دفع عجلة الاستثمار الصناعي في بلدان الشرق الأوسط عبر الحزام والطريق
صحيفة الشعب الصينية ـ
بقلم الدكتور محمد الاحمد، باحث في الشؤون الاقتصادية والصناعية:
كلنا يعلم ان العين الصينية على مناطق الشرق الأوسط لا تحدها الرؤى النفطية فحسب بل الاستثمارات الهائلة في رأس المال والأفراد والتكنولوجيا والخبرات، حيث باتت الشركات الصينية تلعب دورا هاما هناك في مجالات الاستدامة وتحديث الاقتصاد الإقليمي وتسهيل الاستقرار الاجتماعي في بلدان المنطقة.
هنا لا بد ان نعترف بوجود بعض الصعوبات في بلدان الشرق الأوسط تتمثل في تدني مستويات الخدمات والبنية التحية ناهيك عن عدم ملاءمة الطقس الخارجي لبعض الاستثمارات او العمل بتلك المنشآت واحيانا التكلفة الباهظة للطاقة وقلة الكوادر المحلية المؤهلة للعمل.هذا بالإضافة الى قيود أخرى تتعرض لها الاستثمارات في تلك البلدان ومنها العقوبات الاقتصادية على بعض تلك البلدان او وجود الهاجس الأمني الذي يقض مضاجع المستثمرين ويجعلهم مترددين في تفعيل الاستثمار واحيانا تأجيله او تغيير مكانه.
ان تفعيل مبادرة الطريق والحزام بالاستثمار الصناعي يحتاج الى العديد من الأساسيات منها تحقيق التنمية الصناعية وتأهيل الفنيين واحداث مناطق صناعية تستوعب حجوم الاستثمارات المتطلع اليها.وهنا لا بد ان يكون هناك تسهيلات بين تلك البلدان تسمح بانتقال فائض العمالة من البلدان ذات الزخم السكاني الى البلدان الأخرى وربما المجاورة لها، وهذا يتطلب تفاهمات واتفاقيات وتجاوز عقبات كثيرة، الامر الذي يزيد صعوبة التنفيذ والاشراف على بعض المشاريع هناك، لكن تلك العقبات لا بد ان تحل اذ ان مبادرة الحزام والطريق تولي اهتماما كبيرا للوساطة بين تلك البلدان ليكون مناخ العمل والاستثمار موات للمخططات التي تمت بل ويمكن ان تتسارع عجلة التنفيذ حال الاتفاق على ذلك؛ إضافة الى حل مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة لتلك البلدان نخص بالذكر منها البطالة وبطء النمو الاقتصادي.
من خلال زيارة بلدان مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الكويت و قطر ومملكة البحرين نلاحظ ان العديد من الاتفاقيات التي تم توقيعها سابقا قد دخلت تماما حيز التنفيذ في مجالات تطوير شبكات السكك الحديدية والطرق السريعة وبناء الموانئ وتجهيز البني التحتية للعديد من المناطق الصناعية (كالدقم في سلطنة عمان ومدينة جازان الصناعية في المملكة العربية السعودية) وكذلك استحداث مطارات جديدة تلبي احتياجات الصناعيين وتقديم خدمات الاتصالات ، الامر الذي سيساهم بلا شك في دفع وتيرة التطور والاستثمار في تلك البلدان الممتدة على طريق الحزام والطريق.
اما من خلال زيارة بلدان أخرى مثل ايران ومصر فسنجد ان مبادرة الحزام والطريق اخذت مسارا متسارعا في صناعات النسيج والحديد الصلب والاسمنت والصناعات التحويلية والعديد من الصناعات الأخرى، ونؤكد هنا ان الصين وبالتعاون مع البلدين المذكورين أنجزت العديد من الاتفاقيات بخطا متسارعة ومن المفترض ان يضاف الكثير من المشاريع الصناعية الجدية في الفترات القادمة في مجالات الطاقة وصناعة وسائل النقل.
وهنا لا بد ان نذكر الفارق الجوهري بين سياسة الصين تجاه البلدان التي تستثمر فيها مقارنة مع سياسة الدول الغربية وأمريكا؛ حيث ان السياسة الصينية تجاه تلك البلدان قائمة على التنمية والتعاون وبناء قدرات تلك الدول، ليس ذلك فحسب بل والدفاع عن حقوق تلك الدول دون التدخل في شؤونها؛ كما وتساعد السياسات الصينية فى دفع عجلة التنمية في بلدان المناطق الأقل نموا على مسار الحزام والطريق ورفع مستوى المعيشة دون أي استغلال لموارد تلك البلدان أو ثرواتها ، فالصين نموذج يحتذى به للدولة المسؤولة التي تحافظ على توازن العلاقات بين الدول دون تدخل بشؤونها السياسية، لهذا فتحت دول الشرق الأوسط ذراعيها للتعاون مع الصين بدلا من الغرب لأنها التمست من القادة الصينيين خلال لقائهم كل الاحترام والرغبة بالعطاء ومد يد السلام والسير بركب التطور والعمار بدلا من الحرب والدمار.
وهنا يطيب لي ان أمثل السياسة التي تتعاون بها الصين مع بلدان الشرق الأوسط بما يسمى: (القفل والمفتاح) فكلاهما يكمل بعضه البعض سواء بالأفكار او بالتكامل الاقتصادي او تبادل المنفعة مع احترام المبادئ الإنسانية، فالتنمية المتكاملة والاقتصاد المتين والسلام لشعوب البلدان المتعاونة مع الصين وتطوير الانسان وتأهيله وتأمين احتياجاته المعيشة والنهوض بصناعة تلك البلدان هي الأهداف المنشودة للصين من وراء المبادرات الكثيرة التي طرحها عبر الزمن وآخرها “الحزام والطريق”.