نحو “مجتمع المصير المشترك للبشرية”..
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي #مروان_سوداح*:
اختتم في بيجين عاصمة جمهورية الصين الشعبية، مؤتمر عالمي هو الأول من نوعه وجوهره على مر العصور، جَمَعَ خلال أربعة أيام عمل متواصل ومنهك، مختلف الاحزاب والمنظمات السياسية والأكاديميين السياسيين، من مختلف البلدان والقارات، للاطلاع ضمن سلسلة الاجتماعات والأنشطة والمنتديات على النظريات الحزبية الصينية وتطبيقاتها الواقعية، ولوضع قاعدة عامة يمكن ان تجمع المدعوين الأجانب، برعاية الحزب الشيوعي الصيني وطروحاته الاستقلالية والسيادية، حول مشتركات إنسانية والمستقبل الآمن للبشرية، لا سيّما في إبراز الحزب الشيوعي الصيني حوكمة عادلة، وإدارة قانونية نافذة وصارمة، ومفاهيم وطنية موضوعية، يمكن أن تكون محط دراسة مُعمّقة على صعيد عام، من جانب المشتغلين بالسياسة.
وبرغم أن المجتمعين يشتغلون في السياسة، ومنهمكون في العمل السياسي المُمل والبحث عن حلول سياسية لقضايا بلدانهم، في مختلف المناحي، إلا أن جمهورية الصين الشعبية نأت بنفسها عن “السياسة البحت والخالصة”، لصالح، أولاً وعاشراً تأكيد طروحات إنسانية تجتذب جميع الحزبيين وشعوبهم، بغض النظر عن منطلقاتهم الأيديولوجية والسياسية وتحالفاتهم الاستراتيجية على صعيد عالمي، ومصالحهم الاقتصادية والتجارية، وانتماءاتهم الطبقية والقومية، ولغاتهم وتقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية وموروثاتهم التاريخية.
المؤتمر أو لنقل “الحوار” الحزبي، وهو دولي بامتياز والأرفع والأكثر تمثيلاً بين كل الحوارات والمؤتمرات التي سبقته، تألق بخطاب عميق المحتوى، ألقاه الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، الذي شدّد على الجوهر الانساني للعلاقات ما بين الأحزاب السياسية في العالم ولقاءاتها دون شروط، وضرورة إقامة مجتمع أعدل وإنساني القسمات بجهود مشتركة.
شخصياً، كعضو سابق وناشط في حزب شيوعي، أعلم أن الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، الاوروبي، لم يتمكنا طوال تاريخهم من جَمعِ الاحزاب غير الشيوعية من كل أنحاء العالم، حول حوار واسع وشامل يطرح كل القضايا على بساط البحث، وتكون ورقة العمل فيه مؤيّدة مِن قِبل الجميع دون تأفـّف أو تبرّم، ودون تسلط أحد على أحد، أو قيادة أحد لأحد.
وبرغم أن مرحلة الاتحاد السوفييتي مُشابهة للمرحلة الحالية التي نعيشها سياسياً، من حيث اشتداد النزاعات الدولية والتهديدات العسكرية، وتحشرج روح الامبريالية العالمية، ومحاولتها بالعصا دون الجزرة التغلّب على استيلاد العالم لتعدّدية قطبية، بحروب وحشية وهمجية تقيمها، ذات طابع كوني هنا وهناك، ألا ان الجهة المنظمة للمؤتمر والداعية له، قيادة الحزب الشيوعي الصيني، تمكّنت من التغلّب على هذه الصعوبات، بوضع ورقة عمل مشتركة وواضحة لجميع المشاركين، ففازت بموافقتهم ومشاركتهم الفاعلة، لا سيّما وأنها اتّسمت بانعدام الصورية والبروتوكولية، وهو لعمري نجاح يُسجل للحزب الشيوعي الصيني، وقبل كل شيىء لزعيمه الرفيق شي جين بينغ، بِبُعدِ بصيرته السياسية والفكرية، وتحلّيه بدبلوماسية فائقة القدرة، وحِكمة تَستند الى طليعية وتقدمية الدولة الصينية، بمعانيها الانسانية، وتراكماتها التي لا فتق فيها بتواصل ألفياتها العديدة الى اليوم.
في نجاح المؤتمر/ الحوار الحزبي العالمي على أرض الصين الشقيقة، نجاح باهر للحزب الشيوعي الصيني والدولة الصينية، التي صارت جاذبةً لجميع الناس في العالم بمثالها، بغض النظر عن مكانتهم ومنطلقاتهم وآرائهم السياسية، حتى وإن كان بعض هؤلاء معادين للصين كما شهدتُ شخصياً على ذلك من خلال مشاركاتي العديدة في مؤتمرات حزبية عالمية عُقدت سابقاً في الصين، بدعوات متلاحقة من جانب الرفاق في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، الذين أشكرهم على لطفهم واهتمامهم باتحادنا الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.
اتحادنا الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين، كان يرغب بالمشاركة الفعّالة في هذا الحوار الصيني – العالمي، لكن القطار قد فاتنا لهذه السنةِ، ونأمل بأن نشارك في حوار مَثيل مُقبل، في سنة لاحقة، لنُدلي بدلونا في برنامج عمله، أمام أحزاب ومنظمات العالم، التي تصنع السياسة ومستقبل البشرية، بمشاركتهم للحزب الشيوعي الصيني، الذي غدا بهذا المؤتمر – ومن قبله بعظمة الدول الصينية الأكثر تطوراً في العالم -، الحزب الأهم والأول عدداً وتأثيراً وقيادية على مساحة العالم المعاصر.
تنبع أهمية المؤتمر/ الحوار الحزبي – الذي شارك في أعماله، بحسب وسائل الاعلام الصينية قادة وزعماء أحزاب فاعلة، بلغ عددها نحو أو أكثر من300 حزب ومنظمة سياسية، قدموا من حوالي120 دولة على الأقل – بانعقاده بعد فترة وجيزة من انتهاء أعمال المؤتمر التاريخي التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، الذي وضع مهاماً جديدة أمام الدولة والمجتمع الصينيين، لتغدو دولة العالم ومجتمعاً هو الأمثل في قدراته الفكرية والاجتماعية وروافعه الاقتصادية والاستثمارية، ضمن حريات مُقوننة بعدالة للتقدم الصاروخي لتحصيل المزيد من ذرى الازدهار الانساني للمجتمع الصيني، وفي محاولة مشروعة لعرض رؤى وقرارات المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، وخبراته المكتسبة أمام ممثلي الاحزاب الاجنبية، للتفكّر بها، ومناقشة مجتمعاتها بطبيعتها وآلياتها، وأسباب مقدرة الصين على اجتراحها خلال فترة زمنية هي الأقصر في تاريخ البشرية والعالم، بشقيه النامي والمتطور صناعياً وبشرياً، وقدرات العقل الصيني على الاستمرار بها ورغبته بمشاركة العقول المفكرة الاجنبية بالصروح الجديدة التي شيّدتها الصين.
يَرشح من يوميات المؤتمر وخلال خواتيمه، ومما يتمخض عنه من نتائج واتّفاقات، أن أحزاب العالم تقبل العلاقة مع الحزب الشيوعي الصيني وتوافق عليها، وتعتبره صديقاً أو شقيقاً دولياً في عًملانية السلام والحوكمة العالمية العادلة، ولتثبيت قيم الاستقلالية، والحفاظ على التمايز الحزبي والسياسي والفكري، إذ يُريح الجميع تخلي الحزب الشيوعي الصيني تماماً ومنذ عشرات السنين، عن سياسة، أو نهج، الأوامرية والمركز القيادي الأوحد لأحزاب العالم ومنظماته، ويريحهم كذلك مطالبته ببناء صرح عالمي مناسب لجميع الامم والشعوب، القوميات والاقوام، الأجناس والأديان والأفكار، ضمن حضارة بشرية واحدة لا حربية، وإنسانية القسمات ومتعدّدة الثقافات، وهو بالذات المستقبل الذي يَطمح الى إيجاده وتطبيقه وبنائه الحزب الشيوعي الصيني والصين وشعب الصين الذي يتطلع حقاً الى ترجمة شعارات كبرى وعظيمة، لمجتمع الكفاية البشرية والمصير المشترك والمسؤولية الجماعية عن مستقبل العالم، وضرورة تصحيح العمليات السياسية الجارية فيه لصالح هذه الأفكار الخلاقة التي يتفق الجميع عليها.
*زميل أكاديمية العلوم الروحية الروسية ورئيس الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.