الارتباك #الأميركي أمام #الصين
المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“ – غالب قنديل*
التهديد بتحرك هجومي شامل اقتصادياً وسياسياً ضد الصين، إضافة إلى تصعيد الخطوات العسكرية والأمنية التي اتخذتها إدارة اوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ضمن ما سمي “محور لآسيا” الموجّه ضد الصين كانا من أبرز المحاورفي الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اعتبر أن الصين اجتاحت الاقتصاد الأميركي بجميع فروعه وقطاعاته، واستقطبت الثروات والرساميل الأميركية للاستثمار لديها، وباتت بذلك تمثل التحدي الأبرز للولايات المتحدة في العديد من الأقاليم التي تمثل مجالاً حيوياً مشتركاً، ولذلك أعلن تعليق العمل بمعاهدات واتفاقات وقعت عليها حكومة واشنطن في السابق للتعاون الإقليمي.
بعض المعلقين الأميركيين اعتبروا قرارات إدارة ترامب الخاصة باتفاقية دول الباسيفيك كمن يطلق النار على قدميه، لأنها في رأيهم ستدفع الحكومات الشريكة قسراً في طريق البحث عن التفاهمات الممكنة مع الصين الجاهزة لتقديم التسهيلات والحوافز بسخاء، وبالتالي احتواء بعض الدول التي سعت واشنطن إلى تحريضها وتحريكها ضد الصين ونفوذها الإقليمي، وقد صبّوا انتقادهم على شخص الرئيس الأميركي بعد مكالمته الاستفزازية مع رئيس الوزراء الأسترالي ضمن هذا السياق، ووصفوا سلوك ترامب بأنه تجنيد حلفاء جدد للصين.
الباحث الاستراتيجي الأميركي البارز مايكل كلير اعتبر في مقالة نشرها مؤخراً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما شرح شعاره “أميركا أولاً” عارضا التهديدات الاقتصادية والاستراتيجية لموقع الولايات المتحدة كقوة عالمية قائدة، كان يقرّ واقعياً بأن الصين باتت تحتل المرتبة الأولى من حيث القوة الاقتصادية في العالم، بكل ما يترتب على هذه المكانة من عناصر فعل وتأثير كبرى، سياسية واستراتيجية، بينما وضع ترامب ـ كما استنتج كلير ـ القوة الروسية في المرتبة الثانية، ليقر جهاراً بتحول الولايات المتحدة إلى القوة العالمية الثالثة من حيث المكانة والتأثير.
في نظر كلير إن الصين باتت اليوم تمسك براية العولمة الجديدة، وهي القوة الدافعة لمواصلة تحرير علاقات التبادل على المستوى العالمي. وفي حين تبدو إدارة ترامب في حالة ارتباك وتردد أمام التحدي الصيني، تدافع الصين عن مفهوم للعولمة يقوم على نشر التكنولوجيا بدلاً من احتكارها، وبناء علاقات تعاون اقتصادي ومناطق للتجارة الحرة على أساس التكافؤ والنديّة بين جميع الدول، كبيرة وصغيرة، قوية كانت أم ضعيفة.
سجلت الصين في نظر بعض الخبراء نقطة متفوقة على إدارة ترامب برفعها لراية الطاقة الخضراء، وبحضورها اللافت وخطاب رئيسها المميز خلال مؤتمر دافوس الأخير الذي غاب عنه كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. وقد جاء الإعلان الصيني بينما أعلنت إدارة ترامب انقلابها على معاهدة باريس وتنصّلها من التزامات الإدارة السابقة في خصوص الانبعاثات الحرارية وشروط استخدام موارد الطاقة بفعل حماستها الشديدة لتنشيط صناعة استخراج النفط الأحفوري.
تتقدم على هذا النحو الميزات التفاضلية الصينية في العلاقة بسائر دول العالم وتكتلاته الإقليمية، بينما على النقيض تقوم السياسات الأميركية على تقويض سيادة الدول واستتباعها بسيطرة محكمة اقتصادية وسياسية، لسلب الموارد والهيمنة على الأسواق، وهو ما وصفه فريق من الباحثين بنزعة الأمركة المغلّفة بحملات دعائية عن القرية الكونية والعالم المفتوح خلال العقود الأخيرة، وبالذات منذ نهاية الحرب الباردة، وأطلق عليه آخرون تسمية الهيمنة الأحادية، بينما اعتبره العديد من المفكرين نظاماً استعمارياً جديداً يستبيح سيادة الدول ويفتح بوابات حروب وغزوات جديدة، فالعولمة الأميركية الاقتصادية والتجارية هي وصفة للهيمنة اقترنت بعولمة الحروب، ونشرت كوارث عالمية أوقعت ملايين الضحايا حتى اليوم.
في معاهد التخطيط الأميركية غلبت على معالجة المعضلة الصينية تحذيرات من عواقب التصادم المباشر ومن احتمال قيام ردود صينية موازية تقود إلى عزلة اميركية من خلال قيادة بكين لتيار عالمي يقابل التدابير الأميركية بإجراءات معاكسة، وهو ما يعني تحمّل واشنطن لعواقب قاسية ومكلفة في جميع مجالات المنافسة. ومن هذا المنطلق تغلّبت الدعوة إلى الاستراتيجية غير المباشرة عوضاً عن التصادم المباشر، وهو ما يفسّر تصاعد الضغوط على إيران وعلى كوريا الشمالية التي تحاصَر بذريعة التسلح النووي من دولة هي مالكة لأضخم ترسانة نووية في العالم، بينما تجاهر بيونغ يانغ بالطابع الدفاعي لنشاطها النووي، بينما يسعى الأميركيون كذلك لمحاصرة برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ذات الطابع الدفاعي بعدما أجبرتهم المعادلات الواقعية على التراجع من سقف خطاب دونالد ترامب الذي دعا لتمزيق الاتفاق النووي إلى الكلام عن تطبيقه بحذافيره! وفي الحالتين يختار ترامب المواجهة بالواسطة مع الصين عبر استهداف حليفيها، في حين أجبرته التداعيات في سورية على عقد أول لقاء مع روسيا على مستوى رئيسي الأركان في انطاليا التركية، بحيث تراجع حزب الحرب الأميركي الذي اعترض الاتصالات الأميركية الروسية منذ أواخر ولاية باراك اوباما.
*رئيس مركز الشرق الجديد للإعلام والدراسات