العرب والصين.. معاً على طُرقِ الحرير (العدد 53)
صالح عيدروس علي
كاتب يمني
خاص بـ “نشرة الصين بعيون عربية”:
“طريق الحرير” هو الطريق العريق الذي شكّل شرياناً للتبادل التجاري بين الشرق والغرب في العالم القديم، إذ سلكته القوافل والسفن المنطلقة من جنوب آسيا، وصولاً إلى مصر وإيطاليا فمنطقة الخليج العربي. وسُمّي بهذا الإسم نسبة إلى “الحرير” الذي أزدهرت تجارته في الصين خلال عصور ما قبل الميلاد، وسلك نحو عواصم الأرض في طُرقٍ رئيسة، تتشعب عنها طرق ثانوية.
كان العرب وبخاصة اليَمنيين والعُمانيين حتى قبل ظهور الإسلام على معرفةٍ ودراية متكاملين بخطوط التجارة البحرية والبرية مع الصين، ذلك أن تجارة الشرق (خاصة الصين والهند)، ثبّتت مرورها ببلاد العرب، سيّما اليمن، وتوثـّقت علاقاتها مع الصين وغدت ضاربة جذورها في تخوم الزمن السابق، فاتّسمت بالتواصل الحميم الذي يُشير إليه المؤرخون والرحّالة بالطريق المُسمّى طريق الحرير، وكذا أهمية بلاد العرب من موقع إستراتيجي هام على بحار وخلجان ومحيطات العالم عبر طريقين رئيسيين، الأول يَمر بعدن في جنوب غرب اليمن نحو البحر الأحمر، إلى حيث تمخر السفن محمّلةً بالبضائع والبعض منها يواصل مسيرة في البحر الأحمر مروراً الى ميناء السويس المصري ثم تفرغ حمولتها وتنقل البضائع بالقوافل الى الموانئ المصرية على البحر المتوسط وبخاصة ميناء الاسكندرية.
والطريق الثاني يفرغ حمولته في عدن ثم تحملها القوافل براً عبر الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر، وتمر بمكة المكرمة التي شكّلت مركزاً تجارياْ مهماً، وغيرها كان يستمر بمسيره الى ميناء غزة في فلسطين.
واليوم، وحين طَرح فخامة الرئيس الحليف شي جين بينغ، في خطابه التاريخي في جامعة نزارباييف، في السابع من أيلول/ سبتمبر2013م مبادرته ببناء حزام إقتصادي على طريق الحرير البري، ضمن مبادرتين طرحتهما الصين، الأخرى تتعلق بتطوير طريق الحرير البحري، إنما يَنشُدُ إضاءة الطريق من جديد أمام مبادرة تستعيد مَجد الأُمم التي شاركت الصين سابقاً في أمجاد طريق حرير أممي ساوى بين جميعها.
مبادرة الرئيس “شي” في القرن الجديد تُعيد الألق والأهمية لطريق الحرير القديم، ولدور الشعوب في ترتيب عالم جديد سوياً مع الصين والى جانب أفكارها الحيوية، المُستندة الى كثافة في التوظيفات المالية لتُكِسب تلك الشعوب ـ ومنها العربية وللمرة الأولى بعد انكسار الأمة بفعل الغزوات الاستعمارية ـ أهمية جيوسياسية كونية نافذة، وليعود العرب بالتالي وبمبادرة “شي” إلى صَدارة السياسة العالمية، ليقرروا مع الصين والشعوب المتصادقة وضع اللّمسات الأخيرة لصرح عالمي نزيه، ويَفيض بالاكتفاء الاقتصادي الذاتي لكل البلدان، ولتتمتع بالاستقلال المُستند إلى تقاسم تسويق الثروات الوطنية، ضمن تبادلية نوعية لم يسبق لها مثيل، موسومة بمبادرة الحزام والطريق، الذي يتعامل ضمنه الجميع بسواسية بفضل الدراية السياسية الشاملة وبُعدِ بصيرة الرئيس الحليف شي جين بينغ.
يُعرب مليارات شرفاء العالم اليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات ونيّف على طرح الرئيس “شي” مبادرته “الحريرية”، عن ثقته الكاملة بأهداف “شي” الشريفة والعميقة الحريصة على سلام ووحدة العالم في اقتصاد نوعي، من خلال زيادة الفرص الاستثمارية الواعدة، والطموحات التي ستتحقَّقُ بتعزيز التعاون الصيني العربي في مناحي السكة الحديدية، والطرق العامة، والموانئ، والطيران المدني، والاتصالات، ومجالات أخرى تشمل الطاقة النووية والشمسية والرياح، وارتياد واكتشاف الفضاء والنفط والغاز الطبيعي، ما يُعزز الترابط على مستوى البُنية التحتية، إضافة إلى توسيع التواصل وتشجيع الحوار بين الثقافات، وتعزيز الفهم المتبادل بين الشعب الصيني والشعوب العربية التي ستعود مدنها ومحطاتها البحرية إلى الصدارة.