“نانجينغ” وروسيا وكَمّاشَة اليَابَان..
موقع الصين بعيون عربية ـ
يلينا نيدوغينا*:
في واحدة من أعدادها، كتبت مجلة “الصين اليوم” باللغة العربية، أن عدد القتلى من المدنيين والعسكريين الصينيين خلال فترة العدوان الياباني الأخير على الصين، بلغ أكثر من 36 مليون إنسان، (وفاق عدد الجرحى هذا الرقم بكثير)، وتجاوزت خسارة الصين الاقتصادية جرّاء ذلك 600 مليار دولار أمريكي.
وفي عدوان وحرب اليابان الإمبراطورية على الصين والذي بدأ مع العام 1931، واستمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، سنة 1945، مارس جيشها أبشع أشكال وأنواع الفظاعات والقسوة، وقد اعترف بصحة هذه المعلومات أفراد الجيش الياباني نفسه والتاريخ العالمي، بينما بسَّطت طوكيو من وحشية هذه الجرائم وها هي تتناساها، اعتقاداً منها أن العالم قد يَطوي صفحتها القاسية الى الأبد!
ارتكبت اليابان ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر وإلى أواسط القرن العشرين، جرائم عدوانية، فقد نهبت الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة من الصين، وبعد الحرب بين اليابان وروسيا 1905، احتلت اليابان مناطق صينية مثل ليوشون وداليان، والأخيرة يوجد فيها تركيز بشري روسي مُقيم، وفي عام 1931، اعتدت اليابان على شمال شرقي الصين. وابتداء من عام 1937 اندفعت القوات اليابانية بغزارة عددية في عُمق الصين، ليقتل جيشها المدنيين وينهب الثروات بجنون في كل مكان يصل إليه.
ومن أفظع المجازر كانت مجزرة نانجينغ (13ديسمبر 1937)، التي عكست وحشية الجيش الإمبراطوري ومدى وضاعة التعليمات التي صدرت إليه بإفناء المدنيين والعسكريين الصينيين جسدياً، وخنق كل ذي نفس حيّة، وكانت هذه المجازر أيضاً ذات أهداف بعيدة المدى “لتنظيف” القارة الآسيوية من شرقها الى وسطها، وبعدها الى غربها، من “الآخرين!”، ولتكون حِكراً على اليابان تُربةً وعَسكراً وبشراً!
وبشهادة موقع “المعرفة” العلمي الشهير الذي أماط اللثام عن حقائق الحروب اليابانية على الصين وأسباب الجرائم التي نظمتها طوكيو بحق الصينيين، فقد “كانت الحرب (اليابانية ضد الصين/ ملاحظتي)، نتيجة لعقود طويلة من السياسة الإمبريالية اليابانية، التي هدفت إلى الهيمنة السياسية والعسكرية على الصين، وتأمين احتياطيات المواد الخام الهائلة والموارد الاقتصادية الأخرى، خاصة الغذاء والعَمالة. وفي الوقت نفسه، المد المتصاعد للوطنية الصينية وتقرير المصير كان بمثابة شرارة لبدء الحرب.
(المرجع: https://www.marefa.org/الحرب_الصينية_اليابانية_الثانية).
ومن المَذابح التي نظمها اليابانيون ضد الصين في الصين، التالية، على سبيل المِثال:
ـ مذبحة ليويشون: ارتكبت في 21 نوفمبر 1894، بعد احتلال الجيش الياباني ليويشون، وبموافقة من قائد الفيلق الثاني وقيادة قائد الفرقة الأولى للجيش الياباني، نفذ الجيش الياباني مذبحة للمدنيين الصينيين استمرت أربعة أيام، قتلوا خلالها أكثر من 20 ألف صيني فقط! الياباني،
ـ مذبحة جينان: استمرت من 3-11 مايو 1928، قتل الجيش الياباني الذي اعتدى على مقاطعة شاندونغ الصينية مرة ثانية، الدبلوماسيين والعسكريين والمدنيين الصينيين بجنون. وتشير تحقيقات فرع جينان لجمعية الصليب الأحمر الدولية، أن عدد القتلى في هذه المذبحة بلغ 6123، والجرحى 1700، ووصلت خسارة الممتلكات 57ر29 مليون يوان.
ـ مذبحة بينغ دينغ شان:في 16 سبتمبر 1932، ومن أجل الانتقام من الجيش الصيني المقاوم للعدوان الياباني، شرع الجيش الياباني بمذبحة جماعية للمدنيين في قرية بينغدينغشان، قتل فيها أكثر من 3000 صيني. للجيش الياباني
بالإضافة الى ذلك، شكل اليابانيون مجموعات من “نساء الترفيه للجيش الياباني”، أو “نساء المتعة” لقادتهم وجنودهم، أثناء حربه العدوانية على مختلف الدول الآسيوية ومنها الصين وروسيا، فأقاموا ما سُمّي بـ”إدارة الترفيه العسكرية”، لاستخدام مئات الآلاف من نساء وفتيات الدول الآسيوية “إجبارياً” أو بالخداع، ليعملن كنساء ترفيه للعسكر، وليقوم أفراد الجيش الياباني بالاغتصاب الجماعي المُشرّع إمبرطورياً وبجرائم القتل الفظيعة للنساء بعد تصنيفهن “بغير القادرات على خدمة القوات اليابانية”! للجيش الياباني،
كما شنّ الجيش الياباني حروباً جرثومية وكيميائية على الصينيين والروس في شرقي روسيا (الشرق الأقصى الروسي)، وحاولوا احتلال سيبيريا بأكملها بعدما احتلت اليابان في حرب (1904-1905) عدداً من الجُزر الروسية في محاولة لإغلاق المنافذ البحرية لروسيا وخنقها، والتعاون مع دول أُخرى ذات تاريخ مَفضوح في مسار الهيمنة الاسيوية والدولية، وهو نفس التكتيك الحربي الذي اتّبعته اليابان ضد الصين، وللآن.
اليابان الإمبراطورية قامت عسكرياً وخلال الحرب العالمية الثانية بمد سكك حديدية عبر سيبيريا، من شرقها إلى مناطق بعيدة عن حدودها مع وسط روسيا، وقد أرادت طوكيو بهذا أن تبلغ هذه السكك غرب روسيا، لتسهيل نقل النفط الروسي المسروق إلى اليابان، ولشحن العسكر الاستعماريين بسرعة بالقطارات إلى غرب روسيا وآسيا!. وبهذا، وصولها الى إغلاق فتحة كمّاشة “دول المحور” النازية والفاشية الالمانية والايطالية، لضمان الهيمنة على آسيا، وبضمنها العالم العربي الآسيوي، ودول جنوب القارة ووسطها.. ولهذا أيضاً وبالذات نظّم العسكر اليابانيون آنذاك عدداً من الجرائم، التي كانت على شكل مَجازر في البلدان التي احتلوها، ومنها روسيا الحليفة للصين، فقد كانت روسيا وقتها جزءاً من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية.
اليابان كانت على الدوام، وهي الآن أيضاً كما اعتقد، مهمومة بشكل خاص بالنزعة التوسعية في الأراضي الروسية والصينية، ومحاولة تقليص حجم هذه الأراضي، لأنها الدولة الوحيدة في مجموعة “الدول – الجزائر” التي كانت ولا تزال تتطلع الى خوض حرب أو نزاع إقليمي مع روسيا والصين، هرباً من وضعها الإقليمي الجيوبوليتيكي المحصور والسّيء، ولهذا تكيل طوكيو لكل من بيكين وموسكو التهم تلو التهم جُزافاً بأنها دول احتلالية، وبهذا تحاول اليابان ما وسعها الجهد الى تطبيق المثل الذي يَقول: “إن أفضل شيئ لدفع التهم عن الذات، هو اتِّهام الآخرين بها”!
ولإبعاد التّهم المُؤكدة عن مسؤولية اليابان عن الحروب الاستعمارية والمجازر الجماعية من خلال توجهاتها السياسية الهابطة، درجت طوكيو على اتهام الصين وروسيا بنسج مخططات حربية لا وجود لها في الواقع، ولهذا نراها تدفع بمحلليها السياسيين والإعلاميين لكيل التهم للصين، على شاكلة ادّعائها بـِ (“خواء” تمسّك الصين” بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة)، كما جاء في مقالات السيدة يوريكو كويكي، زعيمة المُعَارَضة في البرلمان الياباني، في عام 2014.. لكننا، والعالم كله، ندرك أهداف اليابان من هذه الهجمات والفبركات الإعلامية التي لا سند قانونياً وشرعياً وأخلاقياً لها، وهو نفس الأسلوب الصهيو إسرائيلي والأمريكي تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
والذي يدعو للرثاء لليابان، هو أمر طوكيو بعدم قدرتها على تلفيق “الكذب المُحكم”، فكيف يمكن ان يُقتل من الصينيين أكثر من نصف مَن قتلوا من الأُمميين من شعوب العالم وجيوشه في كل الحرب العالمية الثانية، وأن يكون قتلى اليابان في تلك الحرب أقل من القتلى الصينيين بكثير، ومع ذلك تكون الصين بادعاءات يابانية، “هي البادئة بحرب ضد اليابان”، في عام 1931، وخلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 التي قادتها اليابان أيضاً بجيوش جرارة وإبادات جماعية للصين الفقيرة، والتي كانت تتعرض الى استعمار يليه استعمار لأرضها وشعبها!
وفي هذه السّياقات والحالات، لا نجد غضاضة بغرابة بتنظيم طوكيو إبادات بالجُملة لشعوب جارة لها، منها الصين، على شاكلة نانجينغ الصينية، وغيرها من المذابح التي يَندى لها جبين كل إنسان، بل أننا نفهم اليوم لماذا تمتنع اليابان عن الاعتراف بجرائمها ولو بعد أقل من قرن من الزمن، ذلك أن الاعتراف سيَجر الى كشف المزيد والمزيد من جرائم اليابان بحق الصين وروسيا والبشرية الآمنة، فالتنادي العالمي إلى إعلانها بالتالي: الدولة – الأخطر على سلام العالم وأمنه وسيادته على نفسه..
….
* #يلينا_نيدوغينا: كاتبة ورئيسة تحرير جريدة “#الملحق_الروسي”، ورئيسة الفرع الاردني للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، ونائب رئيس #رابطة القلميين الألكترونية مُحبي #بوتين و #روسيّه للاردن والعالم العربي.
*المراجع: مصادر دولية، بالإضافة الى “مجلة الصين اليوم” – أعداد مختلفة.