خطاب ترامب حول البرنامج النووي الإيراني برؤية صينية: لهجة الحرب الباردة
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
يثير موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني قلق الكثيرين في الولايات المتحدة نفسها وفي العالم ككل. فهذا الموقف ينذر بتفجير أزمة كبرى لا تقف تأثيراتها عند حدود منطقتنا، وإنما سيكون لها انعكاسات على كل الكرة الأرضية.
وقد كان لافتاً صدور مواقف معارضة لهذا التوجه الأميركي الترامبي من مختلف دول العالم، سواء في أوروبا أو آسيا أو غيرها من القارات، واقتصار الدول المؤيدة لهذا الموقف على بضع دول تعمل تحت المظلة الأميركية بشكل مطلق ودون أي استقلالية.
وإذا كانت أوروبا صاحبة الصوت الأعلى في انتقاد موقف ترامب وتهديداته العنترية، فإن دولاً أخرى مثل روسيا والصين لم تصمت بدورها على تجاوز الرئيس الأميركي لكل الخطوط الحمراء، واستهتاره بتوقيعات الدول الأخرى الضامنة للاتفاقية.
وقد عبرت الصين من ناحيتها بقوة عن موقفها من الاتفاقية داعية إلى الالتزام بها، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية إن “خطة العمل المشتركة الخاصة بالقضية النووية الإيرانية تمثل نموذجاً ناجحاً لحل القضايا الدولية الشائكة من خلال الدبلوماسية”، مضيفة أن هذه الاتفاقية “تلعب دوراً هاماً في دعم النظام الدولي لعدم الانتشار النووي والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، كما أنها تعتبر نتاجاً هاماً للحوكمة الأمنية الدولية”، مجددة التأكيد على حرص الصين على الاستمرار في دعمها والمشاركة في تنفيذها.
هذا الموقف الصيني الرسمي الواضح والصريح اقترن بالكثير من الانتقادات التي وجهتها الصحافة الصينية للعنجهية الأميركية في التعاطي مع هذه القضية، ومع قضايا العالم بشكل عام.
وتحدث الإعلام الصيني عن استهتار الإدارة الأميركية بالرأي العام الدولي في تعاطيه مع قضية الاتفاق النووي الإيراني، فعنونت صحيفة غلوبال تايمز أحد مقالاتها المنشور يوم السبت 14-10-2017 على الشكل التالي: “على الولايات المتحدة احترام الرأي العام الدولي في قضية الاتفاق النووي الإيراني”، فيما نشرت صحيفة تشاينا دايلي مقالاً يوم الاثنين 16-10-2017 بعنوان: “السلوك الأميركي الخطر تجاه إيران”.
وفي كلا المقالين يمكن تلمّس حنق صيني كبير من الأداء الترامبي السيء في هذا الملف، والذي لا يحسب حساباً لأحد، ويعمل انطلاقاً من أفق ضيق، بعيداً عن المصلحة العليا الشاملة والسعي نحو السلام العالمي.
فصحيفة “تشاينا دايلي” ترى مثلاً أن الحكومة الامريكية لا تبدي أي احترام للموقعين الآخرين في انتقادها الاتفاق، وتتجاهل ما فعلته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة إيران لضمان التزامها بالصفقة.
وتحذر الصحيفة من أن تقود خطوة الإدارة الأميركية إلى عزل الولايات المتحدة عن حلفائها في أوروبا، الذين يستنكرون عدم احترام الولايات المتحدة لتوقيعهم، والذين يرون في الاتفاقية مصلحة مشتركة لهم.
وفي جانب آخر من المقال ترى “تشاينا دايلي” “أن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران ـ الذي استغرق 13 عاما من الجهود الدولية للاتفاق عليه ـ سيضر كثيرا بسمعة الولايات المتحدة، كما أنه سيوجه ضربة قوية لجهود المجتمع الدولي في مجال عدم الانتشار النووي، ويضع سابقة سيئة من شأنها أن تزيد من صعوبة التوصل إلى حل سلمي لحالة الجمود في شبه الجزيرة الكورية”.
والنقطة الأهم التي ترى الصحيفة أن الإدارة الأميركية ستقود العالم إليها بتعنتها تتمثل في أن “وجود شرق أوسط غير مستقر، والنفور المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، سيضعفان بشكل كبير الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب الدولي الذي من المرجح أن يستفيد من الفرصة ليصبح أكثر انتشاراً.”
إذاً، فالخطوة الأميركية خطيرة جداً كما تراها صحيفة “تشاينا دايلي” الصينية التي تختم مقالها بالقول: “وببساطة، الخطوة الأميركية ستجعل العالم أقل أمناً وأكثر فوضى.”
من جانبها، كانت صحيفة “غلوبال تايمز” أكثر حدة في انتقاد التعامل الأميركي مع قضية الاتفاق النووي الإيراني، واعتبرت أن الولايات المتحدة تتعامل مع العالم بعقلية الحرب الباردة.
وبعد أن تستعرض ما ترغب الولايات المتحدة تعديله في الاتفاق، إن لجهة منع إيران من تخصيب اليورانيوم نهائياً في المستقبل، أو لجهة فرض قيود على البرنامج الصاروخي الإيراني، تقول الصحيفة إن “أي تغييرات في أي اتفاق دولي ينبغي أن تخدم أغراض مختلف الأطراف. ومن شأن التخلي عن الاتفاق من جانب واحد أن يشوه سمعة واشنطن الدولية ويهز أساس الصفقة”. وتخلص في هذا المجال إلى القول: “التنافس بين الولايات المتحدة وإيران هو، في جوهره، تنافس بين الولايات المتحدة والنظام الدولي”.
وفوق هذا، جاءت خاتمة المقال الافتتاحي لصحيفة غلوبال تايمز مميزة ولافتة، ولا سيما إن الصحيفة تابعة لصحيفة الشعب الصينية الرسمية، لسان حال الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
لقد جاء في ختام المقال، وبالحرف:
“هل سيتم إعادة تشكيل النظام العالمي في المستقبل وفقاً لإرادة واشنطن؟ ربما لا، لأن القوى الكبرى الأخرى سوف تمارس أيضا إرادتها من خلال الجهود المشتركة.”