“ثاد” لحربين باردة وساخنة!
نشرة الصين بعيون عربية ـ الأكادِيمي مروان سوداح*
لا يمكن سوى للأغبياء والمجانين والمعتوهين تصديق مزاعم الإدارتين الأمريكية والجنوب كورية ومَن لف لفهما، بأن إرساء السلام والأمن في منطقتي شرق وجنوب شرق آسيا إنما سيسود بنشر منظومة “ثاد” الصاروخية، المُصوّبة نحو الشمال الكوري والأراضي الصينية والروسية.
وعلى العكس من تلك المزاعم، فإن نشر “ثاد” يَعني تهديداً حربياً مباشراً للدول الثلاث أولاً، وزعزعةً للأمن الإقليمي برمّته وفي الدول الحليفة لواشنطن ثانياً، واستحداث سياسة الفوضى غير الخلاّقة فيها كلها على نمط الفوضى في سورية والعراق وليبيا ثالثاً، وافتعال بؤر توتر جديدة في منطقة أُلحقت بواشنطن فيها نصف هزيمة سياسية وعسكرية وإقتصادية رابعاً.
الصين وروسيا وكوريا الديمقراطية تعتبر أن “ثاد” تهديد لأمنها، فقد سبق للمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية (هونغ لي)، أن صرّح بتاريخ 15/02/2016: “إننا نشعر بقلق بالغ إزاء احتمال نشر نظام “ثاد” الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، حيث أن مدى هذا النظام أكبر بكثير من مجرد الضرورة الدفاعية في شبه الجزيرة، ونحن “لن نسمح” بالإضرار بمصالح أمننا الوطني “فضمان مصالحنا الأمنية أمر واجب”.
وبالنسبة لموقف موسكو، عبّر السفير الروسي لدى جنوب كوريا ألكسندر تيمونين، يوم 30/6/2016 عن معارضته لِـ “ثاد” بقوله: “الجانب الكوري الجنوبي والشركاء الأمريكيون يَعرفون الموقف الروسي بشكل جيد، والمُتمَثّل بالرفض القاطع لنشر منظومات “ثاد” المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، لأننا نعتبر أن ذلك يُمثّل تهديداً لأمن بلادنا”.
لقد لاحظتُ كمتابع لِـ “مسألة ثاد”، أن نشرها تم لصالح احتكارات السلاح الأمريكية والمَجمع الصناعي العسكري، لا سيّما بعد إعلان واشنطن عام 2014م عن نصب درعها الصاروخي “المُحيط بالصين”، بذريعة مواجهة صواريخ كوريا الديمقراطية.
واليوم، تسعى “الإدارة” بهذه الصواريخ لاجترار العداء للصين؛ وتسويق “المحافظين” المُعادين للصين وكوريا الديمقراطية إلى سدّة الرئاسة في (سول)، خشيةً من تنصيب رئيس كوري جنوبي جديد يُعارض نشرها، لا سيّما بعد رحيل الرئيسة (بارك)، التي شرّعت نشر المنظومة الصاروخية بهدف النيل من جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ولتوسيع المخالب الأمريكية لتشمل ـ كما يَحلمون الصين وروسيا ـ في محاولةٍ لمحو التطبيقات الاشتراكية في الإقليم، ولكسر شوكة البلدين وصمودهما بوجه الهيمنة الأمريكية، بخاصة بعد الفشل الذريع لِـ (مشروع مارشال) القديم بفرض الإرادات العسكرية والسياسية والإقتصادية الأمريكية على دول المنطقة، فكان والحالة هذه جموح جديد للنيل من كوريا والصين وروسيا بضربة واحدة (!)، فرغبة بتفريغ هذه الدول من مِثالها وأسباب قوتها المتصاعدة وجبروتها، بخاصة عسكرياً واقتصادياً.
ولقد كان لفشل (مشروع مارشال) بإخضاع بيجين وموسكو وبيونغيانغ وصعود نجم الصين عالمياً، تداعيات جد سلبية على الداخل الأمريكي وسياسة واشنطن الدولية، إذ غدت الصين الدولة الاقتصادية الأُولى والأكثر جذباً للعالم الذي بدأ يَبحث لنفسه عن أصدقاء وحُلفاء غير “العم سام” و”الكاوبوي”، على خلفية دنو نهاية الدولار وسقوط الإمبرطورية الأمريكية.
كما لم يكن نشر “ثاد” رداً على المخاطر المزعومة من جانب كوريا الديمقراطية وصواريخها النووية، ولم تكن كذلك السيمفونية المُهترئة لما يُسمّى بـِ “الخطر الشيوعي” الصيني – الكوري، و”خطر بوتين”، بل كان نشر المنظومة تسريعاً غربياً للعودة إلى الحربين الساخنة والباردة ضد الصين وروسيا وكوريا الديمقراطية، ولرغبة هذا الغرب المتأصلة بإضعاف تلك الدول وتصفيتها.
. وبعدما فشل الغرب بهدفه هذا من خلال حروب الغاز والنفط وسورية والإقليم العربي، وسقوطه المدوي والذريع في شبه جزيرة القرم، حيث فشلت القوى الغربية برمتها بقطع تواصل روسيا مع العالمين العربي وغير العربي من خلال إغلاق البحر الأسود بوجهها، فقصم ظهرها.
ولم يَنجح الغرب برمته أيضاً بتقزيم العَملقةِ الصينية وحَرق كوريا (المُعذّبة بين سنوات 1945 -1953 وللآن)، ولم تَنجح مساعي الغرب كذلك باستعداء بيجين على عواصم دول شرق أسيا ودفعها لمواجهات حربية معها وضد تايوان واليابان، ومن خلال القرار الجائر لما يُسمّى بالمحكمة الدولية، فيما يتعلق بالفيليبين. لكن نشر “ثاد” يأتي استكمالاً لجهود تقصير الزمن المطلوب لطيران الصواريخ الأمريكية إلى أهدافها الاستراتيجية داخل الصين وروسيا.
وبهدف تبرير نشر “ثاد” شن الغرب وحلفاؤه حرباً إعلامية طويلة. لكن وراء الستار الثخين من هذا الضجيج ومزاعم التهديدات والمخاطر من طرف الصين وروسيا وكوريا الديمقراطية، أسباب سياسية أخرى، تتعلق أساساً بالفضائح والخزي وانهيار النظام الأخلاقي – السياسي في جنوب كوريا، حيث طالت الفضائح جوهر النظام هناك ورؤوس الفساد والإفساد في رئاسة جنوب كوريا ورئيستها بارك جيون بالذات.
“تصوّروا” معي لوهلة: ما هي علاقة أمريكا البعيدة جغرافياً بمنطقة شرق آسيا، ولماذا تَنقل إدارة ترامب قوات جديدة إليها، وألا يَكفي “الإدارة” إستعمار جنوب شبه جزيرة كوريا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، ونشرها على التراب الكوري قرابة (50) ألف عسكري، مُجهّزين بصنوف الأسلحة الأكثر تطوراً وبضمنها النووية؟ والسؤال الآخر المشروع هنا: لماذا يُكدّسون كل هذا السلاح في جنوب كوريا المُحَادِدَة لكوريا الديمقراطية والصين وسيبيريا حيث توجد ثروات طبيعية متميزة، ومنابع روسية هائلة للنفط والغاز والمعادن؟!
والجواب بسيط: الأزمة العميقة التي تلف أمريكا وجنوب كوريا ومعها محور الشر في تايوان واليابان وغيرها، لا يمكن أن تُحل – بحسب قاموس الاستعمار – سوى بمزيد من الاستعمار والهيمنة وإخضاع مجموعة جديدة من الدول والشعوب، ليُسخّروها عبيداً لإنقاذ اقتصاداتهم وسياساتهم المتآكلة، التي أضحت مُهمّشة عالمياً بسبب صمود الدول الثلاث: الصين بإشتراكيتها ذات الألوان الوطنية، وروسيا بوتين التي تقاتل نظام الشرير الدولي في سورية وتعقد حِلفاً استراتيجياً مع الصين؛ وكوريا زوتشيه وسونكون الكورية الصامدة صمود الجبابرة، والتي أضحت وبرغم مساحتها الصغيرة وعدد سكانها القليل، دولة كبرى وجبّارة ومتطورة علمياً وتعليمياً وثقافياً برغم الحصار المضروب عليها إمبريالياً، وها هي تطلق الأقمار الصناعية وتنتج الصواريخ النووية، وتخترع أسلحة نوعية غير مسبوقة ورادعة للعدو الدولي.
*رئيس الإتحاد الدولي للصحفين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين ورئيس مجلس التضامن مع الشعب الكوري ومُناصرة توحيد شطري كوريا.
** المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“