مع “شي جين بينغ” في السَّهرِ لفَهم أفكاره وأبعادِها
موقع الصين بعيون عربية ـ
الشيخ محمد حسن التويمي*:
أُعتقد أن لا أحداً غيري في المملكة الاردنية الهاشمية، قد وَصَلَ الليل بالنهار وهو يتابعُ بإهتمام بالغ الخطاب/ التقرير الافتتاحي التاريخي للأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب، والذي ألقاه على إمتداد عدة ساعات فجراً “بحسب توقيت الاردن”، ليوم الثامن عشر من تشرين الأول/ أُكتوبر الحالي.
المَهم ليس هو عَملية السَّهر المجردة بحد ذاتها، أو مجرد الاستماع للخطاب/ التقرير التاريخي لرئيس أكبر حزب سياسي في العالم – كان الحزب قد تأسـس في عام 1921 من ثلة مناضلة من حزبيين صغيرة جداً -.. بل أن المهم هو أن دولة الحزب أصبحت اليوم أضخم قوّة إقتصادية على وجه الأرض. إلا أن الأهم هو متابعة هذا الرجل القائد والفاره القامة والمبتسم دوماً، وملاحظة الهدوء التي يتميز به هو وعيونه، وكذلك هدوء تقاطيع وجهه وانسيابية حَركات يديه، وصفاء سريرته ونظراته الطيبة، فكل هذه لها دلالاتها العميقة. والأُهم أيضاً هو فهم أفكاره التي طرحها في الخطاب وأبعادها، والخروج بتقييم صحيح لِما يريده الرجل الأول في العالم، من شعبِه أولاً، ومن شعوب الأرض ثانياً.
وضمن كل ذلك، لفت انتباهي في المؤتمر استشهاد الأمين العام “شي” ببيت شعري قديم يقول بكل جدية وصرامة: “نحن لا نطلب الإطراء على ألواننا الزاهية، بل نأمل في أن يشعر الناس بنزاهة أخلاقنا”، ورحّب بالتغطية “الموضوعية” لأعمال الحزب ومؤتمره وأفكاره والمقترحات المُفيدة لخدمة قضيته الحزبية.. فالحزب خاض نضالاً تاريخياً قاسياً وطويلاً لتحرير الصين وإنجاز استقلالها وصيانة مكتسباتها، إذ أنه صار كذلك الحزب الأكبر والأهم في العالم، بعدما كان عَقد مؤتمره الوطني الأول في عام 1921م، بحضور 12 مندوباً فقط، كانوا يُمثلون 50 عضواً حزبباً حصراً، كانوا منتشرين في شتى أنحاء الصين.. ومن هنا، التزم برأي الأمين العام “شي” بأن مقالتي هذه ليست دعوة لمحاكاة الحزب الشيوعي الصيني، لكنني أريدها رأياً أطرحه في واقعه الحزبي ومؤتمره وقضاياه وشخصه، واستعراض لحالة حزبية ودولتية بارزة عالمياً، أرى فيها وأحسب أن في طياتها وجوهرها الكثير من العناصر المفيدة للتطور الحزبي العربي ولإزدهار الأمة العربية في بلدانها المختلفة.
في تقرير الأمين العام “شي” أنه استمر نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة، وظهرت كلمة “العصر الجديد” في تقريره أكثر من 30 مرة، وركّز “شي” في تقريره على إقامة “دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة”، و”تحقيق التحديثات الاشتراكية على نحو أساسي بحلول عام 2035″، ونقل الصين لتكون “دولة اشتراكية حديثة قوية” بحلول أواسط القرن الـ 21″.
لماذا تجشّمتُ عناءَ كل هذه المتابعة للخطاب التاريخي الأمين العام “شي”.. ولماذا واصلتُ متابعة أعمال مؤتمر الحزب في ذات يوم إفتتاحه، وعلى مدار الأيام الاخرى التي غيّرت الكثير في حياة الصينيين، بل وفي حياة الحزب الداخلية نفسه، ونَقَلَتهُ بقرارات جرئية لم يسبق لها مثيل، الى مرحلة جديدة في بذلِ ذاتهِ من أجل الوطن وقضية التطوير الاقتصادي والفكري للصينيين ومواطني العالم كوحدة واحدة يستهدفها الحزب، ومن ورائه الصين بالتصميم على نقل الفِعل الاقتصادي للجانبين الصيني والأجنبي في آن واحد، وضمن عملية واحدة أيضاً لا رجعة فيها، برغم كل ما برز وما سَيَبرزُ من صِعاب ضخمة، لا يمكن لغير الصين أن تحتملها وأن تحملها على يديها الصلبتين؟
في الحقيقة، أن متابعة الأمين العام “شي” وخطابه عملية ممتعة للغاية، فقد بَهرتني شخصيته القوية التي برزت في الخطاب، وطبعاً بهرتني هذه الشخصية كذلك في زمن ما قبل الخطاب، كزعيم مبدئي بمعالِمِهِ ووضوح الرؤية الفكرية والسياسية لديه، إذ كانت كلماته تنساب واثقة بمدلولاتها وتأثيراتها.. فهو لم يتلعثم ولو لمرة واحدة خلال الخطاب الطويل، ولم يُخطىء في حرفٍ أو في كلمةٍ أو في فقرة. وما شدّني إليه أكثر وإحترام شخصيته بعمق، أنني لمست في هذه الشخصية مِثال القائد والرئيس والمواطن المخلص لبلاده وشعبه، والرجل المثقف والمبدئي والطليعي، الذي يقول بما يؤمن به.
أن نبرة الأمين العام “شي” في خطابه، تنم عن أنه وزملاءه الحزبيين، بحثوا خلال شهور طويلة وبعمق في نص الخطاب، وأشبعوه تمحيصاً وتدقيقاً وصياغةً، ومنحوه مدلولات ومصطلحات وكلمات بعيدة المدى بتأثيراتها ومعانيها، وأستراتيجيةً بأبعادها، وهي بلا شك تشي بتطبيقات قريبة وأكيدة على أرض الواقعين الصيني والعالمي، ذلك أن السياسة الحزبية الصينية التي تعتنقها الدولة الصينية، باتت تجد تربة خصبة ومُنتجة خارج الصين نفسها، وفي رِحاب فسيحة، وليس في داخلها وعلى أرضها الوطنية هي فحسب.
خلال اليوم الاول للمؤتمر الوطني التاسع عشر، حيث عُقد في فترة جد حاسمة، تسعى فيها الدولة الى استكمال تشييد المجتمع الرغيد في حياة أبنائه وبناته، على نحو كامل وشامل وفي فترة حاسمة تشهد دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الى عصر جديد يعتمر بالنجاحات.
وعلى مدار أسبوع من أعماله، لم أتوقف شخصياً عن متابعة الفضائية الصينيةCGTN خلال ساعات النهار والليل والفجر، كما ولم اتوقف عن مطالعة أخبار راديو الصين العربيCRI على صفحته على الانترنت، وقد هالني قوة التحمّل التي تميّز الأمين العام “شي”، وتواصله في إطار المؤتمر بمندوبيه من النساء والرجال الذين بلغ عددهم أكثر من 2300 مندوب، مَثّلوا نحو 90 مليون عضو في قِوام الحزب الشيوعي الصيني، بزيادة قدرها 30 عضواً عّمَا كان عليه في المؤتمر الوطني السابق، وذلك تلبيةً لحاجة زيادة عدد الأعضاء “في الخط الأمامي للإنتاج والعمل”، وبفضل نمو عدد منظمات الحزب القاعدية وأعضائها في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية، ويعيش هؤلاء المندوبون في مختلف المناطق الصينية التي يتوزعون عليها، ويعملون في مختلف المِهن دون استثناء، فمن بينهم كان مسؤولون حكوميون بارزون، وقادة الحزب، وضباط من الجيش، وعدد كبير من الأعضاء من القواعد الشعبية أو كما يُقال من “الخط الأمامي للإنتاج والتصنيع” كالعمال والمزارعين والفنيين والممرضين والمدرسين.
ومن الضروري هنا الحديث عن أنه إختير المزيد من أعضاء الحزب من أوساط العاملين والعمال بخط الإنتاج الأول والنساء كمندوبين إلى المؤتمر الوطني ال19 للحزب، وهو يُعد مشاركة أكبر من مثيلتها في المؤتمر الوطني ال18.
وبحسب بيان صدر عن إدارة التنظيم باللجنة المركزية بالحزب الشيوعي الصيني، فإن 771 مندوباً، أو ما يوازي 33.7 بالمئة من العدد الإجمالي – هم من العاملين في خط الإنتاج الأول والتصنيع، بزيادة قدرها 3.2 نقطة مئوية قياساً بالمؤتمر الوطني ال18 الذي عقد قبل خمسة أعوام.
ويشمل هذا العدد 198 من العمال أو العمال المهاجرين، و86 مزارعاً و283 من الكوادر الفنية المهنية.
ويبدو أن زيادة نسبة تمثيل أعضاء الحزب الشيوعي الصيني من النساء ومجموعات الأقليات العرقية، قد وصلت إلى 24.1 بالمئة و11.5 بالمئة من العدد الإجمالي، على التوالي، علماً بأن ممثلي مجموعات الأقليات العرقية في الصين يُمثلون 43 مجموعة، من بين ال55 مجموعة التي تعيش في البلاد وفقاً للمراجع الرسمية الصينية، وهو ما يُشير بحد ذاته الى جماهيرية الحزب والدولة، واندغام الحزب في العملية التاريخية الطويلة التي أفضت الى تحقيق مصالح الصينيين عامةً بشرائحهم وطبقاتهم وفئاتهم وقومياتهم وشعوبهم المختلفة.
ويجب التنويه الى حقيقة أن الأمين العام “شي” تابع كل القضايا التي أفضت الى إنجاح المؤتمر، وتابع كذلك كل كلمة قِيلت في أروقته، وعلّق بآرائه السديدة على الكثيرين مِن الممثلين الحزبيين الذين شاركوا بكلماتٍ أو مداخلاتٍ وأفكار واقتراحات وغيرها. كما وفسّر الامين العام للمؤتمر العديد من القضايا وشرّح المشكلات، ومنحَ حق الكلام وحق المداخلات لمن رغبوا، وأبدى الأمين العام “شي” إهتماماً بكل عضو في المؤتمر مهما بلغ عمره، ومهما كانت مكانته الاجتماعية والحزبية، وقد كان واضحاً لي كمراقب، أن “شي” ينظر للجميع على أنهم مساوون له في قيمتهم الانسانية، وبأنهم يتمتعون بقيمة كُبرى ومهمة كأعضاء في الحزب ومواطنين في الدولة الشعبية الصينية، ما أنجح المؤتمر، وكتـّل الجميع حول الأمين العام “شي” والحزب، وجعلهما كتلةً موحدة وواحدة، وجسم واحد موحّد في المؤتمر وفي الدولة الصينية وشعبها، وفي مواقعهم الاجتماعية والطبقية المتباينة مادياً والموحَّدة روحياً ومعنوياً.
…
*مسؤول ديوان متابعة الإعلام والصحافة الصينية والإعلام الاجتماعي الصيني والإسلام والمسلمين في الصين في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.