#رُوْسيّة و #الصّين وفَاعِليّات إستراتِيجيّة التَّحالف (العدد 81)
يَلينِا نِيدوغِينا*
قد تكون الحالة الروسية الحالية التي تتلخص بعدم وجود حزب شيوعي مُهيمن على السلطة، هي التي تـُرخي بظلالها على وسائل الإعلام الروسية، لناحية عدم تطرّقها الى مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني أو اجتماعاته الوطنيّة الموسّعة، بالرغم من أن زعيمي البلدين قد وقّعا خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الى الصين، بتاريخ 25 حزيران/ يونيو من العام الماضي 2016، بياناً مشتركاً حول التعاون الفاعل في تطوير المجال الإعلامي..
إلا أننا نعلم أن الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي كان ارتكب خطايا عَميقة وأخطاء مُتلاحقة في مختلف المَناحي، أدّت الى تنحّيهِ عن السلطة وتنحيته عنها، وفقدانه مقاليد الحُكم وروافع التأثير في الدولة والشعب، وقد استفاد الحزب الشيوعي الصيني وحزب العمل الكوري بدورهما من أخطائنا، لتلافي السلبيات في علاقاتهما الدولية والأوضاع الداخلية، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة الروسية الحالية.
لكن، وعلى الرغم من ذلك كله، أعتقدُ شخصياً أن من ضرورات وأهمية العلاقة الروسية – الصينية الحالية، في عهد الرئيسين الحَكِيمين والصديقين “بوتين” و”شي”، وهي علاقة تتفق وتجتمع وتجد قسمتها على التفاهم الشامل، وعلى وجه الخصوص تواصل التحالف الاستراتيجي الثنائي والحقيقي للدولتين، وبخاصة العسكري والأمني والاقتصادي..، أقول وبرغم ذلك، أرى أنه من الضروري
واللازم أن تتطرق وسائل الإعلام الرئيسية في موسكو وتلك المُحَادِدَة جغرافياً للصين، إلى مجريات الأحداث الصينية وتحليلها من منطلق الجيرة الطيّبة والتعاون الأنفع والأشمل، سيّما تلك الأحداث التي تمارس تأثيراتها المباشرة والثانوية على روسيا، لأن الصين جار تاريخي لروسيا “منذ ألوف السنين”، ولكون الدولة الصينية تحد روسيا بحدود دولية جغرافياً، وتُعتَبر دكتاتورية الجيوبوليتيكا أهم العلائم التي تُحتّم وتفرض التفاهم في العلاقات والتبادلات ما بين الجيران والشعوب. زد على ذلك تلكم العلاقات السّمحة التي سادت تاريخياً ورسمياً وشعبياً في الأوساط الصينية والروسية، برغم حقبة زمنية سابقة تم طيّها الى غير رجعة، ساد فيها النزاع الذي لم يؤدِ سوى الى المزيد من المصاعب الثنائية التي شغلت طويلاً مؤسسات الجانبين، وعملت على تقوية أعداء العاصمتين “على حسابهما!”، وعلى تقوية شوكة المؤامرات الأمريكية والغربية عليهما، ونفاذ نظرية التصفية المتبادلة والاحتواء المتبادل الى البلدين بإهدار قِواهما وإمكانياتهما في النزاع والتنازع والصراعات والتصارع والتأليب.
العلاقات الروسية الصينية أصبحت مزدهرة منذ توقيع اتفاقيات الغاز الاستراتيجية (2014) بمليارات العِملات الوطنية الروبلات الروسية واليوانات الصينية (وليس بالدولار الآيل لنهايته المحتومة)، وقد جَرّت هذه الاتفاقية الرئيسية لمزيدٍ من الاستثمارات المتبادلة التي تساهم مساهمة محسوسة في تدعيم اقتصاد الدولتين وأمنهما، فتشغيل اليد العاملة وخبرات الخبراء في تقوية صمودهما الاقتصادي والعسكري، في مواجهة محاولات الاختراقات والتهديدات والحصارات الغربية المادية والمعنوية ولأجل تصفية الطوابير الخامسة (الصفقة: تورّد روسيا 38 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً للصين، لمدة ثلاثين عاماً, وتُقدّر قيمة الصفقة بما يزيد على أربعمئة مليار دولار، وتمثل الصفقة نصراً رمزياً كبيراً للدولتين في مسعاهما لتأسيس شَراكَةٍ استراتيجية جديدة في آسيا، لتفشيل مساعي إغلاق المنافذ والطُرق البحرية بوجه الصين، وتصفية رغبات عُملاء الغاز الروسي بأوروبا تقليص الاعتماد عليه، في أعقاب هيمنة الناتو على القرار السياسي الأُوكراني، والعمل للسيطرة على التوريدات الدولية للغاز الروسي وأثمانه، في محاولة لإرهاق روسيا وتفتيتها، عن طريق تدمير اقتصادها ووحدة أراضيها، أذ أن اقتصاد روسيا يعتمد على توريدات الطاقة للعالم، وفي الوقت نفسه عملت الصفقة لضرب مخطط السيطرة الأمريكية على محيطات الغاز والنفط في شرقي سوريا وفي العراق وليبيا ونشر القواعد العسكرية الامريكية من حولها).
في الصفقة الاقتصادية الغازية الروسية – الصينية، إن الاتفاق يَعني لروسيا بحسب رئيس غازبروم، الدخول إلى سوقٍ نامٍ كبير جديد لإمداداتها من الغاز، كما تحصل الصين على قوّة دافعة قوية للتنمية الاقتصادية، وتحسين البيئة، وقد ارتفعت أسهم غازبروم نحو 2% عقب إعلان الصفقة، التي سهلت بكين الحصول المضمون على الطاقة ضمن تفاهمات استراتيجية مع موسكو تتضمن أبعاداً كونية، وبهذا أصبحت الصين الشريك التجاري “الرائد” لروسيا وتعمّقت الثقة الرئاسية ما بينهما.
في جانب متصل، ما يزال جيل حربي التحرير الشعبية الصينية والكورية، وجيل الحرب الوطنية العظمى للشعب السوفييتي، (العالمية الثانية)، والأجيال اللاحقة لتلك الحروب، تذكر وتقرأ عن أخوّة الكفاح الصيني – الروسي – الكوري المُسلّح والبِناء السلمي المشترك لهذه السّواعد الثلاثة، التي تعود اليوم إلى سابق عهدها، عن وعي لتأكيد التحالف الحتمي، بغية إنجاز مهام المرحلة وتجاوز العقبات الدولية التي توضع أمامها لإشغالها من جديد، في مواجهات دموية ثانوية مؤلمة وقاتلة لشعوبنا الجارة. إن كل هذه وغيرها من العوامل والمحطات التاريخية والاقتصادية وما إليها، تُجبر الواعين في الأُمتين الصينية والروسية على بذل المزيد من التفاهم ونشره بهدف جعل علاقاتنا الثنائية قائمة على أساس الوعي السياسي الشامل، الذي لا مندوحة عنه لأبناء المستقبل وأحفادنا، ليعيشوا بسلام على قواعد ثابتة وقوية لا تتفتت، فنشر السلام في العالم أجمع وتجذرّه وديمومته ووقف الحروب والتطاولات الغربية، إنما هي رهن بالعلاقات والصّلات الاستراتيجية الروسية الصينية والتفاهم مِن قمّة الهرم السياسي فيهما وصولاً الى قاعدته.
نحن في روسيا في حاجة للصين، والصين في حاجة إلينا نحن الروس.. وجميعنا نحتاج للصداقة والتبادل والتفاهم الأوسع والأعلى، ولذلك نلاحظ أن الرئيس شي جين بينغ يُشدّد على ضرورة الارتقاء بأوضاع المواطنين الصينيين، في مختلف البلدات والقرى والنواحي القصيّة من بلاده، ونحن بدورنا في أمس الحاجة اليوم قبل يوم يوم الغد، الى دراسة الخبرات الصينية في هذا المجال، وكيفية توصّل الدولة الصينية لأليات الحفاظ على الزراعة والمزارعين والثقافة والهياكل الريفية، وكيفية تثبيت المواطنين الصينيين في مواقعهم المعيشية خارج المدن الرئيسية، والحفاظ على اللغة الصينية من الاسترقاق اللغوي الانجليزي والامريكي والغربي عموماً، ونقل المدن الصينية للقرى، بمعنى نمط المعيشة والخدمات وسرعة وواقع تلبية متطلبات ورغبات المواطنين، وليس العكس، (وهي دروس تحدث عنها الرئيس “ِشي” في الاجتماع الحزبي الوطني التمهيدي للمؤتمر الحزبي المُقبل)، علينا دراستها واستخلاص الاستنتاجات منها، وتطبيق ما يتيّسر منها في أوضاعنا الروسية، الى نشر القرى الريفية و”الريفية المثالية” في سيبيريا الواسعة والفارغة تقريباً من السكان، وتسريع توطين نتاجات التكنولوجيا والعلوم الطليعية فيها على مِثال الصين وحركة الاصلاح والانفتاح الصينية (1978م)، التي نقلت “دولة هان” خلال نحو ثلاثين سنة الى المكانة الاولى في العالم بلا منازع.
نبارك للأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الحليف ورئيس جمهورية الصين الشعبية الحليفة شي جين بينغ المحترم، بنجاح فعاليات ومواضيع الحلقة النقاشية الاخيرة الرفيعة المستوى التي هدفت إلى التحضير لإنجاح المؤتمر الوطني القادم للحزب، الذي نرجو له نجاحات متميزة، والتهنئة موصولة لحِكمة الرئيس “شي” وخبرات اللجنة المركزية للحزب والقياديين والمتخصصين الصينيين بكل المجالات، العاملين على نقل الصين إلى درجة أرفع في سُلّم التقدم الحضاري في المجالات كافة بدون استثناء.
*كاتبة ونائب رئيس #الاتحاد_الدولي_للصحفيين_والإعلاميين_والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين ورَابطة القلمِيّين العَرب حُلفاء رُوسيّه – الأَردن.
*المقال خاص بالنشرة الاسبوعية لموقع “#الصين_بعيون_عربية”.