“المركز الثقافي الصيني”: فلنحتفِ بافتتاحه هذا العام بالذات
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
يَنتظر الأُردنيون بفارغ الصبر إفتتاح المركز الثقافي الصيني، في العاصمة عمّان، حتى يُصبح مركز جذب لهم نحو مزيدٍ من الصداقة والعلاقات الثقافية مع الصين دولةً وشعباً، وللتقريب ما بين الشعبين في كل مجال ضمن تفاهم إنساني شامل.
واستناداً الى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، الذي عُقد مؤخراً في بيجين، فإن الحزب يُولي أهمية كُبرى ورئيسة للتبادل الثقافي والتراث العالمي غير المادي، والتعريف بالصين ثقافياً، وكذلك يَهتم كثيراً بإسناد عملية تعريف الشعب الصيني على شعوب العالم بروافع مُتجدِّدة وفاعلة، تصب في الانسجام والاندغام الحضاري مع تلك الشعوب، ولأن ترتدي هذه العملية وتائر أسرع من ذي قبل، رغبةً بتسهيل تنفيذ المَشروع الإقتصادي الكوني “الحزام والطريق” في مختلف القارات، وتطلّعاً ليَرث السُّبل القديمة للصداقة والعلاقات والثقافية لطريق الحرير الصيني القديم مع الآخر القومي والإنساني.
وهكذا، واستناداً الى نهج الحزب، فقد نقل القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، أن مندوبي المؤتمر الوطني الـ19 للحزب تطلعوا الى تعميق المجالات الثقافية والفنية والتبادلات الثقافية التي من شأنها أن تـُفضي إلى “خلق وضع جديد للتنمية الثقافية على نطاق عالمي”، ونوّه مندوب المؤتمر الوطني ومدير مركز الإذاعة الإقليمي لغرب آسيا وإفريقيا لإذاعة الصين الدولية (شيا يونغمين)، إلى إن الثقافة هي قناة هامة ومنصّة هامة للتواصل بين الأشخاص، ومحتوى جيد للانتشار الخارجي. ففي السنوات الأخيرة، نظّمت إذاعة الصين الدولية سلسلة من أنشطة التبادل الثقافي، بما في ذلك الترجمة السينمائية والتلفازية، لتعزيز التبادلات الثقافية ما بين الصين والعالم.
وأضاف (شيا)، أن إذاعة الصين الدولية نظمت مجموعة من المقابلات مع وسائل الإعلام من مختلف البلدان، للتعرف بالعادات الشعبية والفولكلور والتنمية الاجتماعية والوضع الاقتصادي والثقافي في الصين، ولتعزيز التفاهم ما بين الدول والشعوب من خلال التغطيات الإعلامية، مؤكداً أن هذه هي مسؤولية وسائل الإعلام، التي هي قناة هامة لتعزيز التبادلات الثقافية. وبيّن (شيا) ضرورة إتخاذ أليات وسلوك كيفيات لإجراء تواصل ما بين الثقافات، و “إنه يجب علينا الحَفر في جوهر الثقافات المختلفة لمعرفتها، وتعزيز انتشار هذا الجوهر من أجل مساعدة الجماهير للتعرف على قِيم البلدان وشتى الجنسيات.
الصين أدركت بعمق أن العمل الثقافي الراقي والمهني مع شعوب العالم مهم للغاية، وبأنه يجب ان يسير سوياً الى جانب المشاريع والخطط الاقتصادية الصينية العملاقة. فبدون التعريف بالصين وأهدافها العالمية من خلال (الإعلام الملتزم) و (إعلاميين ومثقفين ملتزمين)، وعمل ثقافي إقليمي ودولي، لن تصيب نجاحاً. فمن الضروري إيجاد توازن دقيق في توزيع العملين والنشاطين الإعلامي والثقافي الصينيين في كل الدول، ونشرهما في أوساط كل الشعوب، وعدم التركيز على دولة ما دون أخرى، لأن الفعل الصيني في أوجهه المتعددة إنما يَستهدف العالم، كل العالم، بالتعاون والتنسيق والفهم والإدارك لما تَجهد الصين الى تفعيله في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من القارات.
وفي هذا المجال، لا بد من عمل ثقافي وإعلامي صيني إستراتيجي، يشمل مختلف الدول ويقوم على علاقات دولية من نوع جديد ومفهوم بناء المجتمعات المثقفة وذات المصير الواحد والمشترك، ما يُفضي الى فهم أعمق لمبادرات الصين تجاه النظام الدولي في المستقبل المرئي، القائم على المعلومات الحقيقية والثقافة الإنسانية والانسجام والتلاقح الثقافي لكل الامم والشعوب، لخلق شعور أممي واحد. واللحظة التاريخية الحالية مناسبة للتطوير الثقافي والإعلامي الصيني ودفعه للصعود بتسارع، ما سيفيد العالم والصين لناحية تسييد العدالة في النظام العالمي المُقبل القائم على تعددية الاقطاب.
وعلى صعيد أردني، فقد نُشرت أخبار عن أن وزير الثقافة الدكتور عادل الطويسي، ووزير الثقافة الصيني (لوه شوقانغ)، وقّعا في بكين مذكرة تفاهم لإنشاء المركز الثقافي الصيني في عمّان.. ونقلت الأنباء أن مذكرة التفاهم “جاءت برغبةٍ من الوزارتين الاردنية والصينية، لمواصلة تعزيز وتعميق التبادل والتعاون الثقافي، وتوثيق أواصر الصداقة بين شعبي البلدين الصديقين”.
شخصياً، كنت منذ عهد بعيد، ولا أزال للآن، داعياً الى تسريع إقامة مثل هذا المركز الثقافي في عمّان، وإقامة مركز ثقافي أُردني في بيجين.. وها قد مرّت أربعون سنة دون أن يُقام المركز. لكن احتمالات ظهوره في عمّان باتت اليوم مؤكدة، إلاّ أن الخشية التي تساورني هي، أن إفتتاح المركز سوف يتأخّر، وآمل بألاّ يحصل ذلك. وعلى كل حال، أتطلّع إلى يَوم قريب يَكون فيه (المركز الصيني) جماهيرياً حقاً، وأن يَرد إسمه على كل لسان، وبأن يتمتّع بتواصلٍ واسع جداً مع الشعب الاردني، بمختلف أجنحته وتشعّبانه وأطيافه، فهو لجميع الاردنيين الأصدقاء للصّين وللصِّلات والعلاقات الاردنية الصينية، التي كانت قوية، وكانت وثيقة حِين كان الاردنيون والصينيون لصيقين ببعضهم البعض، منذ ألوف السنين، كما يَحكي لنا التاريخ وطريق الحرير القديم، وكما وثـّقت المراجع المحكمة.
الاردنيون يُقدّسون مفاهيم الصداقة والتعاون والتفاهم الدولي ما بين الشعوب والامم. لذلك، سيتمتع المركز الثقافي الصيني بشعبية طاغية في الاردن، وسيتحقق ذلك من خلال آليات مدروسة وعلاقات تأخذ بعين الاعتبار طموحات الشعبين ومواطني البلدين في كل مجال.. وهو ما سيَدفَع بالمركز الثقافي الصيني المأمول والعتيد وضمن شروط النجاح العديدة، ليتمتع بإضافات نوعية، تفوق تلك التي يتمتع بها غيره من المراكز الثقافية الأجنبية العاملة في عمّان.
المركز الثقافي الصيني سيَكون الصيني الأول من نوعه في العاصمة الاردنية، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الدولتين في عام1977م، وسيغدو بلا شك إضافة متميزة في مسار العلاقات الثنائية في عدة مجالات.. في أولها الثقافي بمعناه الأوسع بالطبع، وفي ثانيها الفني والعلمي والتعليمي والرياضي، وليس أخرها اللغوي والسياحي.
بَقى حتى نهاية هذا العام والإقتراب من رأس السنة الميلادية الجديدة، شهران تقريباً. لذا، نأمل أن تُبادر الجهات الصّينية ذات العلاقة، بإعتماد بناية خاصة بالمركز الثقافي الصيني، قبل انتهاء هذا العام، لنسجّل بالتالي بأحرفٍ من نورٍ وبسطوعٍ، أن الذكرى الأربعين للعلاقات الثنائية بين بلدينا، شَهدت بعد إتمامها أربعة عقود، إعتماد مركز صيني ثقافي في منطقة مهمة وحيوية بالعاصمة الاردنية القديمة قِدم التاريخ نفسه.. المنطقة التي تَعود في ألفياتها إلى ذات الألفيات التي ظهرت فيها الثقافة الصينية نفسها، وكانت شهدت القوافل البرية لطريق الحرير الصيني الشهير وتعاملت معها.
إما في حالة تأخّر إفتتاح هذا المركز الى العام المقبل 2018م، فإن هذا لن يَعني تسجيلاً إضافياً بأي حال من الأحوال لتلك الفعاليات الكثيرة التي وُضعت للإعلان عن إحتفالية العقد الرابع للعلاقات الدبلوماسية ما بين الصين والاردن، والتي فاقت الـ(100) فعالية حتى اللحظة، وقد كان لها صدىً كبيراً في البلاد بفضل الجهود المشكورة لسفارة جمهورية الصين الشعبية لدى الاردن، إذ برزت السفارة بقيادة الأخ السفير (بان ويفانغ)، وإلى جانبه كادرها الهمّام من الدبلوماسيين والإداريين، بنشاطات ملحوظة فاقت بعديدها وأهميتها الأنشطة الأُخرى للسفارة المَعتمدة، حين احتفت ولا تزال تَحتفي وبصورة شبه يومية، بذكرى إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الاردن، وستستمر بالإحتفاء بها حتى حلول رأس السنة المقبلة 2018م.
ومن أجل أن يَكون المركز الثقافي الصيني جاذباً، ويقع في بؤرة إهتمام الاردنيين جميعاً، دون تمييز بينهم، أرى أنه من الأنسب والأحكم إقامته في منطقة مركزية وإستراتيجية في العاصمة، وان تُطرح جانباً أية مبادرات لإفتتاحه في منطقة بعيدة عن وسط عمّان أو نائية عنها، فنظرة واحدة على المراكز الثقافية الأجنبية المنتشرة في عمّان، تؤكد أن حكوماتها إختارت إقامتها في منطقة وسطاً في العاصمة، تقع ما بين شطريها الشرقي والغربي. فهذه المنطقة الوسطى تتميز بتاريخ عريق وميلاد الثقافة والحضارة على ترابها وصخورها الصّلدة، تماماً كما هي البِنايات الضخمة لأمانة عمّان الكبرى، التي شُيّدت في منطقة هي الأهم تاريخياً في العاصمة، حيث شهدت تأسيس مُستوطنات بشرية أولى عُثر فيها على أهم التماثيل والشواهد الثقافية القديمة، وبعض هذه البنايات فيها أُقيم بالذات على نهر(يبوق) التاريخي القديم ويسمى كذلك بنهر التماسيح، الذي ذُكر إسمه في “العهد القديم”، حيث سكن أجدادنا العَمّوُنيين، وحيث كانت ربّة عَمّون، وذرية الأنبياء، وما تزال المِياه الرقراقة تَجري هناك منذ ألوف السنين، حَيث عَمَدَت أمانة عمّان الكبرى الى سقاية أهل عمّان من ينابيع هذه المياه، من خلال أنابيب و”ماتورات” ضخ قوية.
وعن نهر يبوق، كُتب الكثير من المعلومات، وكَشفت صفحات التاريخ عن أحداث وأمكنة مُمتعة. وتشير المراجع التاريخية وموسوعة “ويكيبيديا”، إلى أن العلماء الجيولوجيون رجّحوا أن عمر النهر يبلغ حوالي30 مليون عام، حيث اكتُشف الآثار في منطقة النهر، والتي تُسمّى “عين غزال”، والتي تم الكشف عنها في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، حيث استُخرجت تماثيل من العصر الحجري الحديث ، كانت صُنعت منذ حوالي ستة آلاف سنة قبل الميلاد! وتشير المكتشفات الأثرية على طول مجرى النهر، إلى أن المنطقة كانت غنية بالنباتات والحيوانات في الماضي، وبأنها تعود إلى العصر الطباشيري السفلي(135 مليون عام).
بينما قال ياقوت الحموي عن نهر يبوق التالي: “نهر عظيم، غزير المياه، وفيه سِباع كثيرة مذكورة بالضراوة، وتكثر حوله النباتات الملتفّة وأشجار القصب”. وما زال الناس يتذكرون سوق السّمك الذي كان مُقاماً بجوار “السيل” في عمّان، حيث كان الصيادون يجلبون ما يصطادون من نهر الزرقاء إلى تلك السوق لبيعه. ويُشار إلى أهمية منطقة المَخاضة بالنسبة لأصحاب العهد القديم حيث تعتبر منطقة مقدسة لديهم.
في مَعلم المَركز الثقافي الصيني يُفضّل أن يَعلو بُنيانه في منطقة يَسهل على جميع المَعنيين به من محليين وأجانب وبخاصةً المواطن العمّاني، الوصول إليها والعودة منها. وأعني هنا بالإتجاهين، أن يتمكّن زوار المركز التواصل معه بدون عناء حتى “ولو” تأخّروا في عَين “المكان الصيني” في حضورهم الفعاليات الثقافية الى ساعة متأخرة من الليل. إن توافر المواصلات العامة والخاصة بكثرة في منطقة (المركز)، هو عامل مهم وأساسي لبروزه ونجاحه وازدهار أعماله وتواصل فعالياته، زد على ذلك أنه من الأهم ان تكون وسائل المواصلات متوافرة في تلك المنطقة بكثرة، لكونها منطقة مَعمورة بالساكنين وتضج بالحياة والخدمات نهاراً وليلاً.
وهناك عامل أخر يُمكنه إنجاح فعاليات المركز الثقافي الصيني وإبراز مكانته الاجتماعية والثقافية الرفيعة بيسر، وهو أن يَتمركز المركز في منطقة مجاورة للشواهد والعَمائر التاريخية والأثرية والوطنية والثقافية الاردنية (وبعض المراكز الأجنبية تقع بالقرب منها)، وكذلك ملاصقته أو مجاورته لـ”المكتبات الوطنية” العامة والرئيسية التي تهتم بالتعاون السريع والأيسر واليومي مع المراكز الثقافية على تعدّدها. زد على ذلك، أن (المركز الصيني) نفسه سيهتم حتماً بتوثيق أواصر التعاون مع المراكز الثقافية الاردنية والأجنبية المُماثِلة له، وكذلك سيكون أمره مع المراكز الثقافية والتعليمية الخاصة التابعة لأُردنيين ولممثليات إعلامية على تنوعها، حَيث سيَسهُلُ على المركز الثقافي الصيني التواصل دون عوائق مع تلك المراكز والمكتبات، وكذلك تواصله الأسرع مع سفارته الصينية ذاتها، ومع مكتبها الثقافي المُستقل، ومع مكتب وكالة أنباء “شينخوا” الرسمية الصينية المستقل أيضاً، ومكتب الفضائية الصينية الناطقة بالعربية”CCTV” القائم بذاته، وليس أخيراً التواصل مع مراكز ثقافية أجنبية كثيرة منتشرة في ذات منطقة المركز الثقافي الصيني.
…
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين – الاردن.