُعَارضة بصِلة. فمن يَحمل السلاح ويَستهدف الآخرين بالقتل والسحل والتدمير يَنزع عن نفسه صفة المُعَارض والمُعَارضة، التي يجب أن تكون سلمية وتتوافق مع المنطق الانساني، وبأن تنأى بنفسها عن تغلغل الأجنبي الطامع وأهدافه الشريرة والقتّالة.بتقديري وقناعتي، أن الصين ستستمر بانتهاج خطاب سياسي هادئ وغير حاد في الأزمة السورية، ولن تشارك على المدى القريب في العمليات العسكرية الى جانب روسيا، فالهدف الرئيس للصين مايزال، إضافة الى ما تقدم، “تحويل العالم سلمياً”، والتخلّص عن طريق الاقتصاد من ربقة الإمبريالية العالمية وأدواتها بالتدريج و.. “النفس الطويل”.
ولا يجب أن ننسى هنا، بأن تركيز الصين على تحشيد العالم برمته لإنجاح مبادرة الحزام والطريق الصينية التاريخية، سيؤخّر دخولها المباشر الى الحلبة العسكرية السورية، سيّما كذلك لرؤية الحلول التدريجي محل الولايات المتحدة اقتصادياً، ويترافق ذلك كما أرى باستبعاد الهزات المحتملة للاقتصاد العالمي، خشية حدوث إنهيارات وفوضى شاملة، قد تذوب معها التريليونات الصينية المُوظّفة في الخزانة الأمريكية، فالصين هي أكبر حائز للدين الأمريكي، وبمعنى أخر، الخزانة الأمريكية مُدانة للصين بشكل كبير، وهو ما يمنحها الحق بتشكيل حكومة ظل عالمية.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.