الصين و”الصينية” في عائلة أُردنية ـ روسية
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
لا أعرف عائلة أردنية أحيت رأس السنة الصينية في ديرتها الصغيرة. لكن المجتمع الصيني في الأردن، وتعداده كبير، احتفل برأس السنة القمرية الصينية وبعيد الربيع بأجمل وأحلى صور، وعلى نطاقات إجتماعية واسعة في البلاد، وفي إطار سفارة جمهورية الصين الشعبية أيضاً.
في سفارة جمهورية الصين الشعبية الحليفة بالأردن، عدد كبير من الدبلوماسيين والإداريين، وبعض العرب الأردنيين، والى جانب السفارة تعمل في الأردن مؤسسات تجارية واستثمارية صينية، وقد شرعت جميعها بالاحتفال بالأعياد قبيل حلولها بأيام.
لكن التميّز الإحتفائي بالأعياد الصينية برأيي، إنما هو ذاك الذي يجري في نطاق أردني مَحض، والذي لا ترافقه تحضيرات رسمية أو دبلوماسية أو غيرها.
والإحتفال في نطاق عائلة أُردنية بالأعياد الصينية، هو تقدير كبير يَسكن القلب ويُعمّرهُ بالمحبة والتقدير للصين، وتعبير عما يكنّه للاحتفال أصحاب الاحتفال في ظروف محلية بعيدة عن الحدود الصينية، لكنهم يلتصقون بالصين فكراً وعاطفةً وتاريخاً وحيواتٍ.
الاحتفال الذي أقامته عائلتي بهذه الأعياد، وبرغم أن أفرادها لا يتقنون اللغة الصينية، ولم يولدوا في الصين، ولم يسكنوا فيها، يؤكد أن الصين محبوبة على نطاق واسع، وأنها تسكن في أفئدة البشر من أصحاب القوميات والألسن والسِّحن المختلفة.
والتميّز الآخر في هذه العائلة، هو صداقتها الطويلة والدهرية مع الصين وتحالفها معها، وهو تحالف ورثه أفرادها أباً عن جدٍ، وبكل ما في الكلمة من معنى، أضف إلى ذلك تلكم العقد الأخلاقي والسياسي والحياتي الموقّع روحياً بينهم وبين الصين، وإخلاصهم للمُثلٍ الفكريةٍ التحالفية الاستراتيجية مع الدولة الصينية، وتعزيز القواسم المختلفة وإيّاها، واعتبارها قاعدة أساسية لحياتهم ونجاحاتهم، بصور مباشرة وواعية.
في بيتي وفي عائلتي احتفلنا برأس السنة الصينية، إبتداءً بيوم الجمعة27 كانون الثاني/ يناير الحالي، منذ صباحه، وامتد الاحتفال لفجر السبت 28 منه. لقد كان الاحتفال مُفعماً بالبهجة ومشاعر السرور، وكانت الاحتفائية غير معهودة، فأطباق الأطعمة والحلويات غير صينية، بل عربية، أردنية وروسية، والسبب بسيط، وهو عدم توافر أطعمة احتفالية صينية في المَحال الاردنية، وعدم معرفتنا بطرائق تحضيرها، لكن معنى الاجتماع الاحتفائي والأجواء التي أقيم فيها صينية، ومن ضمنها زينة الاحتفالية التي تحمل لاصق: “صُنع في الصين”.
وفي السنة الصينية الجديدة، التي هي سنة الدجاجة، معنى خاص. فللدجاجة مكانة متميزة، إذ يجتمع العالم كله على محبة هذا الطير المُسالِم، الذي يزوّدنا بإنتاج يومي وفير ومُحبب للكبار والصِّغار. فالدجاج يعيش ويعمل لصالح الانسان الذي يتغذى عليه، فلهُ مِنهُ طعام مثالي ومليئ بالفيتنامينات بلا مقابل. والانسان المبدئي كمِثال الدجاجة، فهو يعيش بالمبدأ ويقدّم لغيره بلا مقابل مادي. وهذا السبب كان أحد الاسباب الرئيسية التي جعلتنا نشعر بالمعنى الكبير لهذا العيد لدى الصينيين، المُحبّين للطبيعة وعالمَي الفلورا والفاونا.
كان إحتفالنا بالعيد صينياً بامتياز، وساعد على ذلك أن الفضائيات الصينية الثلاث التي تصلنا بلغات ثلاث هي العربية والصينية والإنجليزية، قد عرضت الكلمة الاحتفالية بالعيد، والتي ألقاها على الأمة وأصدقاء الصين في العالم، فخامة الرئيس الحليف شي جين بينغ، وقد تابعناها باهتمام بالغ، وتوقفنا عند معانيها وأبعادها الصينية والأممية، وتأثيراتها على الأفراد والأمم.
أضف الى ذلك، أن الفضائيات الصينية فاضت بمختلف الفقرات الاحتفالية، والأغاني والرقصات والمنوعات الفنية على اختلافها، وعرضت للفلكور الشعبي الصيني وفنون التاينجي التقليدية، التي تظهر الروح الطيبة للعسكريين الصينيين، فشعرنا بسحر الثقافة الصينية الفريدة، ناهيك عن عروض احتفائية بالطلبة الصينيين الذين يتقنون العربية، وهي تعبير عن رسوخ الصداقة الصينية العربية وصلابتها.
وبكل ذلك وغيره، لم ينقصنا شيء لإضفاء أجواء المرح في العيد على عائلتنا، ولا نغفل هنا الدور الكبير والأساسي للبث الفضائي الواصل إلينا من بيجين.
ولقد لفت انتباهنا على وجه الخصوص في كلمة الرئيس، مطلبه من شعبه الالتزام بالمثابرة والعمل الجاد لصالح الأمة الصينية، وضرورة نشر الثقة عبر الأمة، وتأكيده أن الصين تقدّر العدالة والاستقامة، وأنه يتعين على الجميع “معاملة بعضهم البعض بأمانة وإخلاص”.
ولم يَغفل الرئيس الحليف “شي” عن الإشادة بالنمو الاقتصادي المستمر، وتعميق الاصلاح في عام2016، وتحسن أحوال معيشة المواطنين، وتعزيز حكم القانون والحوكمة الصارمة والرشيدة في الحزب الباني، وكذا التقدم الذي تم في التخفيف من نسب الفَقر وحدّته، وانخفاض عديد الفُقراء في الريف، من770 مليون إلى55.75 مليون، في الفترة ما بين1978 و2015. كما خَرَجَ 10ملايين مواطن صيني من دائرة الفقر، في العام الماضي2016م، وتهدف الصين إلى مساعدة10 ملايين آخرين على الأقل هذا العام لتخليصهم من الفاقة.
وتناغمت أقوال الرئيس “شي” بأفعاله، إذ صرح هذا الأسبوع خلال جولة تفقدية في مقاطعة خبي شمال الصين، ان مكافحة الفقر مهمة أساسية في “بناء مجتمع مزدهر باعتدال”.
كما لفت انتباهنا وأُسرتنا، الى أن الرئيس العزيز “شي” قد حثّ الأمة على تكريم المجتهدين والأبطال والعمال المثاليين، والمحاربين القدامى، وكل من أسهم ويسهم في تنمية الصين، وقال كلمات ثمينة هي: “يريد الشعب الصيني تحقيق أحلام كبيرة، ولديه روح عظيمة للعمل بجد ومثابرة لتحقيق هذه الأحلام”.
وحث الرئيس “شي” الجميع على العمل بجد وإخلاص من أجل بناء مجتمع مزدهر باعتدال، وتحقيق الإحياء العظيم للأمة الصينية، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية جمعاء.
كانت عقيلتي الروسية مرِحة للغاية في العيد، فقد عملت لساعات طويلة في إعداد أشهى الأطعمة والحلويات لإكساب العيد أجواء مميزة، فهي تحب الصين حبّاً جَماً، إذ اكتسبت مَحبتها لشعب الصين بالمبادئ والمواقف التي تحملها في عقلها وقلبها، فهي المهندسة والقلمية التي تتلمذت – وإلى جانبها أنا شخصياً- على يد أحد أقربائها، وهو العَميد العسكري الكسندر زخاروفيتش رومانينكو، المجد والخلود له، الذي قاتل على “الجبهة الشرقية”، في الحرب السوفييتية – الالمانية النازية للحرب العالمية الثانية، وانتقل بعدها فوراً الى ساحات الوغى لخوض الصراع الضاري ضمن قوات “النجدة الأممية” السوفييتية في الصين، وفي شبه جزيرة كوريا المعذبة أنذاك، فمرّغ بمدفعيته السوفييتية المضادة للطائرات والتي أحبها وأحبته، وجوه وجبهات المحتلين الأمريكان وحلفائهم الرجعيين في ما سُمّي بِـ “الاتحاد الدولي”، المعادي لشعوب “الهند الصينية”، بالتراب وألحق العَار بهم، وبزمرة الصهاينة الإسرائيليين الذين شاركوا في حرب كوريا1950-1953 بطائراتهم العدوانية، ضمن مهام اكتسابهم للخبرات القتالية تمهيداً بتخطيط من قياداتهم والغرب لتحقيق عدوان ناجح على الدول العربية.
لذلك، بقيت زوجتي يلينا وفيةً تماماً لوصية رومانينكو – هذا الجنرال البطل والصديق للأمة العربية، والمتخصص بالشأن العربي والصهيوني، ومؤسس ورئيس العديد من المنظمات الروسية المناهضة للصهيونية، وناشر الكتب النضالية – وحملت وصيته في نضالها الكتابي، فنشرت عن الشعب الصيني الصديق وما تزال تنشر، و سلّطت الأضواء على الصين ويومياتها خلال رئاستها الطويلة لِـ “ملحق الاستعراض الروسي”، الذي صَدر في الأردن خلال سنوات عديدة سابقة، فكان منبراً شجاعاً لا يَعرف خشيةً ولا تراجعاً، برغم الحصارات التي فُرضت عليه بشدة، واحتجاجات عددٍ من السفارات الغربية والآسيوية التابعة بلدانها للغرب، واستمرت، وأنا أُشدّد في عزائمها، لتُحرز الانتصارات في عملية تعريف القراء بالصين، بواقعية وموضوعية وقوة أدبية نادرة.
فشكراً للصين ورئيسها الحبيب “شي”، التي تدخل البهجة والسرور الى قلوب كل فرد من أفراد عائلتي الكبيرة، ولبقائها على الوعد والعهد التاريخي معنا ومع الأمم الثالثية، والباقية على تطلعاتها لتحقيق سلام البشرية وديمومة الابتسامة على شِفاه كل الخَلق، ونتطلع إلى بيجين في هذه الأيام السعيدة، بأمل بلوغها لمُرادها في اقتصاد عالمي للسلام والأمان للشعوب بأسرها، ولابعادها أشباح الماضي العدوانية وظلامها وظلاميتها، ولاستبعادها مُجتمعات الفقر ولوأدها الفاقة تدرجياً. وليبقَ الانسان وكل إنسان وبجهد صيني مبارك إنساناً يتمتع بإنسانية شفافة، لكونها هِبة أبدية مُقدّسة.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.