هل يكون للبنان موقع على طريق الحرير الجديد؟
موقع ليبانون فايلز ـ
د. سلمان الدبيسي:
في ظل شرق أوسط ملتهب تبدو كل العيون شاخصةً نحو واشنطن تترقب بحذر سياسات ترامب المثيرة للجدل وكيفية إحتواء مفاعيلها وإرتدادها على المنطقة، تُرتسم في بيجينغ على بعد أميال من واشنطن ملامح خارطة عالمٍ جديد. عالمٌ سيشمل حتماً عواصمنا ومراكز قرارنا. تستضيف الصين اليوم وغداً 14 و15 ايار/مايو منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. المنتدى الذي ينقل المبادرة من سياقها النظري ويضعها حيز التنفيذ ما دفع الصين اليوم إلى التعهد بـ .514 مليار دولار إضافي لتمويل المبادرة.
فبعد مبادرة الرئيس الصيني شي جيبينغ عام 2013 حول “الحزام الواحد الطريق الواحد” One Belt, One Road (OBOR) أو ما يسمى بالحزام الإقتصادي لطريق الحرير، تضع بيجينغ أُسس خارطة العالم الجديد الإقتصادية. هذه المبادرة التي وجدت لتعزيز مبادئ الإنفتاح والتجارة الحرة الشاملة لبناء تعاونٌ إقليمي أعمق.
الممر التجاري الصيني الأوروبي عبارة عن شبكة سكك حديد وشبكة طرق برية صينية تمتد من الصين غرباً وجنوباً تعرف بالحزام الإقتصادي لطريق الحرير (الحزام الواحد) وسلسلة من المرافئ الصينية أيضاً ممتدة جنوباً عبر المحيط الهندي تسمى طريق الحرير البحري القرن 21 the 21st Maritime Silk Road (الطريق الواحد). ويشمُل المشروع إضافة الى تشيِيد الطرق وسكك الحديد، أنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت والمصارف التمويلية كالمصرف الآسيوي للبنى التحتية والاستثمار Asian Infrastructure Investment Bank (AIIB) و البنك الجديد للتطوير New Development Bank (BRICS) سابقأ .
لا جدال ان ما يمر به العالم العربي اليوم من مآسي وبالأخص على الصعيد الحضاري حيث أن كل العواصم التاريخية (دمشق، بغداد) تشهد أصعب ان لم نقل أحلك أيامها، لكن هذا لا يلقي بظلاله على كل العالم العربي الذي لم تنعدم فيه مقومات التألق والرخاء اذ تنعم مدن كدبي والدوحة ومسقط وغيرها من مدن الخليج بمساحات واسعة من الأمن والإستقرار ما يبقي هذه المنطقة محط إستقطاب فعلي لهذا المشروع. إذ يمكن الإفادة من هذه المبادرة من خلال ترجمتها هذه على أنها طُرحات سياسية بديلة للمنطقة مرتكزة على التنمية والتعاون والكسب المشترك.
رغم التغطية الإعلامية الضعيفة حصلت الشركة الصينية للنقل البحري China Ocean Shipping Company (COSCO) المدارة من قبل الحكومة الصينية في آب 2016 على امتلاك أكبر مرفأ يوناني بيروس Piraeus ليكون إحدى أهم المنافذ الأوروبية لمبادرة الحزام والطريق الصينية بعد سلسلة استثمارات لتأهيله ليسجل 14.4% من حركة التجارة عام 2016. ويصبح بذلك المرفأ الاوروبي الأسرع نمواُ والأكثر ديناميكية.
موقع لبنان شرقي المتوسط يجعل منه نقطة وسطية لمشروع الصين الطموح بخلق أكبر ممر تجاري بحري بري بين الشرق الأقصى وجنوب شرقي أوروبا ما يعيد لمرفأ بيروت الموقع الذي شغله على طريق الحرير القديم كبوابة بحرية الى روما آنذاك. حيث سيكون لبيجينغ طموحات كبيرة في خلق أرضية صلبة وبتكلفة مدروسة لأعظم ممر تجاري في المنطقة وتصبح أقوى لاعب في الإقليم بما يخص العلاقات الدولية السياسية والإقتصادية. فالصين قد إستثمرت ما يفوق 250 مليار دولار كبنى تحتية في آسيا الوسطى كشبكة القطار السريع والخط الجديد الذي يمر عبر تركيا ليختصر نصف المسافة. بالإضافة الى بناء مرافئ عظمى على المحيط الهندي باكستان ومنيامار وصولاً إلى قناة السويس وربطها براُ بالصين. فمن المتوقع حسب المخطط التنموي الصادر عن اللجنة الوطنية للتنمية والاصلاحNational Development and Reform Commission إستيعاب 5000 قطار شحن بين الصين وأوروبا سنوياً بعد عام 2020 ما يقارب ضعفي العدد الحالي حيث تجاوزت قيمة الصادرات والإستراد الـ 17 مليار دولار أمريكي.
شهد شهر شباط 2016 وصول أول قطار شحن بضائع من الصين إلى طهران بوقت قياسي إستغرقت الرحلة 12 يوماً فقط. يمكن للسلع الصينية أن تصل الى أوروبا من إيران عبر تركيا، لكن هذا لا يمنع أن يكون للصين طريق تجاري آخر يتجه جنوباً إلى البحر المتوسط بإتجاه جنوب اوروبا وشمال أفريقيا عبر المرافئ اللبنانية المرشحة الأقوى على الحوض الشرقي للمتوسط.
يأتي التقارب المصري الإيراني 2016 وعدم مجاراة مصر للسياسة السعودية في اليمن وسوريا كمؤشر على مرونة منطق الأحلاف والعداء التقليدي في المنطقة والليونة بالتموضع مع السياق الجيوسياسي الجديد، والإنخراط الروسي والصيني في المنطقة. فبالإضافة إلى الدور الروسي في ملف الغاز الطبيعي في مصر، تصبح الصين الداعم المصرفي الأول لمصر. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2016 إستثمرت الصين 35 مليار دولار بإعمار مصر الجديدة، لتوافق مع نهاية العام على 2.6 مليار دولار أمريكي كإتفاق تبادل عملات لثلاث سنوات three-year currency-swap.
بدأت أولى ملامح حلم بيجينغ برسم خارطة التبادل التجاري عبر أوراسيا بالظهور ولاسيما في الشرق الاوسط وما يشهد من تحولات وتقلبات على الصعيدين السياسي والجيوسياسي. فالطريق التي عبرَ منها الإسكندر المقدوني نحو آسيا قاضياً على المد الآسيوي الفارسي آنذاك ليؤسس أول تزاوج حضاري في التاريخ المكتوب بين الشرق والغرب (الحضارة الهلينستية)، يشهد الآن إشراقة جديدة لكن من الشرق باتجاه الغرب مروراً بهذا المعبر الرئيس على الخارطة الذي يعطيه موقعاً رائداً إذا ما إنخرط بقوة وفعالية بالحزام الاقتصادي الأوراسي الحاصل لاسيما بعد موقف الرافض للحكومة الهندية اليوم.