#الصين كما رأيتها.. من الأب إلى الابن (العدد 69)
يوميات رحلة إلى الصين (3) – علي مهدي محمود ريا
إذا كنت عربياً في الصين، فإن مقاطعة نينغشيا هي وجهتك الصحيحة.
مقاطعة نينغشيا هي مقاطعة ذات حكم ذاتي، تقيم فيها قومية الهوي المسلمة، وهي حلقة الوصل بين الصين والعالم العربي. عندما تتجول في شوارعها لن تجد نفسك غريباً، أغلب الكلمات المكتوبة باللغة الصينية ستجدها مترجمة إلى اللغة العربية: أسماء الشوارع، الاتجاهات، بعض أسماء المحلات، المواقع الإلكترونية التي تصدرها المقاطعة، وفيها المنتدى الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية. طوال فترة تنقلك في المدينة لن تغيب المساجد الإسلامية عن نظرك.
يوم الإثنين 24 نيسان 2017 توجهنا منذ الفجر إلى المطار في طريقنا إلى مدينة ينتشوان عاصمة مقاطعة نينغشيا، وبعد حوالي الثلاث ساعات بالطائرة وصلنا. مطار ينتشوان لا يوحي أبداً أنه مطار لإحدى المدن الصغيرة نسبياً. بناء المطار متطور وضخم، التقنيات المتواجدة بداخله لا ينقصها شيء. ما يميّز الصين مساحتها، ولذلك فإن كل المطارات حتى المطارات غير الرئيسية هي بعيدة عن المدن، وينبغي السير في مساحات شاسعة من الأراضي الخالية من المباني في الطريق من المطار إلى قلب المدينة.
في يوم وصولنا زرنا مركز المؤتمرات الخاص بمقاطعة نينغشيا، وهو نفسه المركز الذي يقام فيه المنتدى الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية. في الطابق الأول يحتوي المركز على قاعات ضخمة للاجتماعات والمؤتمرات. في الطابق الثاني يضم المركز عدداً من القاعات التي تحتوي أبرز التقنيات الحديثة، مثل الشاشات العملاقة التي تستطيع من خلالها مراقبة أبرز الأحداث التي تحصل في كل أنحاء ينتشوان في اللحظة نفسها من خلال كاميرات المراقبة، إضافة إلى أبرز التقنيات التي طُوِّرَت في المقاطعة، كذلك نظم الحوسبة السحابية التي تستعملها هذه المحافظة.
بعدها عدنا إلى قاعة المؤتمرات الخاصة بالفندق، حيث كان لنا شرف عقد لقاء مع أهم المسؤولين الإعلاميين في المقاطعة وتمت مناقشة أمور زيارتنا إلى المقاطعة والتطور التقني والإعلامي فيها.
صباح اليوم التالي، انطلقنا لزيارة المجموعة الإعلامية في نينغشيا والتي تضم قسماً ورقياً يصدر الصحيفة الرسمية للمقاطعة، بالإضافة إلى قسم إلكتروني مسؤول عن مواقع الأخبار وتطبيقات الهواتف الذكية وحسابات مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة الـ “ويتشات”.
كذلك تضم المنطقة الإعلامية مجموعة من أبرز الشركات التقنية والإعلامية في المحافظة، حيث زرنا شركات تقنية تعمل على تعزيز التجارة الإلكترونية بين الصين والعالم العربي، كذلك تطوير تطبيقات الهواتف الذكية لتوفير أفضل الخدمات الممكنة لسكان هذه المقاطعة، من أدلّة إلكترونية ومواقع تسوق وغيرها.
ومن ثم زرنا بيت الحكمة، وهو شركة صينية أسسها شاب مصري بالتعاون مع أصدقائه الصينيين وتُعنى بترجمة الكتب من اللغة الصينية إلى العربية وبالعكس.
ويُعتبر بيت الحكمة من أهم مراكز الترجمة بين اللغتين على مستوى الصين والعالم العربي، وقد قامت هذه الشركة بطباعة عدد كبير جداً من الكتب والمنشورات والقصص والصحف وغيرها معرّبة من اللغة الصينية إلى اللغة العربية باحترافية عالية.في اليوم نفسه توجهنا بالباص إلى إحدى مدن المقاطعة وتسمى جونغوي. تقع المدينة في منطقة صحراوية، ولكن هذا لم يمنع السكان من استغلال الأمر لمصلحتهم، حيث تنتشر في محيط المدينة حدائق الألواح الشمسية التي تُستخدم لإنتاج الطاقة النظيفة،
كذلك المناطق الصناعية الضخمة، ومناجم استخراج المواد الأولية. فور وصولنا إلى المدينة ذهبنا في زيارة إلى أحد مراكز البيانات التي تتبع لـ “شركة 360” والتي تنتج مجموعة من أشهر البرامج الإلكترونية في الصين، وقد تعرّفنا على الخدمات التي يقدمها هذا المركز والذي يعتبر مركزاً مهماً في مجال الحوسبة السحابية.
بعدها توجهنا إلى مركز داخل المدينة يسمى (MidChina Cloud)، هنا يتوقف الزمن، قلت لأحد الأصدقاء ممازحاً سأترك كل شيء وآتي للسكن في هذا المركز. يحتوي المركز على أحدث التكنولوجيات، وخاصة في مجال مراكز البيانات ومراكز الحوسبة السحابية، كذلك يحتوي على أحدث التقنيات في مجال الصناعات التقنية في الصين ويعتبر من مراكز الأبحاث المهمة أيضا، نستطيع تسميته قلب الصين التقني وذلك للموقع الذي يتوسط خريطة الصين. يتعاون هذا المركز مع أهم الشركات العالمية بما فيها شركة أمازون، ويضم أبرز أنظمة التحكم الإلكتروني بالموارد الكهربائية وموارد الطاقة وغيرها، ويحتوي على شاشة عملاقة لم أرَ في حياتي مثيلاً لها ولا حتى في قاعات السينما، وتتميز الشاشة الضخمة منحنية الشكل بجودتها الفائقة.
بعد هذه الجولة الطويلة ذهبنا إلى الفندق المخصص لمبيتنا هذه الليلة. هذا الفندق ليس كبقية الفنادق: تحس أنك تركت الدنيا، وأنتقلت للعيش في إحدى الأدغال النائية بعيداً عن البشر، فور دخولك إلى الفندق تستقبلك الممرات المائية الصناعية والأشجار ومجسّمات الحيوانات. الممرات داخل الفندق مغطاة بأوراق الأشجار من كل جانب. يتميز الفندق أنه من طابق واحد وجميع الغرف تقف إلى جانب بعضها في ممرات طويلة. اليوم الذي يليه كان مخصصاً للسياحة في المدينة، توجهنا منذ الصباح الباكر نحو صحراء تسمى (صحراء شابوتو).
هل هناك سياحة في الصحراء؟ سؤال طرحناه على بعضنا قبل مغادرة الفندق، ويجب أن نعترف بأن النتيجة لم تكن كما توقعنا أبداً. لقد كان يوماً لا يُنسى، هناك في الصحراء تعرفنا على بعض عادات قومية الهوي المسلمة. تضم الصحراء مجموعة ضخمة من الأنشطة السياحية في دليل على أنه في الصين حتى الصحراء مختلفة، ركوب القوارب التقليدية والحديثة، في الأسفل نهر ضخم بعدها تنتقل إلى صحراء قاحلة، استُثمر كل جزء منها، التزحلق على الرمل من ارتفاعات عالية، التلفريك، الفقز بالحبل، التمسك بالحبل والقفز بين جهات النهر، ركوب الشاحنات الضخمة منطلقين إلى قلب الصحراء، ركوب الجمال، الدراجات من نوع ATV، السيارات رباعية الدفع وغيرها من النشاطات المذهلة التي ستبقى في ذاكرتك دائماً.
عدنا بعدها إلى عاصمة المقاطعة ينتشوان، في هذا اليوم كان لدينا بعض الوقت للتعرف على المدينة، انطلقت مع صديقي اللبناني في رحلة في أحياء المدينة. حقاً المشي في المدينة ممتع، الدولة تهتم بأدق التفاصيل، المقاعد الجانبية على جوانب الطرقات، ممرات خاصة بالمشاة مزيّنة بالأشجار والورود، مناظر جمالية على أطراف الطريق وخاصة الطريق الذي يجاور النهر الضخم، إهتمام بالنظافة والترتيب إلى أقصى الدرجات. صراحةً، لن تحس بالمدة التي تقضيها في المشي، وستتمنى لو أن هذا اليوم لن ينتهي أبداً، أنا متأكد لو أنني من سكان هذه المدينة، فسيصبح المشي من هواياتي المفضلة.