مركز دراسات الصين والعولمة يناقش العلاقات الصينية الأميركية في عهد ترامب (العدد 52)
مركز دراسات الصين والعولمة
تعريب علي ريا ـ
خاص بـ “نشرة الصين بعيون عربية”
قبل يوم واحد من أداء دونالد ترامب اليمين الدستورية في منطب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية في العشرين من كانون الثاني/ يناير، أصدر مركز الصين والعولمة تقريراً يعرض رئاسة ترامب من وجهة نظر صينية، ويقدم توصيات حول كيفية إدارة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة من خلال هذا التغيير التاريخي.
عارضاً التقرير الجديد “حقبة ترامب القادمة: التحديات، الفرص، والردود السياسية” في حفل الإطلاق، قال رئيس مركز الصين والعولمة Wang Huiyao إن الباحثين في المركز راقبوا الموقف السياسي الأمريكي منذ بداية الانتخابات الرئاسية عن كثب، شارحين تأثيره على العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، أكبر قوتين إقتصاديتين، وكذلك تأثيره على العالم.
وبحسب الدكتور Huiyao Wang، هذا التقرير يقدم تحليلات لشخصية ترامب، حكومته المختارة، والحالة الحالية للعلاقات الثنائية، ويحدد التحديات والفرص المحتملة خلال رئاسة ترامب. بالإضافة إلى ذلك، يقترح التقرير 10 تدابير سياسية قابلة للتطبيق للحفاظ على التنمية السلسة للعلاقات الصينية الأمريكية.
بعد مقدمة وانغ، شارك 14 باحثاً من مركز الصين والعولمة، صحافيون من 50 وسيلة إعلامية، وضيوف آخرون، في نقاش أستمر لثلاث ساعات، عارضين آراءهم وأفكارهم حول تأثير الانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة على العلاقات الثنائية، السياسة العالمية، والموقف الاقتصادي.
وقد حذّرت Chen Wenling، كبيرة الاقتصاديين في مركز الصين للتبادلات الاقتصادية العالمية، من إلغاء العولمة، الحرب التجارية، وحرب العملات، بصفتها التحديات الأساسية التي من الممكن أن تلحق أضراراً جسيمة بالطرفين، خصوصاً أمريكا التي ستخسر كثيراً من فرص وعقود العمل بسبب الرد الصيني، وهو ما سيضع العلاقات الصينية الأمريكية في خطر التدمير.
ووافق الأمين العام لصندوق آسيا والمحيط الهادئ Chen Yonglong أيضاً على أنه لا الصين ولا الولايات المتحدة من الممكن أن تستفيد من الحرب التجارية، ولكنها قد تسبب مزيداً من الضرر للاقتصاد الأمريكي، حيث اقترح أن تتمسك الصين بمبادئها وسياساتها لمواجهة التحديات الجديدة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، خلال الفترة الانتقالية الرئاسية وتغيّر السياسة في الولايات المتحدة.
من جانبه، يشعر He Ning، المدير العام السابق في إدارة الشؤون أمريكا وأوقيانيا في وزارة التجارة، والباحث الكبير غير المقيم في مركز الصين والعولمة، بإيجابية حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، حيث يؤمن بأنه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، كان كلام ترامب استكشافياً إلى حد كبير، ولا يعكس ميوله السياسية الحقيقية. وقال: “يجب على الرئيس الجديد أن يدرك بأن شعاره “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” لا يمكن أن يصبح واقعياً من دون الدعم المالي والتقني من ثاني أقوى اقتصاد في العالم. أيضاً، كرئيس، ستخضع قوته وأفكاره لقيود النظام السياسي، ولن تؤدي إلى أي إجراءات متطرفة. إلى ذلك أكد رئيس الغرفة الأمريكية للتجارة في بكين Alan Beebe على دور الشركات الصينية في التعاون التجاري الثنائي.
ودعا إلى تحسين شفافية السياسات الصناعية في الصين وسياسات حماية البيئة، لمساعدة الشركات الصينية والأمريكية للحصول على صفقة “رابح-رابح”.
وتعليقاً على محاولة ترامب لتحدي سياسة “الصين الواحدة” وإطلاق حرب تجارية ضد الصين، قال Paul Haenle، مدير مركز Carnegie–Tsinghua للسياسة العالمية، إن سياسة الصين الواحدة هي ليست في مصلحة الصين فقط، بل تفيد أمريكا والمجتمع الدولي أيضا.
وأضاف: “حرب تجارية لن تكون جيدة في النهاية للصين وللولايات المتحدة، وستضر الشركات الأمريكية”. واقترح أنه يتعين على الصين أن تتحلى بالصبر، وتحافظ على سياسة مستقرة مع الولايات المتحدة، وأن تجد قنوات للتواصل مع جميع المسؤولين الأمريكيين من كل المستويات.
من جانبه، اقترح He Weiwen، المستشار الاقتصادي والتجاري السابق في قنصلية الصين في سان فرانسيسكو ونيويورك، ونائب رئيس مركز الصين والعولمة، أنه على الصين أن تحدد السبب الحقيقي وراء الخلافات التجارية وأن تتواصل بشكل استباقي مع إدارة ترامب عارضةً الحقائق.
ومع ذلك، مقارنة مع الحرب التجارية المحتملة، فإن تحدي ترامب لسياسة “الصين الواحدة” يجب أن يسبب مزيداً من القلق. ويؤمن He بأنه إذا حاول ترامب بناء علاقات رسمية مع السلطات التايوانية، فسيسبب ضرراً فادحاً بالعلاقات الثنائية بشكل قاطع.
وأشار Zhu Yinghuang، رئيس تحرير موقع ChinaUSFocus.com ورئيس التحرير السابق لصحيفة الصين اليوم، إلى أنه على الصين أن تبقى حذرة من تحديات إدارة ترامب في مسألة بحر الصين الجنوبي. في هذه المشكلة، من الممكن أن يقوم ترامب بفتح مفاوضات كرجل أعمال، ولكن السياسات لا تمثله هو وحده بل مصلحة الحزبين الجمهوري والديمقراطي أيضاً والتي يصعب عكسها. وركز Zhu أيضاً على أن التعاون الإقتصادي سيستمر في لعب دور أساسي في تطور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الخلافات التجارية في بعض الأماكن أمر لا مفر منه، فهذه الخلافات لن تذهب بعيداً لتسبب حرباً تجارية ستضر الطرفين. أحد إجراءات ترقية العلاقات الإقتصادية الثنائية هو إعطاء دور الشركات المتعددة الجنسيات أهمية قصوى كمحققة للاستقرار.
ورأى Teng Jianqun، مدير قسم الدراسات الأمريكية في معهد الصين للدراسات الدولية، أن عقلية وخلفية ترامب التجارية أصبحت عاملاً أساساً في صنعه للقرار. على سبيل المثال، العديد من مرشحيه لمجلس الوزراء هم من وول ستريت. بعد أدائه اليمين الدستورية، قد يستخدم مثل هذه العقلية التجارية لـ “إدارة” السياسة الداخلية وعقد صفقات في العلاقات الدولية.
وبالتالي، نصح بأن يأخذ في عين الإعتبار توجه ترامب التجاري، بحيث تستطيع الحكومة الصينية أن ترسم استراتيجيتها في تعزيز التعاون الثنائي في مجال الأمن الوطني والتنمية الاقتصادية للحد من الصراع وخلق قوة دفع جديدة لتنمية العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وعرض Lv Xiang، الخبير في سياسات الولايات المتحدة من الأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية، والباحث الكبير غير المقيم في مركز الصين والعولمة، تحليلاً مفصلاً حول انتخاب ترامب وسياساته.
ويعتقد أن جوهر سياسات ترامب المحلية المقترحة يقوم على تحرير الإنتاج من جهة العرض عبر توسيع القدرة الانتاجية في قطاعات الصناعات التقليدية على غرار الفحم والغاز. وبالتالي تتمحور سياساته الخارجية على “التدخل من جهة العرض”حيث تهدف إلى توسيع نفوذ الولايات المتحدة من خلال إحتواء قوة البلدان الأخرى.
دول منظمة الأوبك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون الهدف الأول للتدخل، تليها الصين. إدراة ترامب، كما يعتقد Lv، سوف تجرب كل الوسائل الإقتصادية والدبلوماسية لتقييد إنتاجية الصين.
ويضيف: “على الرغم من أنه يمتلك إدراكاً جيداً جداً في السياسة والإستراتيجية، ولكنه يفتقر إلى الفهم المنهجي للشؤون الأمريكية والعالمية، لذلك قدرته على الحكم لا تزال موضع سؤال. إن جماعات المصالح التي تقف خلفه قد تزيحه من مكتبه يوماً ما في المستقبل. إذاً، يجب علينا مراقبة التقدم في السياسات الأمريكية عن كثب”.
التحديات والفرص في العلاقات الصينية ـ الأميركية
يتألف التقرير الذي أصدره مركز الصين والعولمة للدراسات (CCG) حول رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة من وجهة نظر صينية من سبع صفحات، وهو ملخص بالإنكليزية لتقرير موسع باللغة الصينية مؤلف من 15000 كلمة. وحسب هذا التقرير فإنه مع تسلّم ترامب للسلطة في واشنطن، فإن الصين تجد نفسها أمام ثمانية تحديات، كما هي ستكون أمام ثماني فرص، فيما يقدم التقرير عشرة اقتراحات لتعاطي الصين مع فترة حكم ترامب.
“نشرة الصين بعيون عربية” تعكف على تعريب التقرير كاملاً، وهي تقدم في هذه العجالة العناوين الرئيسية لما يراه التقرير تحديات وفرصاً في العلاقات بين البلدين، والاقتراحات لحماية هذه العلاقات وتعزيزها.
التحديات:
1ـ نية الانسحاب الأمريكي من شراكة المحيط الهادئ، وإعادة التفاوض حول أنظمة التجارة الدولية / الإقليمية، مثل نافتا ومنظمة التجارة العالمية.
2ـ اتهام الصين بالتلاعب بالعملة، واقتراح لرفع الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 45٪.
3ـ اعتماد الضرائب وتدابير مالية أخرى لتشجيع الشركات الأمريكية على العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
4ـ تحدي سياسة “صين واحدة” والبيانات المشتركة الثلاثة للصين والولايات المتحدة من خلال إصدار بيانات حساسة حول قضية تايوان.
5ـ استخراج الغاز الصخري في أمريكا واحتياطيات الفحم النظيف والانسحاب من اتفاق باريس للمناخ.
6ـ الضغط على الصين لاتخاذ اجراءات صارمة ضد تطوير كوريا الشمالية لسلاح نووي.
7ـ تشجيع اليابان وكوريا الجنوبية بشكل غير مباشر على تطوير سلاح نووي.
8ـ الحد من “قضايا القوى الطفيلية” عن طريق فرض تكلفة أعلى على حلفاء الولايات المتحدة مقابل الالتزام الأمني الأمريكي تجاهها.
الفرص:
1ـ التجارة الثنائية القوية تسمح لكل من الولايات المتحدة والصين بالتمتع بنتائج مثمرة من المصالح المشتركة والتعاون العميق.
2ـ يمكن للولايات المتحدة والصين تعزيز تعاونهما من خلال منصة جديدة للتجارة الدولية، مثل منطقة التجارة الحرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (FTAAP)، وإنشاء قواعد أكثر عدلاً للقرن ال21.
3ـ شهدت الاستثمارات المشتركة للولايات المتحدة والصين زيادة سريعة في العقود القليلة الماضية، وأصبحت العلاقات متكاملة كما لم تكن في أي وقت من التاريخ، وبالتالي إرساء أساس متين للبلدين لمواجهة التحديات.
4ـ تلعب الشركات المتعددة الجنسيات دوراً أساسياً في تحقيق الاستقرار في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. من خلال المحافظة على العاقات الاقتصادية الوثيقة مع هذه الشركات الكبيرة، فهي سوف تستمر في التأثير على القادة السياسيين في كلا البلدين من أجل ضبط النفس عند اتخاذ القرارات.
5ـ الصين لديها قدرة قوية وفريدة على المنافسة في بناء البنية التحتية. قد تصبح خطة ترامب لبناء البنية التحتية أبرز الوجوه الجديدة للتعاون بين الصين والولايات المتحدة.
6ـ بعد أكثر من ثلاثة عقود من التبادلات الثقافية، شهد العلاقات بين البلدين نمواً قوياً في التواصل في مختلف المجالات، مثل السياحة والتبادل الأكاديمي والهجرة. مع التشجيع المستمر، سوف يستمر هذا التوجه ليحقق مساهمة كبيرة في تعزيز التكامل الثقافي بين الولايات المتحدة والصين.
7ـ حكومات الولايات في الولايات المتحدة لديها درجة عالية من الحكم الذاتي وتحافظ على علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين. هذه العلاقات الاقتصادية الإقليمية القوية قد تسمح لحكومات الولايات في مساعدة كل من الولايات المتحدة والصين على تعزيز علاقتها.
8ـ مع الجهد التعاوني، يمكن للصين والولايات المتحدة أن تحققا إنجازاً مهماً في بناء الحوكمة العالمية وتقديم أشكال جديدة من المصالح العامة. تصديق حكومتي الولايات المتحدة والصين مؤخراً على اتفاق باريس للمناخ يمكن أن ينظر إليه على أنه برهان كبير على هذا التعاون.
عشر توصيات
ويخلص التقرير إلى أن على الصين والولايات المتحدة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لإعداد خطط طوارئ، والسعي للحفاظ على تنمية سلسة فى التجارة الثنائية، والتبادلات الثقافية، العلاقات الخارجية والحكم العالمي. وفي نهاية التقرير، يشير باحثو مركز الصين والعولمة إلى أن على البلدين المشاركة بنشاط أكبر في الجوانب العشرة التالية:
1ـ التحضير للقمة الصينية الأميركية، ودعوة فريق ترامب لزيارة الصين.
2ـ إعطاء الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية، وتعزيز التعاون في مجال التجارة الدولية والاستثمار في الخـارج.
بالنظر إلى الدور الحاسم الذي تؤديه الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات في العلاقات الخارجية، يتعين على الصين العمل مع هذه الشركات لتأكيد أهمية العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
4ـ تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي مع الولايات المتحدة، كالعمل معاً على بناء مؤسسة منطقة التجارة الحرة لآسيا والمحيط الهادي.
5ـ مواصلة تعزيز التبادل الشعبي بين الصين والولايات المتحدة، مثل السياحة، والتعليم، البحث العلمي والصحة العامة.
6ـ دعوة الولايات المتحدة للانضمام إلى بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية. تعمل الصين بالتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق تعاون أقوى وأوسع في بناء البنية التحتية، بما في ذلك الاشتراك في استكشاف الأسواق في بلد ثالث.
7ـ تعزيز التعاون الدولي مع حكومات الولايات في الولايات المتحدة،
ويمكن أن تشمل الأحداث المحتملة منتدى دورياً على مستوى المقاطعات.
8ـ إيلاء المزيد من الاهتمام للتعاون مع دول جنوب شرق آسيا واليابان وكوريا الجنوبية.
9ـ تعزيز التعاون بين الصين والولايات المتحدة في الحوكمة العالمية. ومن خلال جهد تعاوني، يمكن للولايات المتحدة والصين مساعدة المجتمع الدولي في تطوير وصقل نظام الحكم العالمي.
10ـ العمل بنشاط على تعزيز “دبلوماسية المسار الثاني” بين المؤسسات البحثية في البلدين، من أجل تقديم المشورة بشأن السياسات لكلا الحكومتين الصينية والأمريكية.
مركز الصين والعولمة
مركز الصين والعولمة تأسس عام 2008، لديه ما يقرب من مئة من الباحثين المتفرغين والموظفين العاملين.
نشر المركز خمسة كتب زرقاء بواسطة أكاديمية الصحافة الصينية للعلوم الاجتماعية، والعديد من التقارير والكتب لصانعي السياسات وللجمهور.
يقع مقر المكز الرئيسي في بكين، وقد أنشأ معاهد بحوث في قوانغتشو وتشينغداو، وشنتشن، وله ممثلون في الخارج.
وفقاً لدليل العام 2015 العالمي (Go To Think Tank Index) الصادر عن برنامج جامعة بنسلفانيا لمراكز الدراسات والمجتمع المدني، فإن مركز الصين والعولمة يحتل المركز 110 في قائمة أهم مراكز الدراسات في العالم، وهو واحد من أبرز خمسين مركز دراسات مستقل، وواحد من أهم مئة مركز دراسات يستحق متابعته في العالم.
الدليل صنّف مركز الصين والعولمة أيضاً كسابع مركز للدراسات في الصين من حيث الأهمية، والمركز المستقل الأول على مستوى الصين.