الصين كما رأيتها.. من الأب إلى الأبن
يوميات رحلة إلى الصين
نشرة الصين بعيون عربية ـ
علي مهدي محمود ريا:
(العدد السادس والستون)
عندما كان أبي يتكلم عن الصين ويصورها لنا من خلال زيارتيه إليها، لم أكن أتخيل أنني سأزورها، على الأقل ليس قريباً.
يوم الإثنين 10/4/2017 اتصل بي ليطلب مني تجهيز أوراقي للسفر، ولكن إلى أين؟ كان السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهني، وكانت الإجابة أكثر من مفاجأة: لقد أختارني لتمثيل ”موقع الصين بعيون عربية“ في ندوة حول “الإعلام الجديد على طول الحزام والطريق” في العاصمة الصينية بكين.
اهتممت بالصين منذ سنوات، تابعت أخبارها، شاهدت مئات لا بل آلاف الصور عنها خلال فترة عملي في الموقع، سمعت ما قاله أبي عنها وقرأت ما كتبه، ولكن لزيارتها طعم آخر.
تبدأ الحكاية من مطار بيروت، علماً أنها المرة الأولى التي أغادر البلاد فيها، توجهنا ظهر السبت إلى المطار، أتممت إجراءات السفر وتوجهت إلى قاعة الانتظار، هناك بدأت الأفكار تتوارد إلي تباعاً: هل ستكون الرحلة سهلة؟ ماذا سأرى هناك؟ كيف تبدو الصين حقا؟
شعور بالقلق والخوف انتابني للحظة، قطعه نداء إلى ركاب الطائرة المتوجهة إلى الإمارات العربية المتحدة بالتوجه إلى بوابة الدخول، توجهنا إلى الإمارات ومن هناك ركبنا الطائرة المتجهة إلى بكين. في الطائرة وعلى المقعد المجاور لي تعرفت إلى صديق لبناني آخر مشارك في الندوة نفسها. زال بعض التوتر، على الأقل سأجد هناك شخصا أعرفه. أكملت الطائرة طريقها، وبعد حوالي الثماني ساعات في الجو حطت الطائرة في مطار بكين والساعة تشير إلى الرابعة ظهراً بالتوقيت المحلي.
في بكين السماء زرقاء صافية، خالية من الدخان والغبار، وهذا من حسن حظنا. استلمنا حقائبنا وتوجهنا إلى بوابة الوصول. هناك كانت إحدى المنظِّمات بانتظارنا. ركبنا سيارة مخصصة لنقلنا، وانطلقت باتجاه المدينة. على طول الطريق لفتني مشهد الأشجار المتراصة على جوانب الطرقات، كأنك تتحرك في إحدى الغابات الخالية من أشكال العمران، وصلنا إلى الفندق حيث كانت منسِّقة الندوة بانتظارنا، تسلمنا غرفنا، وخلدنا إلى الراحة.
في صباح اليوم التالي بدأت الندوة بحفل افتتاح، حيث تعرفنا إلى الأصدقاء المشاركين من سوريا، السودان، مصر، تنزانيا، ألبانيا وكمبوديا، ورحب بنا المدير العام لمركز التدريب الخاص بإدارة الفضاء الإلكتروني في الصين، ومن ثم تعرفنا على أيديولوجية الرئيس شي جينبينغ فيما يخص إدارة الفضاء الإلكتروني. خرجنا بعدها للتعرف على أحياء بكين، أنا وأحد الأصدقاء، تنّقلنا في الشوارع والمحال المجاورة للفندق.
في اليوم الذي يليه تعرفنا بشكل عام على التطور في وسائل الإعلام الصينية، وعلى المعلوماتية الوطنية واستعمال تكنولوجيا المعلومات لخدمة المواطنين. في هذا اليوم وبعد انتهاء المحاضرات، انتقلنا انا ومجموعة من الأصدقاء إلى أحد أسواق الإلكترونيات القريبة من الفندق حيث قمنا بشراء بعض الاكسسوارات والأغراض للهواتف المحمولة بأسعار ممتازة، بعدها زرنا أحد الأسواق المشهورة في بكين.
المكان يطغى عليه الطابع الصيني التقليدي، هنا لا أبنية عالية ولا محلات تجارية ضخمة، بل بعض المحلات الصغيرة المتراصة إلى جانب بعضها، مسقوفة بالقرميد الصيني الشهير، صور ودمى الباندا منتشرة بشكل كثيف في هذا السوق، ومعظم الملابس هنا هي ملابس صينية تقليدية مصنوعة بمجملها من الحرير، وكما في زيارتك لسوق الحميدية في دمشق حيث لن تستطيع تفويت تذوّق البوظة الشامية، هنا أيضاً يجب عليك تذوق البوظة التي على شكل ورود، منظرها رائع وطعمها لن تنساه.
في أسواق بكين، وخاصة الأسواق الشعبية البعيدة عن “المولات” التجارية الضخمة ستعاني بعض الشيء إن لم تكن تتقن الصينية أو لم يكن معك دليل صيني، حيث أن عدد المتحدثين باللغة الأنكليزية ليس كبيراً جداً. وعلى كل حال عند دخولك أي متجر تستطيع فقط إختيار القطعة التي تريدها وإخبار صاحب المتجر عنها بلغة الإشارات، وهو عندها سيحضر آلته الحاسبة ويكتب لك سعر القطعة عليها، ولا تنسى بأي حال من الأحوال أن تقوم بمناقشة هذا السعر ومحاولة الحصول على سعر أفضل، لأن التجار هناك عادة ما يضعون أسعاراً مبالغاً فيها، وعندما تقوم بمناقشتهم ستحصل على أسعار أفضل بكثير. وكمثال، أراد أحد أصدقائي شراء إحدى السترات. بدأ صاحب المتجر بطلب 400 يوان (حوالي 59$)، وبعد مناقشة استمرت لحوالي الخمس دقائق حصل على السترة نفسها بثلاثين يوان (حوالي 4.5$)، لذلك لا تنسوا المناقشة عندما تشترون أي شيء من الأسواق.
صباح الأربعاء كانت بداية جولاتنا الميدانية، حيث توجهنا إلى مركز صحيفة الشعب اليومية، وتحديداً مركز الإعلام الجديد، البناء طويل جداً، منظره جذاب ويوحي بشكل أولي بما يوجد في داخله، أحد أهم مراكز الإعلام الجديد على مستوى الصين، وحتى نستطيع القول على مستوى العالم. دخلنا المبنى استقبلنا وفد من المركز، وبدأنا التجول بين الطوابق والقاعات، أحدث أشكال التكنولوجيا والشاشات الرقمية، قاعات العمل المفتوحة والمريحة، التصميم الداخلي المميز، بشكل عام كل ما تشاهده سيجعلك تتمنى لو أنك تستطيع العمل هنا في هذا المبنى. ومن ثم انتقلنا إلى قاعة الاجتماعات حيث التقينا مسؤولين كباراً في المركز وفي الصحيفة، عرضوا لنا أبرز الإنجازات على مستوى الإعلام الجديد، حسابات الويتشات التي تغطي مختلف الاختصاصات، المدوّنات المصغرة، التطبيقات الهاتفية وغيرها، بعدها عدنا إلى الفندق ومن هناك انتقلنا إلى فندق آخر.
هنا نصل إلى ختام اليوم الثالث من رحلتي إلى الصين، وللحديث تتمة في العدد القادم من “نشرة الصين بعيون عربية”.