قوات حفظ السلام الصينية في لبنان: كفاءة عالية في أداء المهام وحفظ السلام
موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو:
تعتبر قوات حفظ السلام أداة لمساعدة الدول التي مزقتها الحروب والصراعات على ايجاد ظروف لتحقيق السلام الدائم. ومما لا شك فيه أن ازدياد الحروب وتكاثر بؤر التوتر والصراع والنزاع، ساهم في توسع انتشار قوات حفظ السلام في مختلف أنحاء العالم منها الصومال، الكونغو، ليبيريا، سيراليون، كوسوفو، جنوب السودان، وغيرها من المناطق.
وحالياً تساهم 124 دولة في قوات حفظ السلام العالمي، وتُعدّ الصين من الدول الأكثر مساهمة في هذه القوات، على الرغم من أنها في البداية كانت تعارض جميع عمليات حفظ السلام الدولية، من منطلق أن هذه العمليات تشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول. إلا أن التغيرات التي شهدتها الساحة الدولية، دفعت الصين إلى التخلي عن عزلتها، والانخراط في الشؤون الدولية، والمساهمة في العمل على إحلال السلام العالمي.
وتشارك الصين اليوم في أكثر من عشر بعثات مختلفة للأمم المتحدة، ولبنان من بين البلدان التي تتواجد فيها قوات حفظ السلام الصينية منذ العام 2006، وقد أنيط بهذه القوات القيام بخدمات إنسانية ونزع الألغام والذخائر العنقودية، التي نشرتها إسرائيل في الجنوب اللبناني طوال فترة اعتداءاتها عليه.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في آذار/ مارس 1978، قدّمت الحكومة اللبنانية احتجاجاً لمجلس الأمن الدولي على ذلك، فاجتمع المجلس واعتمد القرارين 425 و 426 طلب فيهما إسرائيل بأن توقف عملياتها العسكرية وتسحب قواتها من كل الأراضي اللبنانية فوراً. وقرر أيضاً أن ينشئ قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان ( Unifil) والتي وصل أول أفرادها إلى المنطقة في 23 آذار/ مارس 1978. وأنيط بهذه القوات الدولية التحقق من الانسحاب الإسرائيلي من لبنان واستعادة الاستقرار والأمن الدوليين، وتمكين الحكومة اللبنانية من إعادة بسط سيطرتها على المنطقة التي تخليها القوات الإسرائيلية المنسحبة. وبعد عدوان تموز 2006، قرر مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 1701 ، أنه بالإضافة إلى هذه المهام، تتولى قوات اليونيفيل مراقبة وقف الأعمال العدائية، ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، والإشراف على العودة الآمنة للنازحين إلى ديارهم وغيرها من المهمات .
وحالياً تتألف قوات حفظ السلام في لبنان من ما مجموعه 10769 فرداً قادمين من 40 بلداً منها ماليزيا، إندونيسيا، الهند، ألمانيا. والصين من بين الدول التي تشارك بقوة وفاعلية في قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان.
عرف الصينيون لبنان عن طريق الطبيب الأميركي اللبناني الأصل جورج حاتم الملقب باسم “ماهايدي”، الذي رافق مسيرة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ كطبيب له، وكرّس حياته للثورة الصينية والبناء الاجتماعي.
أما العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فتعود إلى 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1971. وقد حققت العلاقات الصينية اللبنانية تطوراً مستمراً على مدى السنين الماضية، وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث تنامت الثقة السياسية المتبادلة، وتكثف التعاون الاقتصادي والتجاري، والتواصل الشعبي والثقافي، والتعاون في الشؤون الدولية والإقليمية.
ولعبت الصين، لا سيما بعد عدوان تموز 2006، دوراً هاماً في إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة والذخائر العنقودية التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وذلك عبر قوات حفظ السلام الصينية المتواجدة في الجنوب اللبناني. فخلال عدوان تموز أمطرت إسرائيل جنوب لبنان بحوالي 4.6 مليون قنبلة عنقودية، بقي منها مليون قنبلة غير منفجرة، فوجدت هذه الذخائر في البيوت والحقول والطرقات والمدارس والمستشفيات، ملحقة أضراراً فادحة بالمدنيين .
في البداية كانت الصين ترفض الانضمام إلى قوات حفظ السلام الدولية، أو التصويت على أي قرار دولي يتعلق بهذه القوات، لأنها كانت ترى في المشاركة تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا ما يفسر امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 لعام 1978، الذي أنشأ قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان، وتلا ذلك امتناعها عن التصويت على أي قرار دولي يتعلق بزيادة عدد أفراد هذه القوات أو تمديد عملها. إلا أن التغيرات التي شهدتها الصين داخلياً، والتطورات التي حصلت على الساحة الدولية، خاصة بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، دفعت الصين إلى الانفتاح على العالم والخروج من سياسة العزلة، فباتت تلعب دوراً كبيراً في الساحة الدولية، وأصبحت قوة هامة في حفظ السلام العالمي، وركيزة أساسية في عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة، وبدأت تصوت على القرارات الدولية الخاصة بقوات الأمم المتحدة ومنها القرارات التي تتعلق بقوات اليونيفيل، فقد صوتت للمرة الأولى لصالح القرار 498 (1981) الذي مدد عمل قوات حفظ السلام، وتوالت بعدها القرارات الخاصة باليونيفيل، والتي حظيت جميعها بموافقة الصين.
وفي العام 2006، أرسلت الصين أول كتيبة لها للمشاركة في قوات حفظ السلام في لبنان بناء على طلب الأمم المتحدة، وأوكل إلى هذه القوات القيام بمهمتين أساسيتين وهما تقديم المساعدات الإنسانية، ونزع الألغام التي خلفها الكيان الإسرائيلي في جنوب لبنان. وخلال حرب تموز 2006، أسند إلى هذه القوات مهام إضافية كفتح الطرقات أمام المدنيين، وانتشال جثث الشهداء، وإمداد المدنيين بالمواد الغذائية. وحالياً يبلغ عدد أفراد الكتيبة الصينية 417 فرداً، ومنذ العام 2006 حتى الآن، يبلغ مجموع ما أرسلته الصين من قوات حفظ السلام الى لبنان حوالي 4000 جندي.
تقسّم الكتيبة الصينية إلى وحدة هندسية متعددة الوظائف، وحدة هندسة بناء، وفريق طبي. يقوم فريق نزع الألغام التابع للوحدة الهندسية في الكتيبة الصينية بنزع الألغام والذخائر العنقودية غير المنفجرة على طول الخط الأزرق، وتمشيط المناطق التي تتولى مسؤوليتها الكتيبة الصينية في منطقتي الحنيّة وزبقين وسواهما. وبعد تنظيف الأرض من الألغام، يقوم فريق هندسي آخر تابع للكتيبة الصينية برسم الحدود. وتشمل مهمة فريق نزع الألغام أيضاً التوعية من مخاطر الألغام ومساعدة الضحايا. وفي غضون 10 سنوات تمكّن هذا الفريق من إزالة أكثر من 2000 لغم بدون وقوع أي خسائر في صفوفه، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدّل على الكفاءة العالية التي يتمتع بها أفراد الفريق في مجال إزالة الألغام والذخائر العنقودية. وفي إطار التعاون بين الجيش اللبناني والكتيبة الصينية، تُقدّم هذه الأخيرة للجيش اللبناني العتاد والمعدات المخصصة لنزع الألغام، بهدف دعم الفرق الهندسية التابعة له، كما تُنظم محاضرات بين ضباط من الكتيبة الصينية وضباط من الجيش اللبناني تتناول عمليات إزالة الألغام.
أما المستشفى الميداني الصيني فيقدم العلاج لأفراد اليونيفيل كما السكان المدنيين. فكلّ يوم يستقبل عشرات الحالات المرضية للمدنيين، الذين وجدوا فيه الكثير من الاهتمام والعناية الطبية في مختلف المجالات.
ونظراً للصعوبات التي يواجهها لبنان في مسألة اللاجئين السوريين على أرضه، وايماناً منها بدورها الإنساني، قدّمت قوات حفظ السلام الصينية المساعدات اللازمة للاجئين السوريين في لبنان من أجل مساعدتهم على حل المشكلات الحياتية الظرفية.
يتميز أفراد الكتيبة الصينية بتحمل أي نوع من المهام الشاقة، وتنفيذ المهام الموكلة إليهم بإخلاص واحترافية، وتخطي المصاعب والمخاطر التي يتعرضون لها، لاسيما فريق نزع الألغام، الذي تكون حياته محفوفة بالمخاطر أثناء قيامه بواجباته. ونظراً لكفاءتهم العالية، وإخلاصهم في عملهم، ودورهم الكبير في عملية السلام في الجنوب اللبناني، منحت الأمم المتحدة أفراد الكتيبة الصينية وسام الشرف للسلام في العام 2017. وفي العام 2015 منحت الحكومة اللبنانية جائزة “لبنان للسيدات المتميزات” لقائدة الكتيبة الطبية التابعة للفرقة الـ13 لقوات حفظ السلام الصينية في لبنان، تقديراً لمساهماتها المتميزة في مهام حفظ السلام في لبنان.
ويتمسك أفراد حفظ السلام الصينية بمفاهيم المساواة والانفتاح والتسامح، واحترام التقاليد الثقافية والدينية لقوات حفظ السلام الأخرى. فمثلاً عام 2006، أرسلت الصين فريقاً هندسياً إلى لبنان، عندما قام أعضاء الفريق بتبديل مخيمي البعثة الأوكرانية والبعثة النيبالية، حافظوا على الرسوم الدينية الأوكرانية والأنصاب التذكارية النيبالية.
ونتيجة للمساعدات التي قدمتها الكتيبة الصينية في المجالات الطبية والصحية والاجتماعية، بالإضافة إلى تمتع أفرادها بصفات الطيبة والتسامح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسكان المدنيين واحترام شعائرهم الدينية والثقافية، نشأت بينهم وبين المواطنين اللبنانيين علاقة وطيدة قوامها الثقة والمحبة والاحترام.
وفي إطار سعيها للقيام بواجباتها على أكمل وجه لتأمين عملية السلام، لم تسلم الصين من الاعتداءات الإسرائيلية، فقد قصفت إسرائيل موقع للقوة الدولية في جنوب لبنان عام 2006، أدى إلى مصرع 4 مراقبين دوليين، من بينهم مراقب صيني، الأمر الذي أثار حفيظة الصين، فتقدمت بمسودة بيان إلى مجلس الأمن لإدانة هذا الهجوم ، إلا ان المجلس فشل في تبني بيان يدين ذلك، واكتفى فقط ببيان هزيل أعرب فيه عن صدمته إزاء مقتل جنود من القوة الدولية، ذلك لأن الولايات المتحدة الأميركية رفضت الموافقة على أي بيان يدين الكيان الصهيوني. ولم يؤثر هذا الحادث على رغبة الصين الاستمرار بالمشاركة في عمليات حفظ السلام في لبنان، بل على العكس أعلن رئيس الوزراء الصيني السابق ون جيا باو Wen Jiabao أن الصين سترفع من عدد قواتها لحفظ السلام في لبنان إلى 1000جندي.
ختاماً من حق الصين التي تشارك بنسبة قوات تفوق الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وتنفق أموالاً ضخمة في عمليات حفظ السلام، أن تتولى منصب الأمين العام لعمليات حفظ السلام الذي تحتكره فرنسا منذ 20 عاماً. إن سعي الصين لتولي قيادة عمليات حفظ السلام يهدف إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة في وقت تُثار فيه الاتهامات لقوات حفظ السلام الدولية بارتكاب جرائم اعتداءات جنسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، والفشل في حماية المدنيين في جنوب السودان، فضلاً عن تأثر عمل القوات بالجوانب المالية والخضوع للابتزاز بالتهديد بإيقاف التمويل وتأثر عملها أيضاً بالاعتبارات السياسية. فهل ستنجح الصين بحنكتها الدبلوماسية من تولي هذا المنصب وقيادة عمليات حفظ السلام إلى برّ الأمان؟
- بحث قدم في الملتقى الثاني لسفراء الشباب العربي الصيني الذي انعقد في العاصمة المصرية القاهرة بين 17 و21 أيار مايو 2017