“شي” يريد محاربين ومناضلين لا (ياقات بيض)..
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*
أنهى المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الحَليف أعماله بقرارات كبرى بحَجم الصين وجبروتها وعظمتها. لكن قبل انعقاد المؤتمر بكثير، كان واضحاً لجميع الحزبيين في أكبر حزب سياسي على الكرة الأرضية، ولكل الصينيين والمتابعين لشؤون الصين في العالم، أن المؤتمر سيكون حَركة مِفصلية ونقلة تاريخية تباعد كثيراً ما بين السابق واللاحق، وتفصل سلبيات الماضي وأمراضه عن المستقبل الأنظف، وينتقل بالصين الى رِحابٍ غير مسبوقة من الإدارة الأميز للحزب والدولة، يُكرسها “شي” لرفاق مُعتصمين بِحبل أفكاره ومنهجه وتطلعاته وجُلّهم من المُحاربين والمُناضلين الكَادحين، الذين ليس بينهم أحد من (ذوي الياقات البيض) من الثعالب والذباب وأصحاب الجمبري والفندقة الرغيدة الاستثمارات الشخصية.
لقد ترسّخ النهج الحالي الجماعي في الحزب بقيادة الأمين “شي جين بينغ” بالانتصارات المتتالية على الفاسدين الهاربين الى الخارج والداخليين على حد سواء، الذين يمثلون أمزجة وسواعد التراجع وتفكيك المنجزات المتحققة. وفي هذا السياق تقول المراجع الصينية، أنه ومنذ تأسيس مكتب العمل الدولي لمطاردة الفاسدين الهاربين والكسب غير المشروع، التابع لفريق التنسيق المركزي لمكافحة الفساد في يونيو/ حزيران عام 2014، حقّقت الصين “منجزات مثمرة” في التعاون الدولي لمكافحة الفساد: فمن عام 2014 إلى نهاية مايو/ أيار عام 2017، اعتقلت الصين 3051 “مجرماً” هارباً في أكثر من 90دولة ومنطقة، من بينهم 541عضواً في الحزب أو موظفاً حكومياً، واستردت 098ر9مليارات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات).
وفي نجاح مقاومة العناصر الفاسدة التي تقود الى إفساد الحزب والدولة فتراجعهما، طرح الحزب وأقر بوعي، واجب التوافق مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وفي القلب منها شي جين بينغ، السكرتير العام للجنة المركزية للحزب، والحفاظ على التضامن والوحدة في الحزب، ودعم السلطة المركزية للحزب وفي القلب منها شي جين بينغ – الذي هو الضامن الأساسي للالتزام بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها نحو إقلاع حضاري مُخطّط.. ومن أجل إدارة الحزب الشيوعي الصيني بصرامة، وافق المؤتمر على تعزيز الانضباط “الصارم” في الحياة السياسية الداخلية للحزب وتعزيز الرقابة في حياته الداخلية، وهي قرارات ضرورية لضبط سلامة المسيرة الاقتصادية والشعبية والوصول الى الحُلم الصيني بمجتمع الحضارة الأيكولوجية المتقدم والمجتمع الرغيد الحياة، وإهداء مِثالهما للعالم أجمع في المسيرة السلمية لتحويله اقتصادياً فسياسياً لننعتق من شرور الامبرياليات والرجعيات كافةً، التابعة لعواصم المتربول الدولي الامبريالية .
وفي سبيل تطبيق المرامي الشريفة للحزب، تم معاقبة نحو16487 من موظفي الحكومة، بسبب سوء السلوك والاختلاس في الأعمال المتعلقة بتخفيف حدّة الفقر فى الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي 2016م، وأُقرت آليات لضمان اختيار “قادة نظيفين” وقادرين على العمل في لجان فحص الانضباط على جميع المستويات. لكن الأهم في عملية الحوكمة المتدرجة ومكافحة الفساد، أن الحزب واعٍ لضرورة أن يتم التركيز على خطوة جديدة هي اختيار الأفراد المناسبين الذين يتمتعون بمعايير أخلاقية رفيعة وقدرات عالية وثقة الحزب والشعب للعمل في أجهزة مكافحة الفساد، وضمان عملية مكافحة سلمية وشفافة ومُعلنة، ما يَعني ان الصين تسير في خطوات صحيحة نحو مجتمع حضاري جديد وأكثر تطوراً، ورفيع المستوى، خالٍ من التطلعات الذاتية القاتلة للمسيرة الحزبية والمجتمعية.
في نجاح سياسة الرئيس “شي” حزبياً وشعبياً خلال السنوات السابقة وفي المؤتمر التاريخي الأخير، أنه رَبَطَ بإبداع مصالح الصين بحسن المسيرة الداخلية والحوكمة العادلة والرفيعة، واستنبط العِبر والدروس من أخطاء الاحزاب الشيوعية الأُخرى، بخاصة تلك التي حَكمت دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي، وأحزاب الحركة الماوية العالمية، التي لم تعد منذ “حركة الإصلاح والإنفتاح” عام 1978م ترتبط عضوياً وأيديولوجياً كأحزاب بالحزب الشيوعي الصيني، الذي “إنعتق واستقل عنها” وتخلّص منها، وبالتالي نفض عن كاهله تبعات مواقفها السياسية وعملياتها العسكرية ومنهجها وتبريراتها لعمليات تقترفها قد تكون مفبركة لصالح قوى الشر العالمية التي لم تنفك “تلعب” في الداخل الحزبي الشيوعي على مثال عدد من الاحزاب العربية التي تكشف تمويل الدوائر الرجعية والإمبريالية وجورج سوروس وآل روتشيلد وغيرهم، لقادة فيها وفي لجانها المركزية ومكاتبها السياسية. وقد مَنَحَ هذا التوجّه الحزب الشيوعي الصيني إنعتاقاً سياسياً وأيديولوجياً حقيقياً، وأمدّه بحرية الحركة الأفعل في كل اتجاه على صعيد عالمي، فاستقرت سياسة الحزب والدولة و“تصيّنت” بالكامل، إذ أصبح الحزب مُنسجماً مع نفسه ومع تاريخه وقضايا الصين والصينيين الآنية والاستراتيجية، وصار حزباً لدولة واحدة، يلتزم بالقانون الدولي الذي يُفترض أن تلتزم به جميع دول الأرض، ويُمارس تأثيراً فكرياً وسياسياً عظيماً داخلياً وخارجياً من خلال مِثاله الأيديولوجي ونهجه السياسي وقراراته الاقتصادية والعلمية، ولهذا فقد تمكّن الحزب من نقل حُلمه إلى مختلف رياح المَعمورة، “بتحويل العالم سلمياً إلى واقع مُعَاش”، بدءا بتطبيق الحُلم بروافع اقتصادية عديدة تدعمها سياسة واضحة ومتوازنة وشفافة، وبناء صروح للمساواة الفعلية بين الشعوب ومساعدتها لتكون سيّدة نفسها دون الاعتماد على دول الاستبداد، وتفعيل نهج المكاسب المشتركة الفعلية عالمياً، ومساندة الأمم وقومياتها وشعوبها “للانتقال إلى الأعلى” عن طريق الاقتصاد وبتوظيف الاستثمارات الضخمة الأهم لبُنيتها وتحرّرها واستقلالها الناجز.. الاقتصاد الذي يربط السياسي بالاقتصادي.
كل هذا وغيره تحتاج الصين لتدعميه وتعظيمه بتسييد قيادة حزبية واعية وحكيمة وقادرة على اتخاذ قرارات حاسمة ودقيقة، تحقّق نقلة حضارية نوعية جديدة وأكثر نضجاً للصين والعالم. وقد لبّت القاعدة الحزبية هذا النداء من خلال ممثليها بالمؤتمر التاسع عشر المصيري، فأفرزت قيادة لا تخضع للعواطف والعلاقات والمكاسب الشخصية.. قيادة تقع خارج إطار الهوامير الفاسدة التي عافها الحزب والشعب.. قيادة “شي” العقل والقلب الملتزمة بمصلحة البلاد والمخطط التنموي للحزب. لذلك لم نرَ في الحزب والصين أية انتقادات لمحاكمات متلاحقة أُجريت بتهم الفساد والإفساد لحزبيين وحكوميين كبار وآخرين من عيار وسط وصغير، عنت فيما عنت أن قيادة الأمين “شي” جادة في مساعيها لاعتماد مناضلين ومحاربين حزبيين بدلاً من شخصيات (الياقات البيض)، التي كان استمرارها يَعني استنساخاً للحركة الانقلابية الغورباتشفية واليلتسينية السوفييتية في ظروف الصين.
نظرة على تاريخ الأمم تؤكد أن النهضة الحضارية لم تكن لتتحقق وتنمو وتزدهر بدون دور الفرد القيادي في المجتمع. ويَنطبق ذلك على كل المجتمعات أكانت رأسمالية أم اشتراكية، والمجتمع الصيني واحد منها. فقد تحرّرت الصين بفضل قيادية حكيمة لرجل واحد هو ماوتسي تونغ العظيم، الذي جَمَعَ من حوله ثُلة مقاتلة ومحاربة ومناضلة مؤمنة بالتحرير والاستقلال والنصر، ثم تحلّق الشعب من حوله كالسوار حول المِعصم، وخاض حروباً قاسية وشديدة، وقاد جيوشاً داخل بلاده وفي شبه جزيرة كوريا المعذبة إستعمارياً لضمان تحرّرها وتقليم أظافر الأجنبي التوسّعي فيها، ووقف زحفه منها نحو الصين، وأرسى اقتصاداً ثقيلاً واحتكرت الدولة قطاع الطاقة الى الآن، وزراعة مُخطّطة، وساوى الصينيين بعضهم ببعض، ورسّخ مفهوم العمل الجماعي وشرف العمل في كل مُسمّى، وكذلك كان “دنغ هيساو بنغ” العظيم، أبو حركة الاصلاح والانفتاح العجائبية، وها هو الأمين “شي جين بينغ” قد ارتكز على تجارب الماضي ودروسه الكثيرة، ليخرج شاهراً سيفه وفكره ومعه المحاربين والمناضلين الأِشداء والشعب الذي يتحلّق من حوله كالسوار حول المِعصم، ليقودوا سوياً عملية توليد حضارية جديدة وضخمة وشاسعة للامة الصينية، توازي في ضخامتها وشساعتها ضخامة وشساعة العالم نفسه، ونجح الأمين كذلك بفرض مبادىء ومناهج المحاربين والمناضلين والوطنيين الكادحين، وتقليم أظافر ذوي (الياقات البيض) الذين انحرفوا عن المسيرة وقدّموا مصالحهم الذاتية على حساب مصالح الوطن والأُمة وسبيل تحويل العالم، الذي دنا وبات بريقه يزداد وهجاً وإنارةً.
الصين الاشتراكية بألوانها وعَلمِها تستند في ازدهارها إلى قاعدة الصناعة الثقيلة واحتكار قطاع الطاقة وغيرها من الحقول الضامنة للاستقلالية والتطور الاشتراكي، وهي قطاعات حكومية يَمنع على القطاع الخاص ورأس ماله مَسّها أو الاقتراب منها أو تقاسم النفوذ معها، منعاً لأية تجربة تحريفية سوفييتية في ظروف الصين وحزبها الباني. فالحزب الشيوعي الصيني يَحمي وجود الاقتصاد الاشتراكي ونهجه الصيني. والصناعة الثقيلة الصينية تنقذ عادة القطاع الخاص عندما يَجبُن رأس المال – كعادته، فتدفعه بكل ما لديها من مُحفزات وطاقات مادية ومعنوية وإدارية وقانونية وتشريعية الى الأمام، وهو ما يَعني أن دور الاشتراكية وركائزها – وهي القائمة على الوعي بضرورتها وبأنها قادرة على صون كل أفراد المجتمع ومساواتهم، وبالتالي صون الفكر الاشتراكي الصيني المنفتح والانساني القسمات ومواصلة ترسيخه – تتوسّل وبدون انقطاع توافر “الثلة المُجرّبة من المحاربين والمناضلين الأشداء”، التي تمكّنت هذه المرة أيضاً وبفضل وعي الأمين “شي” ورفاقه وبُعدِ بصيرته السياسية، من إذكاء الروح الاشتراكية في الصينيين عامةً، وتخليصهم من عبادة المادة وتنظيفهم من إفرازاتها المعدية التي تقود إلى رأسمالية جشعة وتحريفية وانسلاخ عن الانتماء للحزب والوطن والشعب والمسيرة.. فهؤلاء الفاسدون هم – عملياً فكراً وممارسةً ـ ذخيرة الأجنبي الطامع بالصين وخيراتها والحَالم بإعادتها الى إقطاعية غربية قديمة فكّكت الصين طويلاً، وأمرضت الصينيين بالأفيون والالتحاق بصفوف الأجنبي.
…
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.
مقال مفصل ودسم تطرق الى اهم مخرجات المؤتمر ال 19 . تحياتي للاخ مروان صوداح ولجميع اعضاء الاتحاد
الف شكر صديقي الكبير الكاتب اليمني المغوار ناصر ظيفير المكرم.. ارجو ان تكتب إن امكنك ذلك مقالة عن مؤتمر الحزب 19 وننشرها لك ونرسلها للصين
نعم يا سيدي الصين دوله عظمى والكل يعرف ذلك سواء شءنا ام ابينا.مقاله شامله وموسعه مدروسه بشكل علمي ناتج عن الخبره الطويله التي تتمتع فيها صديقي واخي الاكاديمي الكبير.
الف شكر صديقي التاريخي والعالِم البرت سيمونيان لهذا الاطراء الكبير الذي نفخر به ونأمل ان تشاركنا الكتابة بقلمك السيال والمبدع لنغرف من عِلمك وثقافتك وارائك الكثير.. ايها الجليل