المُؤتمر 19.. “بونساي” وأيقولوجيا وتحفيز
موقع الصين بعيون عربية ـ
فيصل ناصيف صالح*:
يُشكّل المُؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، خطة عمل صينية استراتيجية لكل دولة جمهورية الصين الشعبية، ولكل الشعب والفعاليات السياسية والاجتماعية في الصين، لكنها مُلزمة أولاً للحزب الحاكم وأعضاء الحزب، ونِبراساً إليهم للقفز الى الأمام خطوات واسعة وبكل عزيمة وخطوات واثقة.
ركّز شي جين بينغ – الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في خطابه أمام المؤتمر ال19 على مسألة من أهم المسائل التي تواجه الصين حالياً، وهي العناية الشاملة بالبيئة الأيقولوجية والطبيعة – الأُم.
قد يَقول قائل، ولماذا نهتم بالبيئة، ولماذا ننشغل بكل ذلك ونُتعب به أنفسنا؟!
أرى، أن أمر الاهمية القصوى للبيئة والطبيعة والايقولوجيا إلى آخره من تسميات للفضاء غير الإنساني المباشر، هو أمر ضروري لتطوّر المجتمع الصيني ولكل مجتمع آخر يتطلع الى التقدم والازدهار، والمحافظة على استمراريته في اندفاعة نافعة، فما يؤثر على البيئة يؤثر على الانسان نفسه والمجتمع إيجاباً أو سلباً، لا سيّما للحفاظ على صحة الإنسان. فوجود بيئة نظيفة يؤدي الى ازدهار العناية بالبشر وبكل ما يحيط بهم مِن عوالم غير بشرية، ويَصقل النفس والروح ويُقوّم الانسان ومسيرته بالخير والصواب، وهو ما يَعني المزيد من الانتاج وتناغم الناس مع الطبيعة وإغناء بعضهما بعضاً في كل مجال، فتحصيل النجاح هو في ترتيب البيئة المحيطة وليس العكس، وعلى صعيد دولي يمكن للصين ان تخطو خطوات وتقفز قفزات محورية وأوسع وأعرض من خلال عنايتها بالبيئة، إذ أن التاريخ الصيني القديم والحديث يَطفح بعلوم البيئة والاهتمام ب “الفلورا” و “الفاونا”، كما أن برامج الصين اتجاه الطبيعة ضخمة وآمنة، وتصرف الصين عليها قِيم نقدية لم تصرفها دول أخرى مِن قبل.
التوظيفات الصينية في البيئة ونظافة الأيقولوجيا لها بُعد آخر – دولي، وهو يؤكد ان العَالَم كله يستطيع أن يَجترح نظافة البيئة، بعيداً عن تلويثها لو أراد ذلك وكانت النوايا لديه نافعة وحقيقية.
وفي جانب متصل، تزدهر في الصين ازدهاراً لا مثيل له، النباتات المُقزّمة، وبضمنها الأشجار المثمرة وتلك المخصصة للزينة والروح، وهو فن رفيع وألياته مذهلة التطبيق. إضافة إلى أنه شاهد على تقدّم العناية الصينية بالبيئة عناية كبيرة، وعمل الصين على مسألة صَقل عَقل الانسان صوبها بالتعقل والعناية والمَحبة والتواصل الشعوري، لهذا ترفع الصين شعاراً جميلاً هو: “لنبني الصين الجميلة!”.
وفي شعار آخر نقرأ عن “البناء الحضاري الإيكولوجي” للصين، وفي غيره عن “إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل وإحراز انتصارات عظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، والكفاح الدؤوب في سبيل تحقيق حلم الصين المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية”، وجميع هذه الشعارات لا يمكن تحقيقها ونيلها وترجمتها على أرض الواقع سوى بالعناية الأمثل بالبيئة.
أما بشأن “فن البونساي” في الصين، فهو في صلب البرامج الحزبية والحكومية الصينية، ففي عُمق هذا الموضوع – الفن، ليس في النبات بحد ذاته، وإن كان هذا الامر يُولى أهمية فائقة، لأسباب كثيرة، لكن الأهم هنا هو صقل الانسان وتنمية انسجامه مع البيئة والطبيعة – الام، وجعلهما “وحدة واحدة”، فيودي ذلك الى خدمة الطبيعة والانسان معاً.
في الاشتغال بفن البونساي، يستطيع الانسان زراعة غابة كاملة في بيته، على مساحة محدودة وصغيرة جداً، وحيث يمكن أن تُزرع أية أنواع من الأشجار والنباتات، دون الحاجة لتوفير مساحة شاسعة خضراء كحديقة كبيرة أو ما شابه، وهناك صينيون وعرب كثيرون يُفضلون زراعة أشجار متساقطة الأوراق، لِما يطرأ عليها مِن تغيّر في لون أوراقها، وحتى عطوراتها، تماشياً مع التغييرات في المواسم الطبيعية وانعكاسات ذلك على الانسان ومشاعره وملازمتها للطبيعة، فمن موسم البراعم المتضخمة، إلى موسم الأوراق المكتملة، ثم إلى ألوان الخريف الترابية، فالفروع العارية، أما الكرز، والتفاح، وأشجار الفاكهة الأخرى فيفضلها الصينيون والناس عموماً لأزهارها وفاكهتها الطيبة. وهنا بالذات يمكن أن نلمس أهمية إدخال البيئة والأيقولوجيا إلى داخل منزل وكل إنسان، فتغيير الأولويات الإنسانية الى ما يرتبط بالإنسان ومصالحه ومستقبله وتطوير عقله وأحاسيسه، وكذا الأطفال والشبيبة في رياض الأطفال والمدارس والكليات والجامعة وغيرها، فالمجتمع ككل ومستقبله الافضل وانتاجه الأحسن وعلاقاته الجمعية المنتجة وتكاتفه المنشود.
وفي هذا المجال، يقول القسم العربي لإذاعة الصين الدولية، أن الصين أحرزت خلال أكثر من ثلاثين عاماً من الجهود المستمرة، منجزات مرموقة في مجال حماية البيئة. وفي عملية ضبط تشكيلة الاقتصاد وتوسيع الطلب المحلي، عزّزت الصين بشكل ملحوظ جهودها في اعمال حماية البيئة. ومن نظرة عامة، فقد تمت السيطرة على اتجاه تدهور تلوث البيئة في أنحاء البلاد بشكل أساسي، وتحسّنت جودة البيئة في بعض المدن والمناطق الصينية، مما قدم إسهامات في تنفيذ استراتيجية التنمية المُستدامة بالصين.
في الصين ترتفع باستمرار حماسة مختلف فئات المجتمع للاهتمام بحماية البيئة ودعمها والمشاركة فيها. وفي هذا الصدد تقول الإذاعة العربية للصين، أن مصلحة الدولة الصينية العامة لحماية البيئة ووزارة التربية والتعليم الصينية كلفت مركز بحوث الظروف المحلية التابع لجامعة بكين لإجراء الاستطلاعات لنحو عشرة الاف أُسرة في 139 منطقة ادارية على مستوى المحافظة ل31 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية خاضعة للإدارة المركزية، وأشارت نتائج الاستطلاعات إلى أن قضية البيئة أصبحت نقطة ساخنة تلفت اهتمام المجتمع الصيني. لذا، فقد أُدخلت المواد الدراسية الخاصة بحماية البيئة الى التعليم الالزامي لتسع سنوات. وتتطور عمليات بناء المدارس الخضراء والاحياء السكنية الخضراء بشكل سريع في الصين حالياً.
وتشجّع الدولة الصينية المواطنين على المشاركة في حماية البيئة. ومن دواعي سرورنا ان الدولة أنشأت خطاً ساخناً لحماية البيئة. وزادت من إصدار المعلومات البيئية، حيث اصدرت على التوالي النشرة الجوية اليومية والتنبؤات حول جودة الهواء في 47 مدينة رئيسية، والنشرة الاسبوعية لجودة المياه في الانهار الرئيسية، والنشرة الاسبوعية لجودة المياه في شواطئ الاستحمام الرئيسية. وتصدر بياناً سنوياً عن أحوال جودة البيئة في أنحاء البلاد.
باختصار، فان الصين تخطو خطوات واسعة في قضية حماية البيئة وتعظيم مردوها. ولنا في مقالة أخرى إضاءات جديدة في هذا الحقل الانساني – البيئي والدولتي.
…
*#فيصل_ناصيف_صالح: #خبير_تصوير و#مصوّر_إعلامي مُعتمد للاتحاد الدولي_للصحفيين_والإعلاميين_والكتّاب_العَرب_أصدقاء_(وحُلفاء) الصين، وكاتب، ومتخصص بفنون نباتات “#بونساي” والبيئة والانسان.