مِن “دِير ياسين” الفِلسطينية إلى “نانجِنغ” الصِّينية… دموية المُحتليِن
موقع الصين بعيون عربية ـ
عبد الرحمن أبو حاكمة*:
يَحفل تاريخ البشرية بالكثير من المجازر والمذابح التي تعرضت إليها العديد من الشعوب، ولعل تاريخ الكيان الصهيوني على مدى العقود الطويلة الماضية، كان أكثر إجراماً في العصر الحديث، حيث تنافست العصابات الصهيونيّة في القتل والتنكيل بالفلسطينيين، فما أن يفتح الطفل الفلسطيني عيونه على الحياة، ختى يجد رصاص الاحتلال يلاحقه والطائرات تطارده والمذابح تحيل أيامه الى جحيم وكوابيس.
واذا ما استعرضنا المذابح التي تعرض إليها الفلسطينيون على مدى السنوات الماضية، نجد أنه يصعب تعدادها، فمن من “الطنطورة”، إلى “دير ياسين”، إلى “كفر قاسم”، إلى “صبرا و شاتيلا”، إلى “مذبحة غزّة”، والكثير غيرها، وبنظرة الى تاريخ الصهاينة، نجد أنه عبارة عن سلسلة مذابح ارتكبها ضد شعب أعزل يتسلح بالارادة والكرامة ويعشق الحياة “إذا ما استطاع اليها سبيلا..
“دير ياسين”.. المذبحة الأكثر دموية
دير ياسين.. بلدة اقتحمتها عصابتان صهيونيتان فجراً، وعاثوا فيها قتلاً وسفكاً للدماء وتمثيلاَ بالجثث وإجهازاً على كل حي سواء نساء أو أطفال أو شيوخ، كبار أو صغار، وأسفرت عن مقتل من 250 إلى 160 ضحية، لكن أهلها قاوموا الغزاة بكل شجاعة وقتلوا وجرحوا العديد منهم، فاستعان العدو الاغتصابي بقوات دعم من أحد المعسكرات المجاورة التي قصفت القرية بمدافع الهاون، وبعدها لجأ المهاجمون الصهاينة إلى استخدام الديناميت لتفجير القرية بأكملها، ثم أطلقوا النيران على كل من قابلهم من الرجال والنساء والأطفال واستمرت عمليات الإبادة لمدة يومين.
مارس الصهاينة خلال هذه المذبحة أبشع عمليات التشويه والتعذيب والتمثيل بالجثث وذبح الحوامل وبقر بطونهن، حيث سجلت موسوعة النكبة إلقاء حوالي 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، كما اقتيد 25 من الرجال الأحياء طافوا بهم القرية حتى تم إعدامهم رميا بالرصاص، وبعد إلقائهم في بئر وإغلاق بابه، ولاحقاً حاولوا إخفاء الجثث بتفجيرها لنحة جريمتهم.
من نانجينغ الى دير ياسين
دموية مشاهد القتل والذبح لم تنمحِ من ذاكرة التاريخ، فممارسات “إسرائيل” الإجرامية حوّلت القرية إلى برك للدماء وجثث في كل جزء منها، وهو الأمر الذي حدث أيضاً قبل ذلك بنحو 10 سنوات في مدينة صينية تعرف بإسم مدينة نانجينغ (Nánjīng) التي كانت أيضا قبل أكثر من ثمانية عقود، مدينة على موعد مع مجزرة ومذبحة اعتُبرت من أكثر الفصول الدموية في التاريخ الحديث.
ففي الثالث عشر من ديسمبر عام 1937 وعلى مدى ما بين شهر ونصف إلى شهرين، ارتكب الجيش الياباني الغازي في نانجينغ عاصمة جنوب الصين، أحد “أشهر” المذابح في التاريخ، والتي قيل عنها أنها تأريخ جديد للمذابح، لأنها وبالرغم من حدوثها في العصر الحديث، إلا أنها جمعت كل ما ارتكب من وحشية استُخدمت منذ فجر التاريخ، ففيها كان القتل والاغتصاب وأكل اللحوم البشرية.
البداية كانت في أغسطس عام 1937 عندما غزا الجيش الياباني شنغهاي بذريعة إختفاء جندي ياباني عند معبر (ماركو بولو) قرب العاصمة بكين، مدينة نانجينغ كانت شاهداً على قتل ونهب واغتصاب لأسرى الجيش الصيني ولعامة سكان المدينة في مذبحة تعتبر من أفظع جرائم القوات اليابانية في الحرب العالمية الثانية.
بالطبع، اليابان فبركت قضية وهمية بإختفاء جندي من أتباعها للبدء بعملية تطهير عرقي للصينيين، وحملهم على الهروب من الاراضي الصينية التي تحتلها اليابان، فتفريغها من الصينيين لإحلال اليابانيين محلهم، وهي عملانية تزامن توظيفها في فلسطين من جانب الحركات والمنظمات الصهيونية، التي سعت بدورها إلى إجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم وبيوتهم وأطيانهم، تحت تهديد السلاح وعمليات الاغتصاب والمذابح.
وفي يوميات هذه المجزرة نقرأ كيف بدأها الجيش الياباني، بإطباق الحصار على مدينة نانجينغ، حيث شرع جنوده بتصفية المدنيين الأبرياء بلا هوادة، ومنهم أطفال في سن الثالثة والرابعة، وُجدوا غرقى في دمائهم، وحوامل بقرت بطونهن ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذبحوا وقتلوا، وكل مَن حاول الهرب كان القتل مصيره، لينشروا الرعب فى ربوع المدينة.
.. كانت ساعات من القتل المستمر وسماء مُغطاة بنيران القنابل المضيئة، أحكمت إغلاق كل مداخل النجاة، وكما جرى في دير ياسين جرى في نانجينغ، إذ لم يُسمح للصحفيين ولا لوكالات الأنباء بالدخول، لكن البعض دخل الى دير ياسين ونانجينغ بعد انتهاء القتل والسحل والاغتصابات، فأرّخوا للمجزرتين وفضحوا “أبطال” كل واحدة منهما، ليستفيق العالم على مذبحتين من أبشع المذابح في تاريخ البشرية: جثث مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوساً بلا أعين، وأخرى محطمة، وليجد عشرات ومئات الالاف من الجثث المتفحمة أو المهترئة والممزقة، فهذه جثة لطفل وأخرى لإمرأة تحتضن وليدها بالإضافة الى الشيوخ والرجال.
المذابح والفظاعات التي ارتكبها الغزاة على أرض الصين وفلسطين تؤكد، أن عالم الشر متضامن، وبأنه يستمر يعمل بأساليب الماضي لترويع عالم لمستقبل الذي يُرسي في هذه الأيام تحالفات دولية، من شأنها وقف كل الأفعال الشنيعة التي لا تمت للانسانية بأية صِلة، من أجل أن تنعم البشرية ببشريتها والانسان بإنسانيته الكاملة دون نقصان.
…
*عبد الرحمن أبو حاكمة (أبو الحَكم): كاتب وصحفي ومحرر صحفي معروف ومناضل وصديق قديم للصين وعضو في الاتحاد الدولي للصحفيـين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء (الصين).