جَيِشِا الصّين وروسيا.. أُخوُّة عَابرة للعُصور (العدد 78)
نشرة الصين بعيون عربية ـ م. يلينا نيدوغينا*
أذكر للآن ومنذ سِنيّ صِغري، أن مِن أهم الشّعارات السوفييتية، الأكثر جرأة وشفافية وضرورة وإدراكاً استراتيجياً للواقع الحضاري والجيوسياسي ودكتاتورية الجغرافيا، كانت شعارات على شاكلة شعار “الروسيون والصينيون إخوَةٌ وأُخوّةٌ عبر العُصور”، فقد كانت هذه الشعارات تُنشر وتُعلن ويُطالعها شعبنا الروسي والسوفييتي يَومياً، ويَبني عليها آماله الكِبار والكونية.
وللأسف الشديد، فقد عشنا في سنوات خبت فيها هذه الشعارات الحيوية، وتخلَّلها عداء ومواجهات ما بين بلدينا وشعبينا الجارين (روسيا والصين)، وأدركنا خلالها الخطأ الفادح الذي ارتكبه الطرفان آنذاك، إذ أن المُستفيد الوحيد من ذلك كان جماعة الأعداء المشتركين لنا، الذين طالما تحيّنوا الفرص لضربنا ببعضنا البعض، وتصفية مكاسبنا من خلال النظريات الاستعمارية الإنجليزية “فرق تسد”، والأخرى الأمريكية الشهيرة المَعروفة بِـ “الاحتواء المتبادل”، التي واصلت فِعلها المُدّمِر كأيقونة مُقدّسة لدى المَجمع الصناعي العسكري “للعم سام” وقياداته منذ تأسيس الولايات الامريكية وحتى اللحظة، لتفسيخ وحدة الأمم والبلدان الصديقة، وجعلها لقمة سائغة بين فكي الأمريكاني.
في سنوات تحرير الصين من الاحتلالات الأجنبية وتنظيف شبه جزيرة كوريا من المتدخلين الاستعماريين، وطرد الإمبرياليين اليابانيين من روسيا والصين، كان التعاون بين بلدينا وشعبينا وقيادتيه على أشدّه وفي أعمق أعماق عُمقه، إلى أن دنا خروتشيوف بقراراته وسلوكياته المزاجية ليتصرف بصبيانية سياسية بالدولة وأراضيها وسيادتها ودستورها وعلاقاتها الخارجية وبدون حسابات واستراتيجيات، وكأنها حكر لشخصه. ومن بعده أطل عصر أعْسر هو بريسترويكا “ميشا غوربي” و “باروخ إلتسن” المُدمّر لروسيا نفسها بَشراً وحَجراً، فما بالكم وحالتنا التي كانت هكذا بانسحاب أوضاعنا على علاقاتنا الدولية لتدميرها، واستعداء البشر والحكومات والدول والجيوش علينا.. فقد اصطف قادتنا الإنقلابيون هؤلاء في خانة غير وطننا، وخانوا شعبنا وأصدقاءنا وحُلفاءنا.
في خمسينات القرن الماضي، عُمِّدت كفاحيات وجيوش الصين وروسيا السوفييتية بالدم، في حروب التحرير، وأذكر أحاديث أحد أقربائي وهو الجنرال ألكسندر رومانينكو، بطل الحرب العالمية الثانية (الوطنية العظمى للشعب السوفييتي)، عن مشاركته “كمقاتل مدفعي” محترف في الحروب ضمن القوات الأممية الصينية على تراب الصين وكوريا، فتصدى للطائرات الحربية الغربية والإسرائيلية الصهيونية التي عاثت خراباً في البلدين الشقيقين، وحصل منهما على تقديرات وشهادات وأوسمة اعترافاً بنبله وشهامته الحربية ووفائه للمبادئ والمُثُلِ والتحالف الروسي الصيني الكوري.
لقد كان رومانينكو أحد شهادات العصر على ضرورات الوحدة الروسية الصينية القادرة على تعديل التاريخ ليسود السلام في العالم ليغدو أكثر عدالة ورأفة بالبشر والحضارة. فجِنان الخُلد لك أيها الشهيد رومانينكو ولملايين شهداء الواجب مِن رِفاقك السوفييت والروس والصينيين والكوريين، يا مَن على قواعد شهادة كل واحد منكم نَبني اليوم صَرحاً جديداً لجيشين شقيقين وعظيمين، صيني وروسي، يُساهمان دولياً في وأد الحروب والاستعمار والإرهاب في سوريا وغيرها.
نحن أبناء اليوم.. واليوم هو عصر (فلاديمير بوتين) و (شي جينبينغ).. وشهادة العصر على عودة المياه إلى مجاريها ما بين موسكو وبكين. وليس هذا فحسب، بل وها هي العلاقات والروابط ما بينهما تتعمّق لتشمل كل مجال، حتى في ترتيب المناورات الروسية الصينية المشتركة الاخيرة في25 تموز/ يوليو، في بحر البلطيق، حيث انتهت عَملانيات اختبارية مشتركة وتدريبات ميدانية على التنظيم المشترك لمضادات الغواصات والطائرات والدفاعات المضادة للسفن، وبإنجاز العرض العسكري احتفاءً بالعيد الـ (320) لتأسيس القوات الحربية البحرية الروسية، على صفحة نهر النيفا بسانت بطرسبورغ وكرونشتادت، بمشاركة قطاعات ضاربة من البحرية الحربية الصينية، وهي إشارة واضحة إلى أن التاريخ قد تغيّر وصُحِّحَ، وبأن دفّة الأحداث تميل لمصلحة موسكو وبكين، وليس لعواصم الغرب الذي أفل نجمهُ.
ها هو “النيفا” وشعبنا والصينيون يتابعون الالتحام السلمي والتضامني والكفاحي لجيشينا كتفاً إلى كتف، فقد عادت البوصلة إلى إتّجاهها الدقيق، ومهما بذل الغرب وواشنطن من جهود فلن يتمكنوا من شلّ قدراتنا الجماعية وأخوّتنا المَصيرية، كما أكد ذلك في خطاب تاريخي له مؤخراً، الرئيس الصديق وصاحب العقل السديد “شي جينبينغ”.
ومع كل تلك التطورات السياسية والعسكرية الروسية الصينية، وتنامي التعاون العسكري والتسليحي ما بين بكين وموسكو، إلا أن بلدينا لا ينويان التدخل في شؤون أيّ كان، فهذا مبدأ أساسي في العلاقات الدولية وشرعة حقوق الانسان، يلتزم بها سياسيونا وعسكريونا في دولتينا الحليفتين، وتأكيداً على ذلك، فقد صرّح بوتين مؤخراً في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفنلندي: “إن التعاون ما بين روسيا وجمهورية الصين الشعبية بكل أشكاله، بما في ذلك المجال العسكري، يُعتبر أحد أهم عوامل الأمن والاستقرار في العالم، وهو غير موجّه ضد أحد”.
*رئيسة تحرير سابقة، ونائب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.