الدور الصيني في الأزمة القطرية مقاربة لرهانات بكين وما قد ينتج عنها (العدد 80)
نص نشره موقع ذا ديبلومات The Diplomat العالمي للكاتب رود إيدنز، وعرّبه خصيصاً لـ “نشرة الصين بعيون عربية” الأستاذ هادي حسين، كاتب و باحث باكستاني .
روب إيدنز باحث مقيم في لندن.
في ظل الأزمة المستمرة التي تواجه مجلس التعاون الخليجي وحلفاءه ضد دولة قطر، كان موقف الصين للآن واضحاً نسبياً، محافظاً على حياده مع تشجيع الجانبين على العمل على حل خلافاتهما قبل أن يُلحقا أضراراً حقيقية باستقرار الخليج الفارسي، أو ما هو أسوأ، بمصالح بكين نفسها. لكن يبدو أن قطر لديها أفكار أخرى. فقد ردت الدولة الخليجية على مطالب جيرانها بموقف متأرجح، فبعد تقديم شكاوى إلى منظمة التجارة العالمية ومنظمة الطيران المدني الدولي، وافقت قطر الآن على شراء 6 سفن حربية من إيطاليا.
هذا و قد ظلت المشاركة الرسمية للصين في الأزمة منخفضة المستوى: فموقف وزارة الخارجية بقي على حاله، يُطالب بضرورة حلّ النزاع واعتباره مسألة داخلية تخص دول مجلس التعاون الخليجي وحدها . لكن وبالرغم من ذلك، هناك شائعات تتصاعد عن وساطة صينية بين أطراف النزاع، تمثّلت بعقد اجتماعات سرية في بكين بين دبلوماسيين قطريين من جهة، وإماراتيين من جهة أخرى. وفي الوقت الذي ظل فيه وزير الخارجية وانغ يي رسمياً فوق الخلافات، فإنه كان ناتشطاً على هامش المنتديات الأمنية الإقليمية والزيارات الثنائية، ناصحاً نظراءه الإماراتي والقطري والإيراني بالبحث عن نهاية للانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي.
من المؤكد أنه وبالنظر إلى الحياد الطويل للصين تجاه ما تعتبره” مسائل داخلية ” للدول الأخرى، لا يمكن أن يُنتظر من السيد وانغ ولا الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يدخلا في مفاوضات حول حل متعدد الأطراف للأزمة، في الوقت الراهن على الأقل.
مخاطر التدخل الصيني في الأزمة
يُعد الخليج أكبر مُصدِّر للبترول إلى الصين، وثاني أكبر مزود للغاز الطبيعي، فضلاً عن أن 46 في المائة من صادرات الصين إلى الشرق الأوسط تذهب إلى دول الخليج. وبالنظر إلى هذه الأرقام والحقائق الاقتصادية فإن إطالة زمن الأزمة ليس من مصلحة الصين .
وإذا كانت “الإمبراطورية الوسطى” (الصين) قد قررت أن تشارك بشكل أكبر في النزاع الدائر، فإن ذلك متوقف الآن وبشكل كبير على الخطوة القادمة لدولة قطر. فبعد أن أدانت الرباعية العربية (السعودية – مصر – البحرين – الإمارات العربية المتحدة) الدوحة لدعمها المجموعات الإسلامية الراديكالية ونصب المكائد لهذه الدول، فقد خففت من شروطها وأعادت تركيز مطالبها الأوليّة. هناك الآن ضغوط متزايدة على القطريين لتقديم تنازلات في المقابل. ومع تحول ديناميات الطاقة، ومشاريع الاستثمار الواسعة النطاق الموضوعة على الطاولة، فإن الدوحة ودول مجلس التعاون الخليجي حريصان على رؤية إلى جانب مَن ستقف بكين في النزاع الجاري.
قد تعول قطر على رصيدها من الغاز الطبيعي المسال وشراكاتها الاستراتيجية لكسب تعاطف بكين وجعلها تعطي أذناً صاغية لموقفها، ولكن هذا الرهان من المرجح أنه في غير محله.
إذا استمرت الدوحة في التصلّب، فستكون مسألة وقت قبل أن يبدأ الدعم الصيني بالتحول نحو الكتلة التي تقودها السعودية. قد تكون قطر شريكا ثنائيا للصين، ولكن كتلة مجلس التعاون الخليجي الأكبر هي في النهاية أكثر أهمية. ومع نمو النفوذ الإقليمي للصين، مع وجود منشأة عسكرية جديدة في جيبوتي في القرن الإفريقي، وتوسيع نطاق التدفقات التجارية، يفرض المنطق القائل أن العلاقات الطيبة مع الكتلة الأوسع سيكون لها الأولوية على التعاطف مع عضو واحد.
العامل الايراني
هذا ومن المتوقع أن يوثر مشروع ” الحزام والطريق ” بشكل كبير على توجه الصين وموقفها من الأزمة. مشروع “الحزام والطريق” يُعد أكثر أهمية بالنسبة لإيران، ولكن دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما المملكة السعودية والإمارات العربية وسلطنة عُمان أيضاً سعت بجد وبذلت قُصارى جُهدها لإيجاد مكان لنفسها في هذا المشروع الصيني الطموح العابر للدول، في محاولةٍ منها لموازنة طهران.
وعلى الرغم من أن الصين تعتبر الدوحة” شريكاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، وأن قطر متحمسة بالقدر نفسه بشأن رفع مستوى العلاقات مع بكين – فإن هذا البلد لا يشكل بحد ذاته رصيدا حيويا في الحزام والطريق.
من ناحية أخرى، وبالنظر للعلاقات العميقة بين إيران والصين فإن مزيداً من التساؤلات حول موقف الصين من أزمة الخليج تفرض نفسها. فكُلّ من المملكة العربية السعودية وإيران أيضاً من موردي الطاقة الحيوية وأبرز الأسواق بالنسبة للاقتصاد الصيني؛ بعد أن كانت بكين تفضّل تاريخياً علاقتها مع إيران الثورية، ركزت السياسة الصينية المعاصرة الشرق الأوسط على التوازن الدقيق بين طهران والرياض.
هل يمكن أن يدفع ضغط دول مجلس التعاون الخليجي على قطر إيران – التي تشترك مع قطر بحقل غاز كبير- للقيام بدور أكثر فعالية وبالتالي يدفع الصين إلى الوقوف في الجانب الإيراني ؟ من المرجح أن هذا أمر مستبعد. فقد تستفيد طهران من الصراع الدائر لتسجيل نقاط، لكن الجمهورية الإسلامية نادراً ما تتحدى خصومها الإقليميين وتقف في وجههم بشكل مباشر.
وقضية البحرين ما تزال ماثلة أمامنا، عندما دخلت قوات مجلس التعاون الخليجي البلاد لقمع حركة معارضة شيعية في عام 2011، فقد اكتفت إيران بردود فعل كلامية.
العثور على المؤشرات المضيئة في ذروة الاضطرابات
بطبيعة الحال، فإن بكين تتعاطف بالتأكيد مع بعض مطالب مجلس التعاون الخليجي. لاسيما تلك التي تطالب قطر ـ المتهمة بارتباطها بعدة جماعات إسلامية متطرفة ومنظمات إرهابية ـ بوقف الدعم المالي واللوجستي للميليشيات الإسلامية والمتطرفة.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن بكين التي تشعر بالقلق إزاء تأثير المتطرفين الاسلاميين فى مقاطعة شينجيانغ (الصينية) المضطربة، لا شك أنها لا تمانع في رؤية الكتلة العربية تتخذ موقفاً بشأن وقف تمويل الارهاب.
وعلى الرغم من عدم وجود دليل قوي على دور قطري في دعم المتطرفين الإيغور في شينجيانغ، فقد انتقلت مجموعات كبيرة من الإيغور إلى سوريا والعراق وأفغانستان وقاتلوا جنباً إلى جنب مع الجماعات المسلحة المتطرفة نفسها التي تُتهم قطر بتمويلها. ومن المؤكد أن الصين حريصة على دعم أي تطور يحد من التهديد المحلي الذى يمثله الإرهاب العابر للحدود، خاصة أن العديد من هؤلاء الإيغور قد يعودون إلى شينجيانغ.
ومن المرجح أيضاً أن تثمن بكين شكاوى مجلس التعاون الخليجي المتعلقة بشبكة الجزيرة الفضائية المملوكة للحكومة القطرية، لاسيما وأن تغطية الشبكة للوضع في الصين كان قد تسبب في أزمة دبلوماسية بين الصين وقطر، ما أدى إلى طرد مراسل الجزيرة من البلاد عام 2012.
الكرة قد تكون الآن في الملعب القطري، ولكن إذا كان هناك في الدوحة من يأمل من الصين التدخل إلى جانبها، فإنه مخطئ إلى حد كبير.